-
العثمانيون حولوه إلى مخزن لمهمات الجند.. والحملة الفرنسية حولته إلى ثكنات باسم «قلعة سيكوفسكى»
-
محمد على بك أقام به مخبزا.. والإنجليز حولوه
-
إلى مذبح للخنازير حتى الحرب العالمية الأولى
مسجد الظاهر بيبرس يعد واحداً من أكبر المساجد الجامعة فى مصر، والذى كان شاهداً على فترات وحقب تاريخية منذ عصر المماليك وحتى الآن، ومر المسجد بمراحل كثيرة من الاهتمام به تارة وإهماله تارة أخرى حتى جاء الوقت الذى اهتمت به الدولة الآن وشرعت فى أعمال ترميمه وتجهيزه للعودة خلال الشهور القليلة القادمة الى الصورة التى كان عليها وقت إنشائه قبل نحو 850 عاما عندما بناه السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، الذى شارك سيف الدين قطز فى هزيمة المغول، ويعتبره المؤرخون المؤسس الفعلى لحكم دولة المماليك البحرية، وقد كان رابع سلاطين المماليك، وبدأ حياته فى مصر لدى السلطان الصالح الأيوبى كمملوك وأطلق عليه لقب «ركن الدين»، حيث دأبت الدولة الأيوبية على استقطاب مماليك من إقليم كان يسمى بـ«القمجان» والمعروف باسم «كازاخستان» حالياً لما يتميزون به من قوة البنيان حيث اشتراه علاء الدين البندقدارى ومنه أخذ اللقب.
خلال السنوات الماضية تعرض مسجد الظاهرة بيبرس لإهمال شديد، ولم يحظ بالاهتمام اللائق بتاريخه حتى أوشك على الانهيار، وقبل أحداث 25 يناير كانت هناك محاولات جادة لتطويره لكنها توقفت حتى العام الماضى الذى شهد بداية العمل على تطويره لكى يستعيد تاريخه وأمجاده العريقة خلال الأشهر القادمة.
أرض بور
قبل جولتنا بالمسجد تحدثنا مع الدكتور مختار الكسباني، استاذ الآثار بجامعة القاهرة، الذى أوضح أن الأرض التى تم بناء مسجد الظاهر بيبرس عليها خارج مدينة القاهرة وتحديداً فى شمال المدينة كانت أرضاً بورا خالية من العمران، وهذا الاختيار كان لعدة أسباب وقتها أهمها أن يكون المسجد بمساحة كبيرة خارج القاهرة الفاطمية، وتم إنشاء مدارس كبيرة سميت على اسمه «الظاهر بيبرس» داخل القاهرة مع إعادة إحياء الخلافة الاسلامية التى كانت موجودة فى بغداد.
وهذا المسجد الأثرى للأسف كان منكوباً، وكان مذبحا للخنازير فى عهد الاحتلال البريطاني، وضاع الكثير من معالمه الأثرية لإساءة الاهتمام به، ومساحة المسجد كبيرة نحو 70 مترا فى 80 مترا، ويعتبر من المساجد الكبرى الموجودة فى مدينة القاهرة، وتم بناؤه على الطراز المملوكي، وهو على طراز المساجد الجامعة ويعتبر النموذج الأول للمسجد النبوى بالمدينة المنورة.
وخلال جولة «الأهرام» داخل المسجد التقينا بعدد من العاملين على ترميم المسجد، حيث يقول المهندس أشرف أبو علم ، مدير منطقة بإدارة صيانة القصور والآثار: نحن الآن نقوم بعمل دعامات المباني، وتم الانتهاء تقريبا من 50% من صحن المسجد والباقى سوف يتم استكماله، والجامع جميع أعمدته من الرخام الكرارة المستورد، وهو عبارة عن 3 أجزاء قاعدة وبدون تاج ويتم العمل به يومياً، والبدن عبارة عن 3 أمتار والعمود بأكمله به 3 مراحل عبارة عن 6 أمتار والمسجد به 136 عمودا من أعلى وأجود أنواع الرخام على مستوى العالم «الكرارة الإيطالي» والأعمدة الموجودة بالمسجد الآن 40 عمودا ونحن الآن فى مرحلة انتاج واستيراد الخشب العزيزى للأسقف استيراد برازيلي، وعزل الأرضيات والحوائط بمادة «بى.فى.سى» مع عزل الأسطح والأرضيات عزلا أوروبيا، ومعظم بنية المسجد تم الانتهاء منها مع شبكة تثبيت منسوب المياه وأعمال الاحلال ويوجد أعمال حقن أساسات وعزل الجدران بمادة «الفاكرو»، وتجرى أعمال ترميم الشبابيك والزخارف الجصية.
200 عامل
أما المهندس عمرو حسن، مدير المشروع فيقول: سوف يتم الانتهاء من المشروع فى نهاية 2020، ومساحة المسجد نحو 11 ألف متر مربع والصحن 4200 متر، والأونات 6 آلاف متر مربع، وضلع الجامع «100 x 104»، وعدد العمال بالمشروع يصل إلى 200 عامل ما بين مهندس وفنى وعامل، ويوجد بالمشروع عمالة مدربة ذات حرفية عالية ويعملون فى صمت حتى يخرج المشروع فى أحسن وأبهج صورة له.
ويقول الدكتور وليد الشناوي، مسئول قطاع التشييد والبناء بـ»المقاولون العرب»: إنه تم اكتشاف صهريج تحت الأرض، وهذا المشروع يوجد اهتمام كبير به ومعدل الجهد المبذول هائل.
الترميم والإعمار
أما عن ملامح مشروع ترميم وإعمار جامع «الظاهر بيبرس» فأكد لنا المهندس محمد محسن صلاح، رئيس شركة «المقاولون العرب» التى تنفذ المشروع أن مسجد الظاهر بيبرس البندقدارى يتكون من صحن أوسط مكشوف وأربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة بالجهة الجنوبية الشرقية من المسجد ومساحته 3570 م2، و60 عمودا رخاميا، بخلاف 34 عموداً أسفل القبة تحمل القاعدة التى تم بناء القبة عليها، أما إيوان جهة شمال الغرب فمساحته 1040 م2 وكان يعلوه المئذنة وبه عدد 16 عموداً رخامياً ومدخل بالواجهة الحجرية، وأما إيوان الجهة شمال شرق فمساحته 880 م2 وبه عدد 16 عموداً رخامياً ومدخل بالواجهة الحجرية، وتبلغ مساحة إيوان الجهة جنوب غرب 880 م2 وبه عدد 16 عموداً رخامياً، ومدخل بالواجهة الحجرية.
وأضاف صلاح ان أهم ما يميز الجامع احتواؤه على مقصورة تتقدم المحراب فتشغل تسعة أروقة وتحلى الواجهات الحجرية للجامع زخارف حجرية منها ماهو نباتى ومنها ما هو هندسى نفذت بشكل دقيق وجمال فائق تبرز مهارة الصانع ودقة المعماريين المشاركين، موضحاً أن مسجد الظاهر يزخر بالعديد من العناصر الجصية (شبابيك جصية شريط قرآنى شريط نباتي) موجودة بالواجهات الأربع من داخل الجامع منها ما هو أثري، ويوجد بالبائكة اليسرى لإيوان القبلة والقندلية الجصية الموجودة بأعلى قاعدة المئذنة، أما باقى الشبابيك الجصية بباقى الإيوانات فمنها ما يرجع للجنة حفظ الآثار ومنها ما يرجع لفترة الستينيات والتسعينيات وذلك فى باقى واجهات الجامع من الداخل.
وقال رئيس شركة المقاولون إنه يوجد بفتحات شبابيك جامع الظاهر بيبرس من الداخل شبابيك جصية (نباتى وهندسى بالتبادل) ويبلغ عددها من الداخل 72 منها ما هو أثرى وعددها 14 شباكاً بإيوان القبلة وثلاثة شبابيك من أعمال لجنة حفظ الآثار العربية بالجدار الشمالى الشرقى للجامع، كما يوجد بقايا الشباك الجصى الأثرى رقم 5 من الخارج، ويلتف الشريط القرآنى الأثرى من سورة الأنعام حول الشبابيك الجصية الأثرية من الداخل بالجزء الأيسر من إيوان القبلة، ويمتد الشريط الجصى النباتى الأثرى أسفل الشريط القرآنى بإيوان القبلة، أما باقى الشريط الجصى النباتى بباقى الإيوانات فهو مستحدث.
أما الواجهات الخارجية للجامع فيوضح المهندس محمد محسن، أنه يحاط من الخارج بسور مربع مبنى من الحجر المشذب ويبلغ طول ضلعه 100 متر، ويبلغ ارتفاعه 10.96 متر ويعلو السور شرافات يبلغ ارتفاعها 1.30 متر، ولا يزال الجزء الباقى منها فى الضلع الجنوبي، مضيفاً أن أركانه ارتكزت من الخارج بأربعة أبراج: اثنان منها مربعان على طرفى الضلع الشرقي، والآخران مستطيلان والأبراج مصمتة ما عدا الذى يشغل الركن الجنوبى الغربى فهو مجوف إذ يشغله درج يؤدى إلى سطح الجامع، وقد فتحت فى هذا البرج أربع نوافذ فى الجهة الغربية، واثنتان فى الضلع الشرقي، وفتح فى الجزء العلوى من السور 72 نافذة يعلوها عقد مدبب بمعدل 18 نافذة فى كل ضلع، وقد كانت هذه النوافذ مملوءة بالجص المخرم ولكن لم يبق منها إلا بقايا يمكن الاستعانة بها لإعادتها إلى ما كانت عليه.
وأوضح أن وزارة الآثار هى صاحبة المشروع، والاستشارى كلية الهندسة بجامعة القاهرة، ومدة العملية 36 شهرا، ويبلغ إجمالى قيمة التعاقد نحو 76 مليون جنيه، وبدأ استلام الموقع وبدء العمل يوليو 2007 وتم ايقاف المشروع فى 15سبتمبر 2011، ثم وافق مجلس الوزراء فى مايو 2018 على استئناف العمل بالمشروع مرة أخرى بعد إعادة التوازن المالي، وبالفعل تم استئناف الأعمال بالمشروع فى بداية عام 2019 بحضور وزير الآثار، حيث تتم الأعمال بمتابعة وزارة الآثار وتحت إشراف جهاز القاهرة التاريخية والمنطقة الأثرية، والعمل يسير على قدم وساق فى أعمال المبانى بالطوب الطفلى وهو (البند الحاكم) بالمشروع وتتم الأعمال بصورة مضغوطة لإنجاز العمل فى أسرع وقت وحتى يمكن استكمال باقى الأعمال المترتبة عليه.
وقال محسن إن كمية الطوب المستخدمة تبلغ 5 ملايين طوبة لعمل مبانى الأعمدة والعقود داخل المسجد، و تم إنهاء 50% من الأعمال، وجار استكمال باقى الأعمال بالخندق حول المسجد والإيوانات الداخلية، وتركيب الأعمدة وهى من الرخام الأبيض «الكرارة» وتتكون من قاعدة وبدن وتاج ويتم تشكيل التاج يدوياً كما بالأعمدة الأثرية القديمة بالمسجد، وسيتم استخدام ما يقرب من 800 متر مكعب من الخشب العزيزى لأعمال الأسقف وجار تركيب بعض الأسقف مثل: (الإيوان الشمالى الشرقي)، ونستعمل أحدث أنظمة العزل لكل من الأرضيات والأسقف بالمسجد والتى تم توريدها بالكامل.
يقع المسجد بميدان الظاهر بالقاهرة، شرع فى بنائه فى 15 جمادى الثانى من سنة 665 هجرية الموافق 13 مارس من عام 1267 ميلادية، وافتُتِح للصلاة فى شوال 667 هجرية/1269 ميلادية، وظلت الشعائر الدينية مقامة بالجامع حتى أوائل القرن السادس عشر الميلادى حين عجزت الدولة فى ذلك الوقت عن الصرف عليه نظرا لاتساع رقعته فساءت حالته، واستخدم فى أغراض أخرى غير الصلاة، ويعتبر المسجد ثانى أكبر مساجد مصر بعد أحمد بن طولون حيث أنشئ على مساحة 3 أفدنة تقريباً فى فترات زمنية مختلفة، وحوله العثمانيون إلى مخزن للمهمات الحربية، وفى أثناء الحملة الفرنسية تحول إلى قلعة وثكنات عسكرية عرف وقتها باسم «قلعة سيكوفسكي»، وتحول الجامع إلى معسكر ومخبز فى عصر محمد على بك، ثم مصنعاً للصابون، وفى عام 1882 اتخذه جيش الاحتلال الإنجليزى مخبزاً ثم مذبحًا وعرف باسم «مذبح الإنجليز» حتى توقف الذبح به عام 1915 خلال الحرب العالمية الأولي.
رابط دائم: