رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

لا يعرفها إلاسكان المدن الساحلية..
التجليش.. مهنة البحث عن الذهب والفضة والعملات الأثرية تحت الماء

ماجدة سليمان
تصوير: أبراهيم محمود

«المكنسة وعوا وبرد العجوزة والفيضة الصغرى والكبرى وعيد الميلاد» جميعها أسماء لنوات تدهم مدينة الاسكندرية خلال فصل الشتاء، يتغير معها المناخ ويتقلب البحر بأمواجه ودواماته ومعها أيضا يتغير الرزق متزامنا مع أمواج البحر .

فالصيادون يبتعدون عن صيد الأسماك وركوب البحر ليستعد الجلاشون إلى خوض مغامرة الغطس فى أعماق البحر بحثا عن كل ما غلى ثمنه وخف وزنه يمارسون ما تعارف عليه تاريخيا بمهنة التجليش ..أى تقليب وفحص الرمال.

فيستخرجون من أعماق المياه الحلى والقطع المعدنية الحديثة والأثرية التى يعود بعضها إلى العصور القديمة والتى يلفظ بها البحر من أعماقه أثناء تقلباته الشديدة وتيارات الماء العنيفة بداخله المصاحبة لكل نوة أو ما تحمله الرياح والأمواج من شطآن المتوسط على امتداد سواحله

بداية اتفق أغلب من قابلناهم للحديث معهم عن «التجليش» أنها مهنة قديمة جدا وصعبة جدا وممتعة جدا فى نفس الوقت وأن من يمارسها من النادر أن يبتعد عنها ويتركها فهى دائما ما تحمل لصاحبها مفاجآت وتعلمه حب المغامرة والجرأة والدأب على المحاولة فربما يعثر على ما لم يعثر عليه قبل الآن .

يقول «مصطفى كابوريا» غطاس 32 عاما الغطس هو أساس مهنة التجليش فلا يوجد تجليش دون غطس ..والغطاس يعمل طوال العام لا يوجد لديه أجازة هو يبحث دائما تحت سطح الماء عن رزقه سواء كان هذا الرزق أسماكا بأنواعها أو مشغولات ذهبية سقطت سهوا من أصحابها داخل البحر وهم يستمتعون باللهو داخله أو نقودا وساعات ماركات سقطت من هواة الصيد على ظهر اليخوت وأيضا من المراكب والسفن التى تعرضت للغرق.

ويلفت كابوريا أن أفضل وقت للعمل هو بعد انتهاء موسم الصيف ورحيل المصطافين وأيضا مع دخول فصل الشتاء وهبوب النوات والتى تسهم فى تقليب قاع البحر وإخراج كل ما هو ثمين بداخله.

ويضيف كابوريا ان التجليش كمهنة ليس سهلا كما قد يظن البعض فهو رياضة لها قواعد أساسها الغطس وهو رياضة شاقة تحتاج إلى قوة بدنية خاصة أثناء الرفس فى الماء والبحث فى المناطق الهشة داخل الرمال واستخدام زعانف بدلة الغطس للرفس بها وتقليب الرمال فى بؤر معينة يعرفها الغطاس مع الوقت والخبرة.

ويضيف كابوريا أن عملية الرفس تحتاج الى عضلات وقوة بدنية فالجلاش يستخدم عضلات جسمه كلها لأن المطلوب منه أحداث فجوة داخل الرمال والوصول الى المنطقة الصلبة والتى يكون فيها ما يبحث عنه.

ويتابع أنه مارس مهنة الغطس والتجليش منذ 16 عاما حيث بدأ بالعمل مع غطاس أعجب بطريقته فى السباحة وعرض عليه العمل معه وكان الشغف هو الدافع الرئيسى وكانت أول مهمة هى البحث عن سلسلة مفاتيح سقطت من أحد رواد الشواطئ واستمر بعدها فى ممارسة المهنة ثم عمل بشكل منفرد.

أقدم من مارس التجليش بالمدينة

محمد البحر 59 عاما غطاس يعمل بمنطقة الساحل الشمالى يقول أنا من أقدم من مارسوا مهنة التجليش وتركت شواطئ الاسكندرية العادية وذهبت إلى الساحل الشمالى عندما قل الرزق على شواطئها وكثر الدخلاء على المهنة .

ويروى البحر أنه فى الزمان الحلو ويقصد السبعينيات وقبلها بقليل كان عدد الجلاشين قليلا جدا لا يتعدى العشرين فردا لكن الآن أصبح بالمئات كما أن رواد شواطئ الاسكندرية لم يعد أغلبهم يرتدون الذهب فى أثناء النزول الى البحر مع ارتفاع أسعاره بشكل كبير فى السنوات العشر الأخيرة.

بالإضافة إلى أن رواد الساحل الشمالى أصبحوا أكثر رفاهة من رواد شواطئ المدينة خاصة القرى السياحية.

ولكنه سارع بالقول إن «الرزق بتاع ربنا» سواء هنا أو هناك بس أنا بحب أشتغل بمزاج ويروى عم بحر أنه عثر كثيرا على عملات معدنية تعود الى العصر الرومانى واليونانى وكان يبيعها لتجار الانتيكات فهم يقدرون ثمنها.

وقال أيضا إنه عثر على بعض الحلى الذهبية خاصة حلق الأذن والخواتم وبعض هذه الخواتم يكون ثمينا جدا عندما يحتوى على فص عالى القيمة، ويلفت البحر الى أنه مارس هذه المهنة منذ أن كان عمره 18 عاما مع والده الذى كان يعمل صيادا وكان الوالد يلجأ فى فترة الشتاء التى يتوقف فيها الصيد وبعض الأشهر التى يمنع فيها ايضا الصيد إلى ممارسة مهنة التجليش وكان اليوم الذى يتم العثور فيه على قطعة ذهبية هو عيدا بالنسبة للأسرة حيث يتم بيعها ويظل والدى دون عمل حتى توشك النقود على النفاد وكان الوالد يستخدم غربالا يقوم من خلاله بنخل الرمال والبحث داخل هذا الغربال على القطع الثمينة.

ويضيف البحر أن الجلاش تبدأ رحلته مع الساعات الأولى للصباح مثل أى صياد عادى وينتهى مع المغرب وهى رحلة طويلة والرزق دائما على الله، ويؤكد أن ممارسة مهنة التجليش تحافظ على الجسم وعلى قوته البدنية والجلاش الممارس للمهنة باستمرار يحرق كمية كبيرة من السعرات الحرارية من خلال قيامه بعملية الرفس بزعانف القدمين فى اعماق البحر لتقليب الرمال.

ويؤكد أيضا لا يوجد جلاش بدين معتزا بذاته قائلا نحن نمتلك أفضل بنية رياضية مثل السباحين.

أما رزق محمود وشهرته فلوكس وهو يعمل بأحد الشواطئ فيقول إن مهنة التجليش يقوم بها الصيادون فى الأوقات التى لا يستطيعون خلالها صيد الأسماك وأيضا يقوم بها غطاسون محترفون لا يعملون إلا فى مهنة التجليش وتقليب الرمال بحثا عن كل ما له قيمة وإنهم يعتمدون على ما يأتى من هذه المهنة مصدر دخل وحيدا.

ويؤكد فلوكس أن أغلب الصيادين القدامى والجلاشين كبار السن لا يبوحون بأسرار مهنتهم لأأحد إلا لأبنائهم فقط ليورثوهم المهنة.

ويضيف فلوكس أنه طوال عمره فى البحر على مدى 30 عاما سمع حكايات كثيرة وأساطير لا يعرف أن كان بعضها حقيقيا أم لا بعضها عن الجن واخرين ومن كثرة عشقهم للبحر ابتلعهم ولم يعودوا.

ويضيف أن هناك بعض الجلاشين عبروا إلى الساحل الأوروبى بعدما وجدوا ثروات هائلة تحت البحر وهربوا بها الى هناك خاصة القطع الأثرية والعملات المعدنية الذهبية.

ويؤكد فلوكس أنه على قدر عشقه للبحر وارتباطه به وعمله بداخله فإنه لم يفكر لحظة فى تعلم الغطس وممارسة مهنة التجليش لأنه يرى أن أعماق البحر فى كل الأحوال ليس لها أمان لذا فهو يفضل العمل على الشاطئ .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق