رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

وجه فى الأنباء..
بمناسبة مرور ألف عام على مولده..
البيرونى.. نموذج للعالم الدءوب

د. هالة أحمد زكى
البيرونى

تلعب المصادفة وحدها...دورا فى تعرفنا على أبى الريحان البيرونى حين يبدو اسم هذا العالم غريبا، وليس لنا نصيب كبير مع سير العلماء.

والأكثر أنه ولد وعاش منذ ألف عام بالتمام والكمال، وهو ما يجعل نصيبه من المعرفة لا يتجاوز أيسر قدر من تاريخ كان.

مقدمة تقنعنا بأن نمضى ونبتعد، ولكن انتظروا، هذا الرجل يستحق أن يكون قصة مميزة فى تاريخ البشرية، كواحد من أهم العلماء الذين أشار إليهم جورج سارتون أعظم مؤرخى العلم، فى مديحه لعالم عملاق لم يستطع منافسته فى زمنه سوى عالمين آخرين هما ابن سينا وابن الهيثم.

هذا ما يجعلنا نطمئن، فلن يضيع وقتنا سدى فى تتبع رجل يحتفل العالم بمرور ألف سنة هجرية على مولده وصفه د. أسامة طلعت، أستاذ الآثار الإسلامية، بالموسوعى الذى ولد فى كاث بأوزبكستان فى زمن تألق الحضارة الإسلامية ليشارك بجهده فى الفلك والجغرافيا والرياضيات والفيزياء والكيمياء والتاريخ، حتى إنه ذهب يحقق ما كتبه مانيتون السمنودى فى تأريخه المميز للأسر الفرعونية الحاكمة لمصر.

تسلسل الحضارات

مرور عابر لرجل منح العلم كل حياته، وإن كان ينبغى قبل أن نطوف مع قصته الانتباه إلى مجتمعه الذى يعد عصرا مشرقا بأكمله وإن بدت فى حشاياه بعض الخلافات و الأزمات السياسية. كانت اللغة والثقافة العربية هى رمز لحضارة معرفية كما يقول د. فتحى صالح الرئيس الشرفى لمركز التوثيق الحضارى والطبيعى التابع لمكتبة الاسكندرية.

لايعنى هذا أن الحضارة الإسلامية كانت وحدها، فهناك سلسلة من الحضارات تبدأ من حضارتنا المصرية القديمة التى تعلمت منها الثقافة اليونانية، بدليل فضل الاسكندرية على فيثاغورث واقليدس وارشميدس، ثم الحضارة الرومانية، وصولا إلى الحضارة العربية الإسلامية التى أخذ عنها عصر النهضة الأوروبية حتى نصل إلى عصرنا الحالي. فالعلم لا يقف عند حدود عصر أومكان، والأساس هو التواصل فى المعرفة. لهذا نجد وصايا سقراط بتحكيم التفكير العلمى وعدم اتباع القطيع للبحث عن الحقيقة، مماثلة لآراء ابن الهيثم من أن الباحث عن الحقيقة ليس هو من يدرس كتابات القدماء على حالتها ويضع ثقته فيها، بل هو من يعلق إيمانه بهم ويتساءل ما الذى جناه منهم. هو الذى يبحث عن الحجة، ولا يعتمد على أقوال إنسان طبيعته يملؤها كل أنواع النقص والقصور.. فطالب الحق هو المتبع الحجة والبرهان لا قول القائل، وهوما نجده فى عصرنا يتماشى مع أقوال ستيفن هوكينج من أن أى نظرية هى مجرد نموذج و أنه لا توجد ثوابت فى العلم.

تحت سماء عربية

لنتعقب الحضارة الإسلامية، وسنجدها اتسعت بمبدأ امتداد المعرفة الذى بلغ السماء، فأكثر من 50% من نجوم السماء تحمل أسماء عربية حسب أحد الأعداد الصادرة عام 2015 من مجلة «أسترونومي». اننا نعيش تحت سماء عربية، ولاغرابة، فقدماء المصريين أول من وضعوا تصورا دقيقا فى الفلك، وجاءت المدرسة اليونانية لتدلى بدلوها، ووضع أرسطو أول تصور للمجموعة الشمسية، حيث كان يعتقد أن الأرض مركز الكون.

و نسب فى مدرسة الاسكندرية إلى العالم هيباركوس أثره فى نظرية اسقاط الاسطرلاب الذى مكنه من رصد النجوم والكواكب، وقام بطليموس السكندرى بتأليف المجسطى الفلكى وهو كتالوج اعتمد عليه الأوروبيون سنوات طويلة.

كل هذا تلقفته يدا الحضارة الإسلامية لتظهر قائمة طويلة من العلماء منهم الصوفى الرازى الذى نشر كتاب « صور الكواكب الثمانية والأربعين»، وكان أول من لاحظ مجرة أندروميدا التى وصفها بأنها سحابة صغيرة. ومن أجل هذا التفرد أطلق على فوهة فى القمر اسمه تمجيدا لإنجازه. ولا ننسى البتانى الذى صحح بعض نتائج بطليموس السكندرى، وكانت له إنجازاته فى حساب المثلثات.

عزف منفرد

إذن كانت الدنيا تتسع لعلوم التحضر، فما الذى يجعل البيرونى نجما متألقا حتى إنه أعتبر أعظم عقلية عرفها التاريخ. ربما السبب هو إلمامه الشامل بالمعارف المختلفة. وقد أراد وهو شاب- كما يقول محمد صالح النواوى أستاذ الفلك بكلية العلوم بجامعة القاهرة- أن يحقق مسألة حساب محيط الكرة الأرضية، ومن خلال حساب المثلثات والهندسة صاغ معادلته لحساب نصف قطر الارض، ومنها حسب محيط الكرة الأرضية.

كما استطاع حساب منازل القمر وألف كتابا فى تحقيق منازل القمر، وصنع الاسطرلاب الأسطواني، وشرح باسهاب طريقة عمل الاسطرلاب المختلفة.

وتكلم عن الجاذبية وتأثيرها على طبقات الغلاف الجوي، ودرس المذنبات،

واستنتج أن الشمس أكبر من الأرض وأكبر من القمر، وعالج العديد من مسائل علم الفلك الكروي. وبرع فى الرياضيات والهندسة وحساب المثلثات، والمعادلة الجبرية، ودرس الحركة الظاهرية للشمس حول الأرض، وظاهرة المد والجزر والكسوف والخسوف، وأسباب تعذر رؤية الهلال فى أول الشهر العربي، والفرق بين النجوم والكواكب، وخطوط الطول و العرض وقدم كتاب القانون المسعودى الذى يعتبر درة علوم الفلك والجغرافيا والهندسة، بل ورفض أن يتقاضى عنه أجرا أو مكافأة من السلطان مسعود والتى قيل إنها كانت وقتها ثلاثة جمال محملة بالفضة لأنه يخدم العلم للعلم لا للمال.

ومع هذا لم يكن الفلك وحده، فلديه كتاب فى علم الصيدلة، وكتاب عن أنواع الأحجار والجواهر وخصائصها، وقراءة وشرح لنظرية الأوانى المستطرقة، والجيولوجيا والعقائد والكيمياء حيث كان أول من عرف الزجاج الملون بطريقة علمية.

وكان من جعل استقراره فى الهند سنوات أساسا لفهم الكثير من أسرارها وهو ما دون فى كتاب «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة فى العقل أو مرذولة» وقد كان برؤيته الشاملة سببا فى التعرف على الشخصية الهندية كما يقول د. مصطفى الفقي، حيث تتضح الثقافة الأفقية فى إلمامه بالعلوم وهى التى تتيح لصاحبها رؤية أفضل من الثقافة الرأسية التى لا تعنى إلا بالتخصص الواحد.

ثالث ثلاثة

ربما يتضح لنا مكانة أبو الريحان البيرونى التى تبدو فى حاجة لقياسات خاصة وتتجاوز المائة والعشرين عملا فائقا، تتداخل فيها الثقافات واللغات العربية والفارسية والسنكسريتية والسنكسريتية ليكون منها «كتاب التفهيم لأوائل صناعة التنجيم» و«كتاب الصيدلة» و «الجماهر فى معرفة الجواهر» و «الآثار الباقية عن القرون الخالية» وغيرها.

أعمال عديدة تقوم مكتبة الاسكندرية ممثلة لمصر بتوثيقها الآن ضمن مشروع علماء العالم الإسلامى لرصد التراث الحضارى كما تقول المهندسة نيفين عادل مديرة المشروع لبيان ازدهار الحضارة الإسلامية من خلال عرض لنظريات وابتكارات أكثر من 300 عالم، على أن تكون البداية لأول 50 عالما ينتمون لستين مدينة، وهوما يعنى أن التوثيق يمتد فى ارجاء العالم الإسلامى شرقا وغربا.

يبدو هذا فى تقديرى عودة لدور مكتبة الاسكندرية القديمة التى كانت تقتنى كل التواريخ والوثائق الإنسانية. والأكثر أنه عودة للتحدث عن أصحاب الفضل ورجال الهمم وقد كان يكفى البيرونى بعد تاريخه الحافل أن يرقد على فراش المرض ويسأل عن مسألة علمية شغلته، فإن يودع الدنيا وهو عالم بهذه المسألة خيرا من أن يخليها وهو جاهل بها.

فهذا هو العالم وهذا هو العلم عندما يكون غاية ووسيلة، وحق الطلب.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق