رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

قبل انتخابات البرلمان فى أكتوبر..
مغازلة الناخبين السويسريين بصريا

رسالة جنيف د. آمال عويضة

مع اقتراب موعد انتخابات مجلسى النواب والشيوخ فى الاتحاد السويسرى فى العشرين من أكتوبر المقبل تشتعل الساحة باللقاءات والحوارات والتصريحات والملصقات، حيث تعد الأخيرة تقليدًا انتخابيًا سويسريًا، إذ تعتمد الأحزاب بكل أطيافها على مخاطبة الناخبين بصريًا بملصقات تلخص توجهاتها فى بلد يجهل نصف سكانه لغتين على الأقل من بين أربع لغات رسمية (الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانش).

وقد شهدت نهاية شهر أغسطس الماضى خروج تلك الملصقات فى إعلانات مدفوعة فى الصحف الوطنية والمحلية، فضلًا عن إرسالها بالبريد أو توزيعها مباشرة على المارة، أو زرعها على جانبى الطرقات الداخلية للمدن، نظرًا لمنعها على الطرق السريعة أو تمريرها عبر قنوات الإذاعة والتليفزيون، التى تلتزم الصمت الانتخابى الكامل قبل عشرة أيام من موعد الانتخابات.

وتختلف رؤية العديد من الأحزاب السويسرية فيما بينها الى العديد من القضايا تبعًا لتوجهاتها ما بين اليمين المحافظ واليسار المقاوم، وتضم القائمة الرئيسية: حزب الشعب أو الاتحاد الديمقراطى (أقصى اليمين) والحزب الليبرالى الراديكالى (يمين) حزب الخضر الليبرالى (وسط) والحزب البرجوازى الديمقراطى (وسط) والحزب الديمقراطى المسيحى (وسط يمين) والحزب الاشتراكى (يسار) وحزب الخضر (أقصى اليسار). وفى الوقت الذى تصدرت فيه أحزاب الوسط واليسار لنتائج استطلاعات الرأى والانتخابات المحلية فى عدة مقاطعات بالتركيز على بناء السياسات الاجتماعية والصحية والبيئية، يخرج حزب الشعب (الاتحاد الديمقراطى المركزي) الممثل لليمين المحافظ بإطلالة مثيرة للجدل بتقديمه ملصقًا دعائيًا تتوسطه تفاحة حمراء مزينة بالصليب الأبيض فى إشارة بصرية للعلم الوطنى، بينما تخترقها خمس ديدان تمثل الاتحاد الأوروبى والأحزاب السياسية المعارضة بألوانها المميزة الزرقاء والخضراء والبرتقالية. بينما اختلفت الصياغة اللغوية المصاحبة، حيث حملت النسختان الألمانية والإيطالية: «هل يجب أن يُدمّر اليسار والأجانب سويسرا؟»، بينما جاء فى النسخة الفرنسية: «ديدانٌ لتفاحتنا؟ لا، شكرًا»، وتضمن الملصق المتداول فى الصحف حججًا أخرى تعكس مخاوف الحزب ومؤيديه، ومنها: رفض الانصياع للاتحاد الأوروبى حتى لا تفقد سويسرا ديمقراطيتها المباشرة التى يشارك فيها أفراد الشعب، والتحذير من الأجانب الذين يشكلون 67% من نزلاء السجون، ونحو 58% ممن المتمتعين بالمساعدات الاجتماعية.

وقد واجه الملصق فور نشره ردود فعل متباينة حتى بين بعض أعضاء الحزب نفسه ممن أبدوا تحفظهم، كما تعرّض لانتقادات قاسية على شبكات التواصل، واعتبره البعض ملصقًا مثيرًا للاشمئزاز، فضلًا عن لعبه على مشاعر الخوف العنصرية بتكراره مفردات التفاحة والديدان التى سبق للدعاية النازية استخدامها ضد اليهود والأقليات قبيل الحرب العالمية الثانية. ويأتى ذلك الملصق فى إطار الموقف المعروف لحزب الشعب السويسرى ضد الاتحاد الأوروبى والأجانب بوجه عام، والذى حظى بصعود ملحوظ منذ عقود باللعب على مخاوف السويسريين من الذوبان فى الاتحاد الأوروبى وفقدان ما يعتبرونه تميزًا من استقلال اقتصادى واستقرار سياسى، فضلًا عن التخوف من المهاجرين الشرعيين وغيرهم.

يقف وراء ملصقات حزب الشعب اليمينى الألمانى ألكساندر سيجيرت والعضو البارز فى الحزب، ووكالته «جوول» للإعلان والعلاقات العامة، والتى ذاع صيتها فى إنتاج الملصقات المعادية للأجانب، ومن بينها ما دعمه عضو الحزب أولريش شولر فى عام 2009 لإطلاق مبادرة « ضد بناء المآذن»، والذى تم منع توزيعه وتتصدره امرأة منتقبة وخلفها علم سويسرى تناثرت عليه مآذن على شكل رءوس حربية نووية.

ويرتبط اسم حزب الشعب بتاريخ من الملصقات العدائية الصادمة، ومنها ما ظهر فى عام 2002 للمطالبة بتشديد قوانين اللجوء، حيث توسط الملصق العلم السويسرى يشقه طوليا من المنتصف شخص ذو ملامح غليظة مرتديًا لنظارة تجعله أشبه بالصورة الذهنية عن رجال المافيا، وهو ما تكرر فى عام 2003 بعد سقوط برجى التجارة عام 2001 بملصق لبطاقة هوية سويسرية تحمل صورة «بن لادن»، وكأن كل الأجانب وعلى وجه الخصوص الشرق أوسطيين هم فى حقيقتهم مثل بن لادن.

فى عام 2004، تصاعد الهجوم بملصق لفئران متوحشة حمراء اللون (فى إشارة لليسار) تقرض الفرنك السويسري، وذلك ضد مبادرات اليسار التكافلية التى تلتهم ميزانية الدولة، وشهد العام نفسه ملصقًا آخر لأكف ملونة تمتد لتسلم جواز السفر السويسرى تعبيرًا عن رفض تسهيل إجراءات تجنيس الجيل الثانى والثالث من المقيمين الأجانب، وفى عام 2007، ثار جدل حول ملصق يقوم فيه خروف من بين ثلاثة خراف بيضاء اللون تقف على خريطة سويسرا بطرد خروف أسود خارجها بهدف طرد القادمين من إفريقيا والشرق الأوسط، كما شهد عام 2009 ملصقًا آخر لرفض توسيع دائرة استقبال عمالة تم تصويرها كغربان تتنازع العلم السويسرى فيما بينها فى إشارة للقادمين من شرق أوروبا من رومانيين وبلغار. من ناحية أخرى وبعيدا عن الملصقات الرسمية، وعلى الرغم من نفى الحزب إلا أن اسمه ارتبط بملصق ظهر عام 2010 فى المنطقة الحدودية الملاصقة لإيطاليا، وفيه تلتهم القوارض المرتدية لأقنعة اللصوص قطعة من الجبن السويسري، رفضًا لوجود 45 ألفا من العمال الحدوديين من فرنسيين وإيطاليين وغيرهم من مواطنى الاتحاد الأوروبى الذين غالبًا ما يقبلون العمل فى مشروعات البناء وشق الطرق وتسيير المواصلات وغيرها.

وجدير بالذكر، أن صعود اليمين الأوروبى فى العقود الماضية تزامن مع انهيار الاتحاد السوفيتى فى نهاية الثمانينيات، الدعوة للاندماج فى الاتحاد الأوروبي، كما أن الهزات الاقتصادية المتتالية وانتشار البطالة فى بلدان الاتحاد دفعا البعض الى إلقاء اللائمة على الأجانب والتوجس من المسلمين منهم فى ظل صعود تيار الإسلام المتشدد مع ثورات الحراك العربى وارتباطه بتجنيد البعض من ذوى الجنسيات الأوروبية للحرب، وهو ما دعا تلك الأحزاب لإعلان رفض استقبال المزيد من المهاجرين والتضييق على المقيمين، وهو ما يحدث فى سويسرا التى دأبت فى الأعوام الأخيرة على فرض المزيد من الشروط لتجديد إقامات الأجانب بها.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق