العمل فى مجالات الفنون بشكل عام وفى مجال المسرح «أبى الفنون »بشكل خاص بمنطق وحماس الهواة يؤدى إلى نتائج إيجابية مبهرة يصعب عادة أن يصل إليها أغلب المحترفين.. وربما يشهد تاريخ المسرح المصرى على مسيرة عشرات العظماء من الهواة بعضهم اتخذ من الفن مهنة احترافية والبعض الآخر ظل هاويا عاشقا لهوايته حتى آخر حياته..
ويشهد على ذلك مشوار العملاق نجيب الريحانى الذى أنهى عمله فى شركة الحوامدية وأنفق تحويشة العمر مبلغ 300 جنيه ليشارك بها فى إنتاج مسرحية من أجل فرصة يظهر فيها أمام الناس ويحقق بعض أحلامه.. وحتى بعد أن خسر كل ماله ظل متمسكا بالهواية ويتقاضى مكافأة لا تكفى لركوبه التروماى كما يقر فى مذكراته فكان يوفر أجرة الركوب حتى يشترى الخبز والشاى والسكر مكونات وجبته اليومية الاضطرارية.. وكذلك العملاق يوسف وهبى وجد المعارضة من أسرته العريقة على العمل بالفن وحاربوا هوايته لكنه أصر على مواصلة الطريق.. وبالطبع فنان الشعب سيد درويش الذى كان يدرس الموسيقى ويستمع إليها وهو طفل دون علم أسرته.. وعندما أرادوا توظيفه مشرفا على عمال البناء صار مطربا لهم واستوحى من أغانيهم الشعبية بعض ألحانه الخالدة.. وحتى عندما صار علما فى الموسيقى ونجما فى المسرح الغنائى أراد أن يسافر إلى إيطاليا ليدرس النوتة بمنطق الهواة المتعطشين دائما للمعرفة والتلقى وتبادل الخبرات.. وها هو سيد درويش يحمل عنوان الدورة السابعة عشرة لمهرجان مسرح الهواة والذى أقيم بقصر ثقافة الأنفوشى بالاسكندرية الأسبوع الماضى برئاسة المؤرخ المسرحى الدكتور عمرو دوارة وتنظيم الفنان الدكتور هانى كمال.
وقد شهد المهرجان حضورا جماهيريا كبيرا وتنافسا شديدا بين المبدعين الهواة والذين قدموا عروضا بالغة الرقى والتنوع تحمل أثرا من ثقافات العالم المختلفة وكان الافتتاح بمسرحية «أوسكار» تأليف إريك ايمانويل شميت وإعداد إبراهيم ناصف وإخراج عبد الله شاكر وفى اليوم التالى استوحى المخرج والمعد عصام رمضان من مخزون الفلكلور مكونات عرضه «حكايات شعبية» والذى استعان فيه بأشعار العبقرى الراحل صلاح جاهين كما قدم المخرج اسامة جميل مسرحية «الإمبراطور جونز» تأليف يوجين أونيل ومن الأدب الروسى اختار عبيدة أبو الورد أن يقدم إعدادا لرواية ديستويفسكى «الأخوة كرامازوف» «وأخرجها خالد العيسوى بينما ذهب المخرج نور عفيفى إلى المسرح اليونانى ليستلهم من إلياذة هوميروس عرضه «طريق طروادة» وفى اليوم الرابع اختار المخرج أحمد السمان عرضا مصريا خالصا يحمل عنوان «حيضان الدم» تأليف محمد موسى محمد ومثل به جمعية بورسعيد للفنون المسرحية والثقافية.. وقدم كرم نبيه من جمعية مفتاح الحياة بالأقصر مسرحية «طائفة الأنانيين» أيضا لإريك ايمانويل شميت الذى قدم له من قبل العرض الافتتاحى.. بينما اختار أحمد ثابت من أسيوط تقديم مسرحية «بدائع الفهلوان فى وقائع الأزمان» للكاتب الراحل رأفت الدويرى وهو نفس العرض الذى قدمه مسرح الغد قبل خمسة وعشرين عاما تقريبا بعنوان الفهلوان وأخرجه زوسر مرزوق.. أما آخر العروض فحمل عنوان «قابل للكسر» تأليف أحمد نبيل وإخراج محمود عبد العزيز.. وأعقب كل عرض ندوة نقدية متخصصة شهدت حوارا ساخنا وجدلا فنيا واسعا يشى بحاجة الاسكندرية ملهمة المبدعين والعباقرة إلى وجود نشاط مسرحى دائم بها لا يقتصر فقط على أشهر الصيف.

رابط دائم: