رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

زهـور عـبده المصـرى.. «عابرة السـبيل»

أحمد أبوالمعاطى

غاب عبده المصرى عن سماء قصيدة العامية فى مصر، لأكثر من عشر سنوات، منذ أصدر ديوانه الثانى «نسوان الصبح بدرى»، عن دار «الدار» للنشر عام 2009، قبل أن يعود ليضرب من جديد، بديوانه الأخير «الورد عابر سبيل»، الصادر عن دار «ميريت» للنشر، فكأنما أراد أن يعوض سنوات الغياب العشر، بأكثر من ستين قصيدة، تعكس على نحو فريد، تجربة شعرية شديدة النضج، لم تفقد الأصالة المتجسدة فى روح شعر العامية المصرية الأصيل، بلغة بالغة الثراء والعمق، بعيدة فى الوقت نفسه عن موجات التغريب، التى ضربت القصيدة العامية.


منذ أطلق ديوانه الأول «ضمائر الغياب»، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب فى عام 1998 والشاعر عبده المصرى، يطل كصوت مميز على المشهد الشعرى فى مصر، بل إنه ربما يكون واحدًا من أكثر الأصوات تميزًا، بين شعراء حقبة الثمانينيات، إذ ظل إنتاجه الشعري- على ندرته- مخلصًا لروح العامية المصرية، بإيقاعها الشعرى الواضح، واقترابها من أشواق وأحلام البسطاء، مستلهمًا فى ذلك تلك التجارب المبدعة، لكبار شعراء العامية فى مصر، خلال القرن الماضى، وعلى رأسهم المبدع الأكبر فؤاد حداد، ومن قبله بيرم التونسى، ثم ما جاء بعدهما من قامات شعرية، تجسدت فى هذا الجيل الفريد من أمراء شعر العامية صلاح جاهين، والأبنودى، وفؤاد قاعود، وسيد حجاب، وهى الأجيال التى يرى المصرى، دون مواربة، أن قصيدة العامية المصرية أصبحت يتيمة من بعدهم، فلا هى تحولت على يد من اختطفوها إلى ناصية النثر، إلى قصيدة فصيحة، ولا هى ظلت على حالها كقصيدة تعبر عن أشواق وأحلام الناس، وتتحدث بلغتهم وتعزف موسيقاهم الخاصة، وإنما تحولت إلى ما يصفه بـ «قصيده ترقص على السلم»، وهو ذلك الدرج المتهالك المصنوع من رغبة مجنونة للتجاوز، دون امتلاك الأدوات الكافية للإقدام على تلك الخطوة.. لا يعترف عبده المصرى بما يطلق عليه بعض مجايليه والأجيال التالية عليهم، بـ «قصيدة نثر بالعامية»، لكنه يعترف فقط بالشعر، وما تفرضه الحالة الشعرية/ القصيدة على الشاعر، فالحالة عند عبده المصرى، هى التى تفرض قالب الكتابة، وهو ما يتجلى فى كثير من قصائد ديوانه الأخير، مثل قصيدته «لحن قديم»، التى يقول فيها: «الشعر بسيط وغويط/ زى عيون البنوتة اللى بتلمع/ وهيا بتتمشى ف شارع/ وبتتفرج ع البتارين/ وبتلمح شاب وسيم/ واقف ع الناصية التانية بيستناها/ تعدى قصاده/ وبتسمع صوته المكتوم/ بيقول للدنيا صباح الخير».

لا يلجأ عبده المصرى فى معظم أعماله للرمز، فقصيدته تتميز ببساطتها وعمقها فى آنٍ، لكن الصورة تظل هى القاسم المشترك فى كثير من أعماله الشعرية، وهو يعترف بذلك لأنه يرى أن الصور أكثر بلاغة وتعبيرًا عن الهم الإنسانى، الذى يتجلى فى كثير من قصائد ديوانه الجديد، وقد لعبت تجربة اغترابه عن مصر لسنوات فى منطقة الخليج، دورًا كبيرًا فى ميلاد عدد غير قليل من قصائد هذا الديوان، الذى يتضمن مرثيات لأصدقاء رحلوا وأحلام ضاعت: «بيختفوا/ كأنهم ما كانوش هنا/ كأنهم ما مشيوش ف شوارعها/ ولا سكنوا ف بيوتها/ ولا ناموا ولا صحيوا/ ولا ضحكوا ولا حزنوا/ ولا حبوا ولا كرهوا/ ولا فى ليلة شتا/ اتمشوا تحت المطر/ ولا هتفوا فى مظاهرة».. يستهل عبده المصرى ديوانه «الورد عابر سبيل» بقصيدة «فى مديح يناير»، وهى الثورة التى حالت ظروف التغريبة فى دول الخليج، دون أن يشارك فيها المصرى، لكن الذين يعرفونه عن قرب، ومن بينهم صحفيون وكتاب كثر من جيل الثمانينيات، يتذكرون كيف كان يتابع يوميًا فى شوق، ما يجرى على الأرض فى ميادين البحث عن الثالوث، الذى طالما حلم ونادى به فى أشعاره، الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية:

«أنا بامدح اللى حبوا واتحبوا/ واتصلبوا واتجلدوا/ وفى الميدان شبوا/ وماتوا واتولدوا/ وسابوا أثر فى الروح/ وفى حجارة المباني/ وف غزل الأسفلت للأسفلت/ لا خانوا ولا همدوا/ أنا بامدح اللى عشق بلده/ بحره سماه أرضه/ وصان عرضه/ كانوا ينايرجية/ بيشبهوا المطر/ ويرددوا الأوراد/ وبدمهم اتوضينا واتوضوا».. يبدو ديوان «الورد عابر سبيل»، للشاعر الكبير عبده المصرى، أقرب ما يكون إلى مرثية لا تخلو من حزن شفيف، لزمن تبعثرت فيه الأحلام وغامت فيه الرؤى، لكن الشاعر لم يفقد فيه القدرة على الأمل ومغازلة ما تبقى من أحلام: «أنت تقول لى جمعة مباركة/ وأنا راح أقولك حد سعيد/ بس سعيدة كارهة مباركة/ ومجيدة مش طايقة مجيد/ ووحيدة بتعشق توحيد/ والشعب اللى يقوم من نومه/ بيصبح على نص همومه/ واقف فى طابور الأناشيد».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق