رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المبدعون.. حب خلف القضبان

حوار: سهير عبدالحميد

> شاهندة مقلد حاربت «الإقطاع» مع صلاح حسين.. وظلت وفية للفكرة بعد اغتياله

> صافى ناز كاظم: رأيت فى «نجم» صورة البطل عبدالله النديم

> فريدة النقاش: الحياة التى عشتها مع حسين كسرت دائرة الملل

> رضوى عاشور ومريد البرغوثى.. «حب فى الشتات»


> شعبان يوسف: الخلاف السياسى دمر علاقة فتحية العسال بعبدالله الطوخى


> رسائل فوزى حبشى لزوجته ثريا وعبدالعظيم أنيس لزوجته عايدة من السجن نموذج للرومانسية





هل تضيف المعاناة للحب أم تنتقص منه؟! تخبرنا سجلات التاريخ أنه لم يخلد بين دفتيها إلا تلك الروايات الملحمية من الحب المقرون بالتضحية والمعاناة،خصوصا تلك التى امتزجت فيها العاطفة بالمبدأ، والفكرة بالمشاعر، والزواج بالنضال السياسى ضد المحتل أو نظام متسلط أو فئة ظالمة.

قصص عاشت فى الاجتماعات السرية ومقار الأحزاب وداخل أروقة الجامعة وأحيانا خلف أسوار المعتقلات. وكانت رسائل الغرام المكتوبة من وراء القضبان آية من آيات الرومانسية.

حكايات تبدو وكأنها امتداد لتلك القصة الخالدة التى حفظتها جدران المعابد عن ملك خالف طريق أجداده ورأى أنه لا إله إلا الإله الواحد، وعن ملكة وحبيبة ساندت الزوج فى دعوته ووقفت معه ضد خصومه كهنة آمون الذين لم يكونوا سوى خصوم سياسيين يدافعون عن نفوذهم الذى اكتسبوه من وراء أرديتهم الدينية...تلك كانت قصة نفرتيتى و إخناتون التى غزل الأحفاد على غرارها قصصا أخرى.

فى أربعينيات القرن الماضى سطور شهيرة لبطلين فارق أحدهما الحياة منذ بضعة أسابيع، وهو فوزى حبشى الذى سبقته إلى الرحيل رفيقته ثريا شاكر.

اسمان جمعهما الحب و«حدتو».. يسارية أقامت يوم الصباحية اجتماعا لأعضاء التنظيم فى بيت الزوجية وسط ذهول حماتها، ويسارى كان ضيفا على المعتقلات منذ عهد الملك وحتى عصر مبارك حتى عرف بأنه «معتقل كل العصور» وهو الاسم الذى عنون به مذكراته وهو فى الوقت نفسه مهندس معمارى حالم هرب الجبس والبلاط والقيشانى والأنابيب ليصنع وسط فناء السجن نافورة وفى سجن الواحات أقام مسرحا قبل أن يخرج ويضع بصماته المعمارية على خط سكك حديد بورسعيد وضريح أحمد ماهر فى العباسية.

كانت حياة فوزى وثريا فى المعتقلات أكثر منها فى منزل الزوجية. وفى سنة 1959 كانت المحنة الكبرى.. اعتقلت ثريا وفوزى وتركا فى بيتهما ولدين وبنتا.. وأم فوزى التى تبصر بالكاد.. ولمدة 3 سنوات كاملة لم تر ثريا ابنتها الصغيرة نجوى التى تركتها وعمرها تسعة أشهر وعندما رأتها لأول مرة فى مكتب مأمور السجن تعرفت عليها بصعوبة حتى إن مأمور السجن لم يستطع كبح دموعه تأثرا. وكانت السجينات يتحايلن كى تتمكن ثريا من رؤية ابنتها وكل منهن تدعى أن نجوى ابنتها حتى عرفت إدارة السجن فكان العقاب.

ويروى د. فتحى عبدالفتاح فى كتابه «ثنائية السجن والغربة» واقعة القبض على الزوجين فيقول إنه التقى السيدة ثريا قبل ترحيلها من القسم، وفوجئت بأن وجهها يكتسى بستار من الحزن الكثيف وعينيها زائغتان بشكل غير عادى تكاد تحس فيهما أنها غائبة عن المكان تماما فتكلفت بعض المرح وأنا أقول: حبسة تفوت يا مدام: ملقوش فوزى خدوكى..فقالت: أبدا خدونى وخدوا فوزى يا ريت على كده.قلت: الأولاد. قالت: ما ده اللى مجننى سبتهم عند الجيران.

لا مجال للملل

القصة بتفاصيلها تكررت مع زوجين آخرين الكاتبة الصحفية فريدة النقاش، التى تعرفت إلى زوجها وشريك حياتها اليسارى الراحل حسين عبدالرزاق لدى أستاذها المفكر الكبير محمد عودة،حيث كانت ترتاد مكتبته الكبيرة التى كان يفتحها لكل من يريد أن يقرأ.كان حسين يعمل آنذاك صحفيا فى أخبار اليوم متخصصا فى الشئون الإفريقية وعبره تعرفت «فريدة» على الأدب الإفريقى.. تزوجا بعد قصة حب طويلة عام 1964 بعد أن وجدا الأرض المشتركة بينهما ممثلة فى الفكر الاشتراكى ثم الحزب الاشتراكى الذى انضمت إليه عام 1963 حتى أنشئ حزب التجمع 1976 فانتقلت إليه لأنه حزب اشتراكى ديمقراطى

عرفت «فريدة» الاعتقال للمرة الأولى عام 1979،حين أرسلت دراستين عن دور كامب ديفيد فى كسر النظام الإقليمى العربى إلى مجلة «دراسات عربية» اللبنانية. فى العام نفسه حبست وزوجها لاتهامهما بالمشاركة فى تأسيس الحزب الشيوعى المصرى. وقد تركا ابنتهما « رشا 14 سنة» وابنهما «جاسر 10 سنوات» بمفردهما وكانت تجربة مريرة تكررت فى حركة سبتمبر الشهيرة. وعندما طالب محاميها د. عصمت سيف الدولة بالإفراج عنها لرعاية الأبناء تم الإفراج عن زوجها وبقيت هى فى السجن 11 شهرا.

لكنها لم تتذمر واعتادت- كما تقول - هى وزوجها العقوبات على مواقفهما السياسية، ففى عام 1975 تم نقلهما من أخبار اليوم ومنعا من الكتابة وتم اعتقال زوجها فى أحداث 1972 عندما افترش طلاب جامعتى القاهرة وعين شمس أرض ميدان التحرير على خلفية أغانى الشيخ إمام يطالبون بمواجهة العدو الإسرائيلى.

تحدثت إلى فريدة النقاش فقالت لى: إن اقتران الحب بالنضال السياسى ساهم فى تقوية الرابطة بينها وزوجها الراحل، فكما تقول «هناك شكوى دائما بين الأزواج التقليديين من تسرب الملل إلى الحياة الزوجية..لكن فى الحياة التى عشتها وحسين لم يكن هناك أى مجال للملل فكل يوم هناك جديد ورؤيتنا للعالم وعلاقتنا بالمجتمع فى تجدد مستمر.سألتها لماذا انتشرت تلك القصص بين أبناء جيلكم، فأجابت أنها الظروف السياسية التى خلقت تلك المصادفة ولو أن هناك علاقات شبيهة لم تكتمل فهناك اختلافات شخصية وظروف الحياة والضغوط التى قد تعوق الاستمرارية. وكما قال زكى مراد أحد أبرز المناضلين الشيوعيين « كل حبسة نخسر فيها 50 % من رفاقنا».

يا شاهندة وخبرينا

قصة أخرى نستطيع إعادة غزل خيوطها على خلفية الأبيات التى كتبها أحمد فؤاد نجم «يا شاهندة خبرينا، يا أم الصوت الحزين، يا أم العيون جناين، يرمح فيها الهجين، إيش لون سجن القناطر، إيش لون المساجين».

شاهندة مقلد وزوجها صلاح حسين ملحمة أخرى من ملاحم نضال هذا الوطن رغم الزواج الذى لم يستمر سوى تسع سنوات لرحيل الزوج والحبيب.

«الثورة على الإقطاع» كانت الفكرة التى جمعت شاهندة بابن عمها وزوجها. كان زواجها منه نضالا ضد الأسرة التى أرغمتها على الزواج مرة فأبت إلا أن تختار زوجها فى الثانية. أضربت عن الطعام مرة وهربت من البيت مرة حتى أذعنت العائلة.. كان صلاح يواجه الإقطاع فى قريته « كمشيش» حتى قتل عام 1966..كانت شاهندة فى السابعة والعشرين من عمرها حينئذ، فواصلت النضال على هدى زوجها من أجل حقوق الفلاحين وظلت ترتدى السواد بعده ولم تخلعه إلا بعد رحيل السادات الذى سجنها مرتين الأولى فى السبعينيات بتهمة الانتماء لتنظيم سرى والثانية فى اعتقالات سبتمبر 1981 التى طالت عددا كبيرا من المثقفين.

حب فى الشتات

حكاية أخرى انتصرت فيها إرادة الفتاة على إرادة أسرتها وأصرت على أن تختار رجلها.. لم تنصع لأسرتها التى تبرمت من أن ترتبط ابنتها بشاب غير مصرى.

اللقاء كان فى جامعة القاهرة حين استمعت إلى أبيات من شعره فانجذبت إليه وبدأت علاقة صداقة تطورت إلى علاقة حب وثقتها عشرات الأبيات التى كتبها الأديب والشاعر الفلسطينى مريد البرغوثى فى حب زوجته الأديبة المصرية رضوى عاشور. تم الزواج وأثمر «تميم» لكن لم تستمر الأيام الحلوة كثيرا، روت رضوى فصول تلك المعاناة فى أكثر من مناسبة وكيف بدأ شتات الأسرة جغرافيا وإن لم يحدث روحيا ووجدانيا، فقد أبعد «مريد» عن مصر لاعتراضه على زيارة السادات لإسرائيل. كان تميم لم يتجاوز الأشهر الخمسة حين تشتت شمل الأسرة بقرار سياسى. 7 سنوات كاملة لم يدخل فيها مريد إلى بيته.. و9سنوات لاحقة كان عليه الحصول على إذن خاص ليزور أسرته لمدة أسبوع أو اثنين على الأكثر.وفى عام 2003 كان هناك شتات آخر حين قبض على الابن تميم وتم ترحيله من مصر لمشاركته فى مظاهرات مناهضة للغزو الأمريكى للعراق.. كأديبين وثق كلاهما حبه للآخر فى صور أدبية قصة الحب التى عاشت فى الشتات كما عاش آلاف الفلسطينيين.

كتب مريد قصيدة بعنوان «رضوى» قال فيها «على نولها فى مساء البلاد،تحاول رضوى نسيجا، وفى بالها كل لون بهيج، وفى بالها أمة طال فيها الحداد»

وفى كتابها «أثقل من الرضوى» تحدثت رضوى عن زوجها الذى أعانها على تحمل تبعات ذلك الورم فى الدماغ.

الصحفية والفاجومى

كان دوما سر هذا الزواج، الذى ربط بين الكاتبة صافى ناز كاظم والشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، أمرا مثيرا بالنسبة لى، خصوصا وقد جالست الاثنين مراراً كلا على حده.. ورأيت عن كثب اختلافات الطباع البينة ما بين امرأة جادة حازمة، كاتبة تجيد ترويض الأفكار وتلجيم معارضيها بحجة قوية،وبين شاعر فاجومى يجيد السخرية اللاذعة ويطلق العنان لمكنونه بلا قيود.

وازدادت حيرتى حين كتبت صافى ناز كاظم أخيرا على «فيس بوك» أن علاقتها بالفاجومى كانت مجرد «علاقة شعرية» وأن ما جمع بينهما هو حب مصر وليس حب امرأة لرجل. تحدثت إليها لأحاول أن أفهم كيف يتأتى لامرأة أن تهب روحها لرجل من أجل موقف « شعرى»، فقالت: كنت أريد انتشاله فى سبيل مصر لأنه قيمة كبيرة، اليساريون كانوا يريدون الاستحواذ عليه ولم يكن هو شيوعيا ولا يساريا.كان لا ينتمى إلا لمصر، شاعرا الكل يعلم قيمته، وكنت أرى أننى كعروس النيل التى تدفع روحها من أجل الحفاظ على فيضان النهر العظيم.. وكنت جاهزة للتضحية

تروى صافى ناز كاظم تفاصيل الحدوتة: تزوجنا فى أغسطس 1972بعد أن التقينا أربع مرات فقط واستمر الزواج حتى يوليو 1976..عندما طلب منى الزواج فى أول لقاء «اتخضيت». لكنى وافقت وما زاد من إصرارى على الموافقة هو معارضة كل المحيطين لهذا الزواج، فقد رأيت فيه صورة الشاعر البطل الوطنى «عبدالله النديم»، الذى كنت قد انتهيت من قراءة مذكراته للتو، ورأيت أن نجم كان يحتاج لمن يعتنى به ويحافظ عليه ويرممه.

وتضيف صافى ناز كاظم: عندما تزوجنا كنت أنا صحفية ممنوعة من النشر بقرار من يوسف السباعى، وكان نجم مضطهدا من النظام الذى صادر أحدث دواوينه، وبعد 4 أشهر من الزواج دخل نجم السجن ومعه الشيخ إمام ومحمد على الرسام، وشاركت فى اعتصام طلبة جامعة عين شمس يناير 1973 احتجاجا على كذب شعارات الديمقراطية التى رفعها أنور السادات. وتم القبض على بتهمة الاندساس بين الطلبة والطالبات لإثارتهم وتحريضهم على قلب نظام الحكم. وفى المعتقل اكتشفت أنى حامل ولم يتم الإفراج عنى إلا فى شهر حملى الأخير، ليرزقنى الله بابنتى الغالية نوارة الانتصار أحمد فؤاد نجم.

رسائل عشق من وراء القضبان

ويذكر الكاتب والناقد والشاعر شعبان يوسف أن هناك زيجات نشأت فى إطار الحركة السياسية وقصصا أخرى فى المحاكم سبقت جيل الستينيات،منها قصة أحمد شكرى سالم ولطيفة الزيات فى الأربعينيات وقد عاشا معا فترة وجيزة حتى عام 1952 لأنه دخل السجن كان الاثنان عاشقين ومناضلين. وفى الخمسينيات كان من أشهر الثنائيات د. عبدالعظيم أنيس وعايدة ثابت، إسماعيل مهدوى و زينات صباغ.

وفى الستينيات قصة عبدالرحمن الأبنودى وزوجته المخرجة التسجيلية عطيات عوض التى ظلت حتى بعد طلاقها منه تحب أن تنسب له فظل اسمها عطيات الأبنودى. كانت عطيات بمنزلة الحارس الأمين على حياة الأبنودى وعندما دخل عبدالرحمن السجن خاضت معارك ضارية للإفراج عنه.

ويقول شعبان يوسف: هناك قصص حب أنتجت رسائل فاتنة من داخل الزنزانة كتلك التى بعث بها فوزى حبشى إلى زوجته ثريا شاكر التى ناضلت معه ضد الإنجليز والملك..ورسائل عبدالعظيم أنيس لزوجته عايدة ثابت التى ضمنها كتابه «رسائل الحب والحزن والثورة».

وهناك قصة الفتاة اليهودية مارى روزنتال التى وثقتها ابنتها المخرجة نادية كامل فى رواية «المولودة» وروت كيف التقت والدها الماركسى سعد كامل وانتصرت قناعتهما ببعضهما على اختلافات الدين والجنسية.

ويؤكد شعبان يوسف: أن الأفكار السياسية المشتركة لم تكن وحدها صمام الأمان لاستمرار تلك الزيجات،وأن الأيديولوجية قد تكون مدمرة لبعض العلاقات كما حدث مع فتحية العسال التى عاشت مع عبدالله الطوخى قصة حب عنيفة ثم انتهت القصة كما قالت هى: منذ بدأ فى تأييد «كامب ديفيد».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق