رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حكايات حرب الفالوجا 1948

سعاد سليمان

الدرب كله فرح، قعدنا نتلقى تهانى الجيران، كل البيوت اللى بعتت «وكل» (طعام) مجاملة للجندى اللى راجع ممصوص كما عود القصب، فطير ومرق ولحم، واللى يبعت كلوب، فرشنا الحصر، قعدنا فى المندرة، اتجمعت كل البيوت، الرجالة والنسوان «أتزنفت» الرجال على المصاطب، العيال والحريم على الارض، راكيات الشاى قادت، اللى يجامل بسجاير، بدأ أحمد يونس يحكى: أخدونا من الدار على النار، لا شوفنا تدريب ولا نعرف شىء غير الحكايات اللى توجع القلب عن الاسرائيليين اللى ع يقتلو الفلسطنيين، همه عرب ومسلمين زينا، المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وكيف العساكر الاسرائيليين يدخلوا البيوت يقتلوا كل اللى فيها، لو وجدوا ست حامل يتراهنوا اللى فى بطنها واد ولا بت، يشقوا بطنها بسكينة تقوليش بطيخة، يكسبوا الرهان من بعض، لبسنا هدوم الجيش، مع كل واحد بندقة وزمزمية، بطانية، خوذة توجع الرقبة، قلعت العمة، لبست الخوذة، بلاد غريبة وبحر ازرق، سما تتقلب ما بين صافية وعتمة، صحرا مالهاش حد، ما تجبش اخرها بنظرك، معانا خيام، ناس من بحرى وقبلى بلاد منعرفش ليها اسم، لينا قائد طويل وعريض، محتار من الاوامر اللى تيجى، بعدين يجى عكسها، مرة يقولوا ح نعسكر «هنا» قبل ما ننصب آخر خيمة تيجى الاوامر، يقولوا لازم نهد اللى بنناه، نطلع فى دوريات، قبل ما نطلق طلقة يقولوا لا، ارجعوا، كنا ع نولول زى الحريم ومنا اللى يقول يا خبيتنا يا خيبتنا، والله وما ليكم عليا حلفان، اصغر عركة فى الصوامعة فيها شوم وسكاكين، يمكن بنادق اكتر من اللى فى ايدينا، الناس تسمع وتحسى اكده كأن على رءوسهم الطير، مفيش صوت لأى مخلوق ولا كلمة، القطة بلعت لسانهم صاروا من غير صوت. كمل أحمد: عشنا ايام وشهور على الجبن والزيتون. واهنا طار الطير اللى كان راقد فوق الرءوس، ضحك بعضهم، برطم الباقيين، مقدرش يكمل باقى الكلام ويقول اللى شافه، كان مسهم، ومسح من على وشه زى (بصقة) محدش شافها، وقف الكلام، ضحك واحد من الدرب فى عبه وسأله: بس قولى يا واد عمى كيف هو الزيتون؟ حاول يفهمهم اقرب معنى لشكل وطعم الزيتون، قال لى بعدها انه نفر منه أول ما تسلمه، مفهمش ايه ده، بس لما شاف الكل ع ياكله حتى قائد الكتيبة، شمه، بلع حباته بكاملها كأنه دوا، قعد يتدرب على وكله شهرين، بس اللى عمره ما نسى طعمه عنقود العنب «عنب بيت دوراس» خلانى اشتهيته مدقش اطعم ولا اشهى منه، احمد سرحان، الناس منتظرة الجواب قالوا: اللى واخد عقلك يا بطل، روحت وين، كأنه رجع من حلم بعيد: «وكل مالح زى المش اكده» وحدة من النسوان ردت عليه: يا مرى يعنى ع تاكلوا الجنبه بالمش؟ ضحكوا، قال يونس: لمى خشمك?، ضحك شحاتة واد عم ابوى، ماهى عندها حق، ايه الوكل الشين ده، ابويا زغر له اكده: كلك قطر سيبك من الوكل يا واكل ناسك، على طول اكده همك على بطنك، طبطب على ظهر ابنه، كمل يا ولدى ابتسم احمد بحلاوة وهو كان مليح الشكل قوى:ـــ أما احلى عنب اللى كان يجينا من بيت دوراس، ضحك أحمد، الباقيين معرفوش سبب ضحكه، حتى ابوى انتظر إجابة السؤال، كيف يشرح لهم أنه اسم مكان، محتار قال: دول بياعيين سريحة لا لينا ولا علينا. عاود الكلام: كل واحد يدور على جحر يتخبى فيه مقدار ما يأكل لقمة، ماهو احنا ما نعرفش القدر حايش لنا ايه، شوية حرب نبنى خيام، نطلعوا دوريات، نشتبك معاهم ولا يهمنا منهم، قائدنا يقول علينا أنتم اسود، رجالة صح، بعد ما نرجعوا نفقد ناس، تموت ناس، تلاقى زميلك اللى كان جارك معدش موجود، احيانا يقولوا سلام، نلم الخيام والسلاح، اليهود ينزلوا ضرب فينا، نسأل القائد: احنا ساكتين ليه، يقولوا طلبوا الهدنة والسلام، طيب ع يضربونا ليه؟ يقولوا اصلهم لا ع يحترموا لا هدنة ولا سلام، بقينا لا عارفين ليل من نهار ولا حرب من سلام، بدأت المعارك ونص الأرض فاضية، بعد أقل من سنة اسرائيل احتلت كل شبر، قائد الكتبة اليوزباشى جمال عبدالناصر، كان يقعد يبص لنا، يبتسم لما يشوفنا حواليه، متحملين الجوع والعطش، لا نشكو ولا نطالب بوكل ولا شرب، اللى يجوع ينقى زلطة يحطها تحت لسانه، يشبع من ريقه، لحد ما ربنا يبعت، قعدنا أيام عايشين على القمح والدشيشة، نبل القمح ونسخنه، نحط عليه الموجود، سكر ماشى، ملح وماله، يقولوا عليه «بليلة» اهو نسد جوع البطن والسلام، القائد ده الله يبارك له، كنت طالع على تبة، انتبه لهمهمة السامعين، قال عشان يوضح: مكان عالى اكده، نستكشف الموقع، نادانى قالى بلاش أنت بطولك وعرضك اللى يسد عين الشمس، بدل ما ينشوك، خلى حد قصير ورفيع يتسلل احسن، لسه يادوب ع نتحرك نرجع، الرصاص زغرد فوق رءوسنا، مات زميلى قبل ما يطلع التبة، أنا انبطحت على الارض، زحفت لحد ما لقيت حفرة، نزلت فيها، لقيت ايدين ع تشدنى، بصيت لقيته القائد، شاور لى أن اكتم، صبرنا لحد ما انقطع صوت الضرب، طلعنا، انجرحت فى دراعى معرفش من الضرب ولا من الوقعة، الصبح لقينا طايرات العدو تحدف علينا ورق مكتوب ع يقولوا عليها منشورات، همهمت الناس موش فاهمين، قال الذى تعب من الذكريات اللى عاشت معاه طول عمره، موش كفاية النهاردة!؟ نكمل الباقى بكرة ولا ايه!، ادونى كباية شاى نعدل راسى، قبل أن يدوق طعم الشاى سمعنا صوت اذان الفجر، مشى كل إلى سبيله.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق