ونحن نهنئه بتقديرية الدولة فى الآداب رد قائلا: «الأهرام» جريدة عريقة، هى التى أطلقت على شوقى قبل غيرها وصف «أمير الشعراء»، وهى التى تحتفى بالفكر والثقافة والأدب، قرأنا قصائد الشعر على صفحتها الأولى، فهى صاحبة فضل فى الاهتمام بالشعر وسائر الفنون.
وعن الجائزة قال إنها تتويج لمشوار طويل من الجهد والعمل الدءوب، وكشف عن أنه تحرك فى خمسة مسارات هى الشعر والرواية والبلاغة العربية والنقد الأدبى عامة والنقد الثقافى خاصة. الدكتور محمد عبد المطلب شيخ النقاد العرب، أستاذ البلاغة والنقد الأدبى بآداب عين شمس، له أكثر من ثلاثين كتابا مهما فى الدراسات النقدية والبلاغية. معه هذا الحوار:
تلقب بشيخ النقاد العرب.. كيف ترى واقع النقد الأدبى الآن؟
مع الأسف لم يكمل الجيل الجديد المسيرة التى بدأها الجيل الذى قبله (جيلنا) أقصد جابر عصفور ومحمد حسن عبد الله وصلاح فضل وحسن البندارى ويوسف نوفل وأحمد درويش وغيرهم، هذا الجيل القديم تذوق النقد العربى القديم واستفاد من النقد الوافد الجديد وأنتج نقدا عربيا فيه رائحة التراث ورائحة الحداثة. وكان يجب على الجيل الجديد أن يكمل المسار فيقدم نقدا يلائم الذوق الحاضر، ويرقى ذوق القارئ. لكنه كان متعجلا، واكتفى بالنقد الوافد، وهذا النقد الجديد الوافد فيه ما يصلح للنص العربى وفيه ما لا يصلح. كل نص عربى له طابع وذائقة. وما يهمنى هو أن أطوع الوافد ليصلح للتعامل مع النص العربى. الجيل الجديد لم يضطلع بهذه المهمة.
ثمة أصوات ترى أن المغرب العربى متقدم على مشرقه فى المنجز النقدى؟
الإخوة المغاربة كان لهم فضل فتح الباب على الحداثة، أقصد «جيلنا» أمثال المسدى والطرابلسى وحمادى والبقية قدموا منجزات رائعة، قدموا لنا الحداثة فى شكلها الذى يلائم الذوق العربى، لكن الجيل الجديد أوغلوا فيها حتى أفسدوها.. مثلا الحجاج والحوار، أمران سائدان فى النقد الحديث، لكن الإخوة المغاربة حولوا النقد كله إلى حجاج. النقد الحديث أصبح ترجمات وافدة عن طريق الإخوة المغاربة، ترجمات لم تعد تلائم النص العربى.. ولذا أرى أن حركة النقد الحديثة تحتاج إلى تعديل المسار.
ومن يضطلع بهذه المهمة؟
أدعو الجيل القديم إلى أن يعاود بذل الجهد لتعديل هذا المسار.
كيف يمكن تنفيذ الفكرة أوتحقيقها؟
باستعادة الذائقة التراثية المطعمة بالنقد الحديث.عندنا نقد أدبى قديم نبع من خصوصية النص العربى، وجاءت ترجمات النقد الحديث ومن أعظم فوائدها أنها نبهتنا إلى عظمة تراثنا، عبد السلام المسدى فى أول كتبه «الأسلوبية» نبهنا إلى عبد القاهر الجرجانى، وإلى التراث العربى، عندنا تراث نحترمه وحداثة وافدة نحترمها، وبينهما نخرج آليات وأدوات نقدية تلائم النص العربى.
ثمة أصوات نقدية ترى أنكم لم تقدموا نظرية نقدية عربية، واكتفيتم بالترجمة وشرح المترجم وإسقاطه على النص العربى أو تطويع النص للفكر الوافد؟
هذه مقولة خاطئة.. ليس هناك نظرية نقدية ترتبط بلغة ما.. هل سمعت يوما عن نظرية نقدية إنجليزية أوفرنسية أوإيطالية أو أمريكية؟ الصحيح أن هناك نظرية نقدية مشتركة تشارك فيها القوميات المختلفة. النظرية النقدية ترتبط بالإنسان، التنظير هو إجراءات تحليلية وتأويلية وتفسيرية لنص تنبع من خصوصية هذا النص. لكن جيلنا أضاف إلى الأجيال السابقة الذائقة الحداثية.
مصطلح الحداثة يدور بكثرة على الألسنة، ليس فى النقد وحده بل فى العلوم الأخرى، لكن ثمة ضبابية ورؤى خلافية فى فهم معنى المصطلح؟
الحداثة أن تكون لك مع المعاصرة إضافة غير مسبوقة شرط أن تكون ملائمة لذائقة المتلقى. نحن مررنا بمراحل: ما قبل الحداثة، ثم الحداثة، ثم ما بعد الحداثة، ثم الآن بعد ما بعد الحداثة.الحداثة عندنا بدأت بدعوة القطيعة مع التراث، ما بعد الحداثة قالت بإنهاء التراث، بعد ما بعد الحداثة «الآن فى أمريكا» يقول بالانعكاس، والمعنى أن كل جديد هو انعكاس لقديم سبقه حتى لو كان ضد القديم. وهذا ما نحتاج إليه - نحن العرب - الآن بشدة.
أحيانا يقرأ القارئ نقد الناقد فيتمنى لوكانت لديه هذه الرؤية وتلك القدرة الفذة على الفهم والتأويل، وأحيانا يقرأ فيتوه فى المسارب والالتواءات وغياهب من الظلمات؟!
نعم، هناك بالفعل ما أسميه «النقد المائى»، عندما أقرؤه أشعر أنه بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وما أسميه «النقد البهلوانى»، وأتساءل وأنا أقرؤه: أين فى النص ما يقوله الناقد؟ وهناك ما أسميه «النقد الهوائى»، ومع ذلك فرأيى أن الحركة النقدية فى عمومها ناجحة. لكن كى نكون منصفين فإن الرواد من النقاد أفادوا النقد العربى إفادة عظمى، وعلى الجيل الجديد - كما قلت - أن ينتبه إلى التراث ولا يعيش فيه، وأن يهتم بالحداثة ولا يذوب فيها كما يقول الدكتور عبد القادر القط.
اتهم د.عبد المطلب بأنه اهتم بالإحصاء فى النقد بينما كان يجب أن يهتم بتقريب النص إلى ذائقة القارئ؟
الحقيقة أننى فى الفترة التى اهتممت فيها بالنقد الإحصائى لم أكن مهتما به لذاته بل باعتباره وسيلة..قصدت تحويل الكم إلى الكيف.. والكشف عن الدلالة هل هى ثابتة أم متحركة أم ..أم .. كنت متبنيا الأسلوبية الإحصائية. وأصحاب هذه الملاحظة لم يتنبهوا إلى أنى لا أحصى للإحصاء.
ومع ذلك فهذه كانت مرحلة والآن انتهيت إلى النقد الثقافى.
«النقد الثقافى»..أصبح المصطلح جاريا بكثرة على الألسنة..ما المفهوم؟
الفكرة أن مهمة النقد هى كشف الحسنات والسيئات..أن تكشف عما فى النص وتقدمه للقارئ دون حكم. انا ضد فكرة الرفض والقبول أو الوصف بالجيد والرديء.. لست قاضيا له سلطة الحكم يحكم بالبراءة أو الإدانة، لكننى ناقد كل مهمتى أن أساعد القارئ على التذوق.
وأهمية هذا النقد أنه يعيد النص إلى جذوره. والمصطلح الذى اختاره وأصبح شائعا الآن فى العالم العربى كله هو «القراءة الثقافية» لا «النقد الثقافى». ولا أغمط الغذامى حقه فى أنه أول من قدم مصطلح «النقد الثقافى» للعربية، وإن ظلم التراث العربى بمقولته أن الشعر العربى أساء للأنثى، ومقولته أن الشعر العربى علّم العرب الكذب؛ بمقولتهم: «أعذب الشعر أكذبه» مع أن هذا مصطلح فنى. هناك أشياء كثيرة تحتاج إلى إعادة نظر.
اشتهر مصطلح «قصيدة النثر» وأصبح الأمر واقعا؟
للناقد ذوقان، ذوق خاص هو فيه حر، يفعل ما يحب، وذوق عام يتابع كل ما تنتجه حركة الإبداع ويقدمه للقارئ فى أوضح صورة دون أن يصدر حكما بل يترك الحكم للقارئ. الأصول التى تقوم عليها الشعرية أربعة «بترتيبها فى التراث العربى» هى: الموسيقى واللغة والخيال والمعنى.على هذا الترتيب سارت مدرسة الإحياء: البارودى وشوقى. التطورات الشعرية جاءت من تغيير ترتيب هذه الأصول. أى تقديم بعضها على بعض، الرومانسيون جعلوا الخيال أولا، مدرسة التفعيلة جعلت اللغة أولا، مدرسة النثر ألغت الموسيقى تماما واعتمدت أصلين فقط : اللغة والخيال، وقدموا إنجازات جيدة.. لكن الأجيال التالية قدموا السرد وألغوا اللغة والخيال، ورأيى أن الشعرية العربية هى كيفية إنتاج المعنى، هى فى البناء والأداء وليست فى المعنى.
أنت إذاً مع الجاحظ أن الشعر ضرب من التصوير؟
نعم بالتأكيد، وما قاله الجاحظ أصبح حداثة، هو ما يقوله النقد الغربى الآن.
كيف ترى حركة الإبداع الشعرى الآن؟
ألاحظ العودة إلى الشعر العمودى، وهذه ظاهرة تحتاج إلى دراسة.
دراساتك البلاغية الأخيرة ترفع التراث البلاغى عاليا، رغم أنك فى بداياتك هاجمت هذا التراث ودعوت الى إغلاق باب البلاغة القديمة ؟!
عدلت عن رأيى الأول، بعد أن قرأت البلاغة بإنصاف واستيعاب أدركت أننى كنت مخطئا، لم أكن أدرك قيمة التراث البلاغى وقتها، يكفى أن أقول لك إن كل ما يقدم الآن فى النقد الحديث هو البلاغة مع تغيير المصطلحات. وعندما أتكلم عن البلاغة لا أقصد الحديث عن البلاغة للبلاغة، بل أقصد تبسيط النص بحيث يستطيع القارئ العادى أن يتذوق جمالياته على نحو مبسط، وعلى هذا الأساس كنت أتحرك فى تعاملى مع التراث العربى والبلاغة العربية وأنا أضع نصب عينى أن أعطيه طابعا حداثيا جديدا، أن أوفق بين ما ورثناه - وهوعظيم جدا- واحتياجات الزمن الذى نعيشه.
رابط دائم: