رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كيف يفكر الفرنسيون؟

السيد أمين شلبى

  • الفرنسيون أكثر الشعوب ثقافة.. ومستمرون فى إنتاج أكثر الأفكار التجريبية أناقة وصقلاً عن الوضع الإنسانى

  • يفعلون الأمور الطائشة بشكل جاد والأمور الجادة بشكل طائش

  • ينغمسون فى القيل والقال وينهمكون فى غضب حاد حول أصغر الموضوعات





سودهير هازاريسنج، باحث ولد فى موريشيوس، وهو الآن زميل فى الاكاديمية البريطانية، وزميل فى كلية باليول فى جامعة اكسفورد منذ عام 1990. غير ان تكوينه وثقافته كانت فرنسية، حيث انشغل منذ البداية بالثقافة الفرنسية و أعلامها منذ سنواته المبكرة وشكلوا حساباته الثقافية، فقد انجذب إلى لويس آرجون، وبول الوارد، وآخرين. وادى انغماسه العميق فى الحياة الثقافية الفرنسية إلى إدراك التأثير القوى للأدب فى صياغة العقل الفرنسى.

فقد كانت رواية «كانريد» لفولتير، ورواية روسو Nouvelle Helocie، ادوات اساسية فى نشر أفكار التنوير، مثلما كانت روايات الكمسندر ديماس فى القرن التاسع عشر، قد أعطت الشعب الفرنسى انطباعاً اكثر عن تاريخهم الملكى اكثر من كل مؤرخين فى هذا العصر. وقدمت روايات جوزيف كسل «ظلال الجيش» وفيركوز «صمت البحر» ولويس فيبردتان «قلعة القلعة» تعبيرا عن الخبرات المعقدة للاحتلال والمقاومة، والتعاون مع المحتل فى فرنسا بين اعوام 1940 – 1944.

هذه الاعمال أيضا كشفت له عن بعض العناصر الأساسية والمثيرة واعجاب بالروح الفرنسية. هذا الانغماس فى الثقافة الفرنسية والعقل الفرنسى هو الذى دفع سودهير إلى أن يبحث فى «كيف يفكر الفرنسيون»، حيث وصف النقاد عمله بأنه فعل أكثر من اى أحد كتب بالانجليزية لحل «اللغز الفرنسى».

فى هذا الكتاب كان هدفه الاساسى هو تحديد التميز الثقافى للتفكير الفرنسى، وسوف يظهر الكتاب أن الفكر الفرنسى تسوده المفاهيم الدينية، والصور والاستعارات، ورغم الطابع المدنى لمؤسساتها العامة، والعقائد الجماعية لممارسات شعبها، فان فرنسا مستمرة ان تعيش تحت ظل السيطرة السابقة لكاثوليكتها، وهو كان يدرك هذا منذ بداية انغماسه فى الثقافة الفرنسية: فالخير والشر لم يكونا منعطف موضوعات للمناقشات الادبية والفلسفية ولكن مفاهيم كانت تستخدم بشكل منظم فى الخطاب السياسى.

وفى تصوير الفكر الفرنسى وخصائصه ومثله، ينقل سودهير عن ثلاث شخصيات فرنسية وفى فترات زمنية: فعقب الحرب العالمية الثانية كتب اندرية سيجفريد عن مكان بلاده فى العالم «ان غياب فرنسا عن المسرح، وفقدان طرقها فى تناول المشكلات، جعل كل شىء تجارياً، وإداريا، وعمليا، ولكن بنظر المرء عنذئد بشىء أكثر أصالة، والذى بدونه فإن أوروبا لن تكون نفسها، ولا العالم الغربى مهد الحضارة البشرية، وقد لاتجد فرنسا كيف تحدد حلولا أفضل لمشكلات زماننا، ولكنها تعلم أفضل كيف تحددها.. وهدفها الكلاسيكى هو مكانها، وعنذئد تجمعهم بشكل حصيف وتنير القضية التى تتناولها. اينما ذهبت، فان فرنسا تقدم الوضوح، والسهولة الثقافية، والشغف وفى نهاية اليوم بشكل حصيف وضرورى للحكمة».

اما النموذج الثقافى والاحدث فهو الخطاب الذى ألقاه وزير الخارجية الفرنسى الأسبق دومينك دى فيليان امام مجلس الأمن فى فبراير 2003 حول استخدام القوة ضد نظام صدام حسين فى العراق، متحدثاً باسم «القارة القديمة» التى اختبرت «الحروب والاحتلال والبربرية، أعلن فيليبان ان الحرب على العراق سوف تكون لها نتائج كارثية بالنسبة لاستقرار المنطقة».     

أن فكرة الحرب قد تبدو الاكثر فعالية ولكن دعونا لا ننسى انه يعد كشف الحرب، فإنه يجب بناء السلام...» وأضاف مخاطبا المجتمع الدولى «نحن حراس المثالية، حراس الضمير، ان المسئولية الثقيلة، والشرف العظيم التى لنا يجب ان تقودنا ان نعطى الاولوية». ولم تكن افكار دى فيليان ببساطة/ مجرد انعكاس لوجهة نظرنا للعالم ولكنها منغمسة فى التفكير الفرنسى التقليدى حول السلام العالمى الذى يمكن أن نرجعه للقرن الثامن عشر.

وكان خطابه صدى للمفكر Abbe de saint – pierre واقتراحه ان الدول التى جمعها تفكير متشابه (تقودها فرنسا طبعاً) تقدم أفضل ضمان لعالم سلمى. كما كان اسلوب فيليان البليغ يذكر بأسلوب ارستيدبرياند الفصيح الذى حاول الترويج للسلام العالمى بين الدول وباختصار فان فكر دى فيليان كان مطمورا فى نمط غنى ومعقد للفكر الفرنسى.

ويهدف كتاب سودهير إلى ان يستكشف الوجوه المختلفة لهذا العالم الثقافى، ويبرز خصائصه الطويلة الأجل وتطوراتها عبر الزمن، وكذا مظاهرها الثقافية المستمرة اليوم، وان يظهر كيف (ولماذا) احتلت انشطة العقل مثل هذا المكان الخاص فى الحياة العامة الفرنسية. وما بعد تحديد العديد من الطرق المتنوعة التى قدم فيها الفكر الفرنسى نفسه وتصور العالم، فان طموح الكاتب النهائى ان يوضح، كما يوحى عنوان كتابه كيف يكفر الفرنسيون.

وبعبارات اخرى أن يتفهم مفاهيمهم المفضلة، وإطارات وصيغ تقليدهم وهذا يتضمن الخصائص الكلاسيكية مثل استعدادهم الكامن نحو التفكير الخلاق، ومثل ما لاحظ الكاتب بليز باسكال عن مواطنيه» انى لا اتحدث عن الحمقى، انى اتحدث عن احكم الرجال، ومن بينهم من يمتلك العقل والموهبة العظيمة للاقناع». وينتشر ايضا فى الفكر الفرنسى نزعة استثنائية للوضوح تنبع من الخاصية المميزة للغتهم. وكما أكد الكاتب ريفول بشكل مهيب «ماليس واضحا، ليس فرنسيا»>

وكما قال الناقد Hippolyte taine» «كل ما يرغب فيه الفرنسى أن يثير فى نفسه والآخرين فقاعات من الأفكار المقبولة» وكما عبر المفكر الفرنسى مونتيسكو فان ما يميز الفكر الفرنسى هو فعل الامور الطائشة بشكل جاد، والامور الجادة بشكل طائش، وفى نفس الاتجاه كتب المؤرخ ارنست لافيس «اننا لم نولد لكى نكون طبيعيين او محترمين» ولاحظ مؤرخ آخر، جولز ميشلتب، هذا الاستعداد للجدل كأحد الروافد الفريدة للطبقات الفرنسية المتعلمة «نحن ننغمس فى القيل والقال، ونتشاجر، ونبذل طاقتنا فى الكلمات، ونستخدم لغة قوية، وتنهمك فى غضب حاد حول أصغر الموضوعات» وفوق كل شيء فان التفكير الفرنسى مشهور بحبه للافكار العامة، وكما قال Emil Montegut «ليس هناك شعب لعبت فيه الافكار المجردة مثل هذا الدور العظيم، والذى تشيع فيه هذه الميول الفلسفية المتبعة وحيث الأفراد غافليون عن عن الحقائق وتتحكم فيهم هذه الدرجة العالية من الغضب من أجل المجردات».

على الرغم من مظاهر التراجع الثقافى التى ينبه إليها ما يسميهم الكتاب the daclinist من هبوط قراء الكتاب والصحف، وبالتالى الصعاب التى يواجهها الناشرون، إلا انه يعتبر انه باى مقياس فان فرنسا تستمر فرنسا فى ان تظهر ارتباطاً قويا بثقافتها، حيث تعقد حوالى ثلاثة آلاف مهرجان ثقافى فى العام، ومازال ولع الفرنسيين لقراءة الكتب قويا، ومازالت الكتابة ينظر اليها بشكل واسع كنشاط تعليمى وكوسيلة لربط الصفوة بالشعب وتقوية الشعور بالمواطنة ومن ثم فان الثقافة الفرنسية من عدة وجوه اكثر انفتاحاً من اى وقت مضى.

ورغم ان الفرنسين غير راضين عن صفوتهم، إلا انهم مازالوا على ولاء لمجدهم القديم الغارب، غير ان ثمة شيئا واحدا مؤكد، ففى الوقت الذى يواجه الفرنسيون تحديات القرن الحادى والعشرين سيظل الفرنسيون اكثر الشعوب ثقافة ومستمرين فى انتاج اكثر الافكار التجريبية اناقة وصقلاً عن الوضع الانسانى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق