رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الثقافة الغذائية.. فريضة غائبة فى ظل العولمة

هبة عبد الستار

كيف تغيرت عاداتنا الغذائية وكيف أصبحت علاقتنا بالطعام أكثر تعقيدا وتناقضا عما قبل على الرغم من انتشار التكنولوجيا وتنوع النظام الغذائى العالمى أكثر مما كان عليه من قبل؟ وكيف يؤثر ذلك ليس فقط على صحتنا بل أيضا على علاقاتنا الاجتماعية أيضا؟..

تساؤلات تطرحها خبيرة التغذية بى ويلسون خلال كتابها الصادر حديثا « الطريقة التى نأكل بها الآن.. استراتيجيات للتغذية فى عالم متغير» لتكشف كيف أصبحت الطريقة التى ننتقى بها طعامنا الآن تتبع نهجًا اجتماعيًا وأنثروبولوجيًا معقدا.

تلفت ويلسون إلى ما توصل إليه خبير التغذية بارى بوبكين من نتائج حول «تحول التغذية» فبعد أن ينتقل بلد ما من الفقر إلى الثروة. يعنى الازدهار تناول المزيد من الدهون واللحوم والوجبات السريعة ونسبة أقل من الحبوب الكاملة والبقوليات. لاحظ بوبكين أنه «عندمايتم اعتماد هذا النظام الغذائى ، يجلب معه حياة أسهل بالإضافة إلى مجموعة من الأمراض».

وفى هذا الإطار ترصد ويلسون مراحل تطور النظام الغذائى البشرى بداية من مرحلة الصيد مرورا بمرحلة الزراعة ثم التنويع بين النباتات واللحوم وصولا إلى المرحلة الحالية التى تضمنت مجموعة أكبر من الخضراوات والأطعمة المحفوظة. تلك المرحلة تتضمن وفرة فى الغذاء بشكل محير إلا أنها تتضمن خلطا غريبا غير متجانس للأنظمة الغذائية التقليدية.

هى ترصد كيف أصبحت اختياراتنا الغذائية متدهورة فى عالم يتسم بالوفرة والاختيار، إلى الحد الذى يجعلنا مرضى، لافتة إلى مخاطر البيئة السامة، والأطعمة فائقة التجهيز، المليئة بالمواد الحافظة كما تشكك فى العديد من نظريات التغذية والطريقة التى يجب أن نتناول بها طعامنا، حيث ينظر إليها على أنها اتجاهات دون دعم علمى كبير.

وترى أن المشكلات الصحية الحديثة هى نتاج الانتقال فى نظامنا الغذائى من الخضراوات وأجزاء صغيرة من اللحوم إلى تناول كميات كبيرة من الأغذية المصنعة التى تحتوى على نسبة عالية من الملح والسكر والدهون، مع وجود قيمة غذائية قليلة. تستعرض ويلسون كيف تطور وتدهور النظام الغذائى العالمى الجديد، فعلى الرغم من وفرة المحاصيل الزراعية الصالحة للأكل إلا أن 95% مما نأكله يمثل 30% فقط منها.

تبرز خبيرة الغذاء دورالعلامات التجارية العالمية التى تغزو الثقافات الغذائية المحلية وتدمرها فى النهاية، وتقدم نظرة انتقادية للقوى العالمية والاقتصادية التى تحدد كيف نطعم أنفسنا فى ظل العولمة التى تقودها الرأسمالية غير المقيدة التى تقود أذواق الناس من خلال الإعلانات وتركز على زيادة الأرباح إلى الحد الأقصى بدلاً من توفير طعام جيد وصحى، وتوضح دور شركات الأغذية الكبرى فى إيجاد مشكلات صحية حالية فى جميع أنحاء العالم.

تقدم ويلسون أيضا تحليلا اجتماعيا لتأثير عوامل الفقر والنوع والعرق والظلم الاجتماعى على عاداتنا الغذائية وثقافة الطعام وتُظهر كيف يتم استغلال الأشخاص المستضعفين واستهدافهم من قبل الشركات الكبرى، وكيف اختفت الثقافات الغذائية المحلية مع تجانس الخيارات الغذائية فى جميع أنحاء العالم بحيث اختفت السمات والعادات الغذائية المميزة للشعوب، فمثلا يشتهر الشعب التشيكى بخبز «البوهيمى»، لكن اتضح أنه فى هذه الأيام يتناول الكثير من الخبز الأبيض المعتمد على القمح المنتج صناعيا.

وحذرت مما قد يمثله ذلك من خسائر للخصوصية الثقافية وكذلك للصحة العامة.

وتؤكد أن المخاطر الصحية لذلك فى ازدياد مع تضاعف نسبة انتشار السمنة لدى الأطفال وكذلك الأمراض المرتبطة باختلال النظام الغذائى مثل النوع الثانى من السكر، مضيفة «لا يمكننا السماح لهذا بالاستمرار - إنها معاناة إنسانية يمكن الوقاية منها تمامًا. فبصفة عامة يمكن تطبيق القول المأثور (لا تأكل شيئًا لم تعرفه جدتك الكبرى كغذاء) لأنه فى عالم يفتقر فيه تناول الطعام إلى الهيكل والقواعد ، قمنا بتكوين قواعدنا الخاصة وهذه القواعد تتأثر كثيرا بمؤثرات خارجية مثل الإعلانات التجارية».

وترى أن الحل يكمن فى إصلاح نظامنا الغذائى العالمى عبر عدة استراتيجيات مثل تحسين الزراعة، وتفضيلات الأكل، وسن تشريعات حكومية تتحدى نفوذ وتأثير الشركات الكبرى.

كما تولى أهمية لدور الحركات الاجتماعية وردود الفعل السياسية للخروج من الأزمة الصحية الحالية.

تتنوع فصول الكتاب بين العادات والميول الغذائية والوجبات الخفيفة والطهى وأوقات الوجبات.

كما تخصص جزءا كبيرا حول متعة تناول الطعام الجيد، وطرق الاستمتاع بتناول وجبات الطعام فى الشوارع ووجبات المطاعم، منتقدة ما وصلت إليه البشرية من طقوس لتناول الطعام حيث أصبحت «أقل اجتماعية»، مشيرة إلى أن ذلك قد تكون له مخاطر على الصحة مدللة على ذلك بدراسة أجريت فى ولاية كاليفورنيا عام 1969، شملت 4000 رجل يابانى تزيد أعمارهم عن 30 عامًا وجد أنهم أكثر عرضة للإصابة بأزمات قلبية من نظرائهم فى اليابان حتى عندما يتناولون نظامًا غذائيًا يابانيًا تقليديًا (كان الرجل اليابانى العادى أقل عرضةً للإصابة بمرض القلب مقارنة بنظيره الأمريكى فى مرحلة منتصف العمر)حيث وجد الباحثون أن صحة الرجال اليابانيين قد تأثرت بعوامل مثل مقدار اجتماعهم مع اليابانيين الآخرين، وكيف نظموا حياتهم وبالتالى طقوسهم فى تناول الطعام.

كما ترصد تأثير التكنولوجيا على اختياراتنا الغذائية، معتبرة أننا نعيش فى ثقافة طعام اتخذت إلى حد كبير طابعا شخصيا متخصصا، حيث نعيش فى عصر يتم فيه تخصيص كل شيء لذلك كانت مسألة وقت فقط قبل أن يصبح الطعام مخصصًا وفقا لرغبات الأفراد، وساعد على ذلك انتشار تطبيقات الطعام ليس فقط توصيل الطعام بل تكوينه وفقا للتفضيلات الشخصية للمستهلك، وتشير إلى أن التوق إلى الطعام هو نتاج ثقافتنا وتربيتنا أيضًا. لذا فالنكهات التى ننجذب نحوها تمثل تلخيص ذكريات تعرضنا لها.

ربما على مائدة عشاء عائلية بالمنزل تجعلنا نشعر بالأمان والدفء والأمر نفسه بالنسبة للأطعمة التى نرفضها.

إلا أنها تؤكد أن الأذواق «الشخصية» لدينا ليست شخصية تمامًا كما نعتقد. وبمرور الوقت، يمكننا تعلم الاستمتاع بالنكهات التى وجدناها بغيضة ذات مرة.

يمثل كتاب ويلسون نظرة أكثر عمقا على ثقافتنا الغذائية التى يبدو أنها فى تدهور مستمر يتناقض مع ما وصلت له البشرية من تقدم فى ظل وفرة وتنوع نظامها الغذائى والتطور التكنولوجى الذى بات يدخل فى مراحل مختلفة من تصنيع وتطوير الطعام، وعلى تأثير العولمة والشركات الكبرى الرأسمالية على تشكيل اتجاهات وعادات التغذية العالمية مما يؤكد أهمية إحياء الثقافة الغذائية ليس فقط حفاظا على الصحة العامة بل على الخصوصية الثقافية أيضا.

> The Way We Eat Now.Bee Wilson. 4th Estate.2019

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق