رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«المناجاة» فى الشعر العربى.. مفهومها وأغراضها

هى أسلوبٌ تعبيرى له سياقه ودلالته، ينصرفُ فيه المُتحدث، أو الكاتب عن المخاطب الحقيقى، ليوجه حديثه إلى شخصٍ يتوهمُه، أو شيء لا وجود له، أو فكرة مجردة أو موقف خيالى، تبدأ غالبا بحرف النداء «يا»، وترتبط بالتجسيد، حيث تمنح - المناجاةُ - الكائنات والمُجردات صفاتٍ بشرية مثل الفهم، فيخاطبها المُتحدثُ تماما كما لو أن هناك شخصا موجودا، وتُستخدم غالبا لإيصال العاطفة القوية كما فى حديث «كلوديوس» الحماسى فى رواية «هاملت».

حول هذا الفن وأغراضه يقول د. صابر عبدالدايم، العميد الأسبق لكلية اللغة العربية بالزقازيق:إن المناجاة فنٌ تتسع دلالاته، وتتنوع أبعاده فتشمل المناجاة الدينية, وهى بعدٌ فياضٌ بالدلالات والرؤى, ومناجاة الطبيعة الحية، والطبيعة الصامتة، ومناجاة الزمان, ومناجاة المكان، وعناصر الوجود المؤثرة فى النفس الإنسانية, والمناجاة الذاتية, والمناجاة الحوارية، والتلقينية, ومناجاة الشخوص, وكلها يتضمنها خيطٌ شعورى متآلف النسيج والرؤي, وهو تجسيدُ القيم الروحية, والعاطفة الإنسانية والدينية.

ويضيف: ولاشك أن جذور هذا التوجه راسخةٌ فى مسيرة الشعر العربى القديم، وخاصة عند الشعراء الصوفيين، كما أنه عرف فى الآداب الأجنبية، حيث تعمق فى هذا الاتجاه الروحى كثيرون منهم «ملتون» وكان من أهدافه أن يُعيد الناس إلى الاعتبارات السامية، ويُذكرهم بالغايات النبيلة, ومنهم أيضا «هنرى فون» وكان شاعرا صوفيا، ويبدو فى نغمته التلاشى الكامل, وفكرة الإشراق, وهو يمثل الصوفية الفردية، وكل شعره يدور حول هذه الفكرة, والرجوع إلى الماضي, وإلى أيام الطفولة.

ومن هؤلاء الشعراء أيضا - يقول د. صابر - «توماس إليوت» الشاعر الإنجليزي, الذى مر بأزمة روحية كبيرة بعدما نشبت الحربُ العالميةُ الأولى 1914 م، خرج بعدها شاعرا تأمليا دينيا كبيرا، ومن نماذجه الشعرية الفذة قصيدة «الأرض الخراب»، وهى قصيدة حداثية واسعة التأثير فى أربعمائة وأربعة وثلاثين سطراً، وتُعد من علامات الأدب الحديث رغم غموضها المزعوم وغرابتها، ففيها يتغيرُ السارد بشكلٍ مفاجئ، كما أنها تراوح بين النبوءة والسخرية، وتقتبس ثقافاتٍ متعددة وإشاراتٍ أدبية متعددة وملتبسة، ومن عباراتها الشهيرة: «أبريل يا أقسى الشهور، سأريك الخوف فى قبضة غبار».

وفى الأدب الألمانى يتأثر «جوته» بسفر أيوب فى عمله الأدبى «فوست» كما تأثر بالقرآن الكريم والحديث النبوى الشريف والسيرة النبوية فى كثير من قصائده فى «الديوان الشرقى»، وفى الأدب الفرنسى أيضا نجد «كورنى», و«راسين», و«موليير», و«لافونتين», يهدفون فى مؤلفاتهم إلى إصلاح الإنسان نفسيا ومعنويا, وإلى حب الخير والإيمان, والمثل العليا ليستقيم سلوكه.

ويشير د. صابر إلى أن هذه التجارب العالمية الإنسانية تؤكد أصالة النزعة التأملية, وأصالة مواقف المناجاة فى الآداب العالمية، ومن قبل ذلك فى تراثنا العربى الإسلامى، ومن نماذج هذا النثر التأملى العميق ما يقوله الإمام الشعرانى فى «الطبقات الكبرى» رواية عن أبى عمر عثمان بن مرزوق القرشى: « إذا هبت ريحُ السعادة, وتألق برقُ العناية على رياض القلوب, وأمطرت ودق الحدائق من جلال سحائب الغيوب, ظهرت فيها آثار قرب المجلوب، وأينعت ببهجة أنوار نيل المطلوب, وانكشفت لهم من مذخور الخزائن تحت كل ذرة من ذرات علم مكنون, وسر مخزون».

فيما أكدت د. سحر محمود عيسى، أستاذة النقد الحديث بجامعة الأزهر، أن المناجاة حسب تعريف النقاد والباحثين هى الشعرُ الدينى، أو الابتهالات والأدعية الدينية بما تشملُه من تضرُع ودعاء وتسابيح لله عز وجل، وحيث إن هذا المفهوم الشائع قد احتل مساحة بارزة من العقل الجمعى كان لزاما - وهو ما دعوت إليه فى دراسة لى بعنوان «المناجاة فى الشعر العربى الحديث.. قراءة جديدة» - أن نتأمل المناجاة من جديد، ونقرأ الدلالة بكل ما تشمله من معانٍ لنعرف ما المناجاة وما ألوانها وما مواقفها، والأهم من كل هذا هل ينحصر مفهومها بالفعل فى المناجاة الدينية فحسب، أم أن هذا المفهوم قد شاع حتى أصبح دلالة مستقرة فى العقل والوجدان بلا دليل يدعمه؟

وتضيف: وكانت نتيجة البحث الوصول إلى أن المناجاة هى لونٌ من ألوان الخطاب الهامس، الخافت بين اثنين أو أكثر، وتشمل مناجاة الخالق عز وجل ورسوله المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ومناجاة الطبيعة ومناجاة الشخوص، ومناجاة الزمان والمكان والمناجاة الذاتية وغير ذلك.

وتؤكد د. سحر أنه بالرجوع للقرآن الكريم نجده قد استخدم المناجاة - مفردة وأسلوبا - فى مواضع عدة بما يدل على أن المقصود بها الحديث الخافت أو الهامس بين طرفين أو أكثر ومن ذلك قول الحق سبحانه «وأسروا النجوى الذين ظلموا»، وقوله سبحانه «يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة»، وقوله سبحانه «اذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى»، وغيرها من المواضع، ولفتت إليها السنة المطهرة أيضا ومن ذلك قول المصطفى «إذا تناجيتم فلا يتناج اثنان دون الثالث من أجل ألا يحزنه».

وتضيف أن المناجاة وردت باستفاضة فى معاجمنا العربية، وكانت تعنى السر بين اثنين أو أكثر وتكون فى الخير والشر، وتطلق على حديث النفس مجازا.

وأخيرا تؤكد د. سحر أن حصر معنى المناجاة فى الدعاء والابتهالات الدينية حصرٌ غير دقيق، رغم أنه استقر فى وجدان معظم الدارسين والباحثين فى الثقافة العربية، ومن هنا تأتى أهمية دراستى السالفة الذكر لما تتناوله من دلالة وقراءة ورؤية جديدة وتوضيح لمواقف المناجاة، ومفهومها الدقيق واستخدام الشعراء لهذه المواقف قديما وحديثا، اعتمادا على تحليل النصوص الشعرية المتنوعة من مختلف التيارات والمذاهب الشعرية، ومعايشة روح النص الشعرى وآفاقه الرحبة عبر المفردات والتعابير والسياقات، ومحاولة قراءة وتأمل وجدان الشاعر الذى آثر أسلوب المناجاة؛ ليرسم به ما يموج فى روحه ونفسه فى تلك اللحظات المؤثرة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق