للمسرح القومى محبوه ومريدوه ودراويشه الذين يصلون فى محبتهم لذلك الصرح الفنى إلى حد العشق والفناء فى المحبوب.. وقد أوصى الفنان الكبير الراحل عبد المنعم إبراهيم بأن يخرج جثمانه من بيته الحقيقى المسرح القومى وكان له ما أراد.
وسيدة المسرح المصرى والعربى والحائزة أخيرا على لقب ملكة المسرح سميحة أيوب أحب الأماكن إلى نفسها ذلك المسرح العريق الذى يستعد العام المقبل للاحتفال بمائة عام على إنشائه.. وعند حضورها قبل أيام لعرض المتفائل وقفت فى نهاية العرض احتراما وتقديرا للجهد الفنى المبذول وأعطاها مدير المسرح النجم الشاب أحمد شاكر الميكروفون فقالت: اليوم فقط يعاد افتتاح المسرح القومى بعرض جميل يليق بالمكان ويحترم تاريخه.
ومن بعدها تحدثت الفنانة القديرة سميرة عبد العزيز وأشادت بأداء الفنانين وصدقهم وجديتهم فى تقديم الكوميديا الهادفة
والحقيقة أن وراء هذا النجاح كله مخرجا شابا شديد الخجل وقليل الكلام وهو إسلام إمام الذى أعد مسرحية المتفائل عن كانديد لفولتير واحتفظ بأسماء الشخصيات الأجنبية واستطاع أن يختزل الثلاثين فصلا فى النص الأصلى إلى فصلين ممتعين يختلط فيهما الاستعراض بالضحك بمشاهد الشجن والحزن النبيل ويخرج المتلقى فى النهاية أشد إيمانا بضرورة انتصار الخير فى داخله وتغليب الأمل فى أحلك الظروف على اليأس والإحباط.
واستطاع إسلام إمام أن يشكل فريقا مبدعا من الموهوبين كل فى مجاله ويتكون الفريق من ديكور حازم شبل الذى تحدى نفسه فى تجسيد القصور والصروح الحربية وسفينة التجارة وسفينة القراصنة وأرض الماس والأرض الجرداء واستطاع بمعاونة المخرج تحريك الديكور فى بساطة وذكاء حتى لا يتوقف إيقاع العرض أثناء تغيير المناظر.
كما أبدعت نعيمة عجمى فى تصميم الملابس الأنيقة والمتنوعة والمناسبة للحقبة الزمنية التى تدور فيها أحداث المسرحية وأضافت إضاءة أبوبكر الشريف لمسات السحر والجمال على الديكور والملابس كما لعبت دورا دراميا ما بين الخفوت والسطوع حسب الحالة النفسية للممثلين فى داخل كل مشهد وهى إضاءة تستحق التدريس فى هذا العرض بالتحديد.
أما البطل الحقيقى للعمل فهو هشام جبر صاحب الألحان والموسيقى الدرامية التى تناسبت مع إمكانيات صوت كل شخصية وصنعت عرضا موسيقيا ينافس أرقى وأجمل الأوبريتات العالمية.. وبالطبع أعانه على ذلك كلمات الأشعار البسيطة والمعبرة التى صاغها طارق على بحرفية شديدة ولعل من أجملها أغنية لو سألوك الناس التى تؤديها آيات مجدى فى شخصية الملكة وأيضا مونولوج أنا عندى يقين الذى يؤديه تمثيلا دون موسيقى نجم العرض سامح حسين.
وقبل أن ننتقل إلى أداء فريق الممثلين لا يفوتنا أن نشيد بمكياج إسلام عباس والذى يقدم أبطال العرض فى مرحلتين زمنيتين كما يقدم شخوصا عديدة فى كل لوحة من لوحات المتفائل ونأتى إلى المتفائل نفسه والذى يدعونا حقا إلى التفاؤل بمستقبل الكوميديا فى المسرح المصرى وهو النجم المتألق سامح حسين والذى شاهدته من قبل فى عرض أنا الرئيس وعرض آخر مونودراما يؤكد أنه ممثل من طراز رفيع لا يسعى فقط وراء الإضحاك وإنما يبحث عن قيمة فنية تبقى فى ذاكرة الجمهور.
وهو فى هذا العرض ينطلق خطوة واسعة نحو تقديم مسرح كوميدى راق يعيد إلى الأذهان أمجاد المسرح المصرى.. أما سهر الصايغ فهى بحق فنانة شاملة تجيد الغناء والأداء الحركى والتمثيل بنفس القدر وتمتلك حضورا طاغيا يذكرنا بالعظيمة شويكار ويؤكد وجود أجيال جديدة دارسة ومجتهدة ومبشرة وتدعو إلى التفاؤل فى عودة المسرح الاستعراضى.
وكان إلى جانب سامح وسهر مجموعة من كبار أساتذة التمثيل منهم يوسف إسماعيل فى دور الأمير المتعالى والخال النذل والذى لا يبذل جهدا فى توصيل المعنى بأبسط طريقة وأقل تعبير.. وأيضا الفنانة سوسن ربيع التى انتقلت من الأم الصعيدية فى نوح الحمام إلى سيدة القصور المتعجرفة والتى يثير مجرد ظهورها شبح الفزع لكانديد.
كما شارك القدير عزت زين فى شخصية المعلم المؤدب لكانديد والذى يمثل المثقف الحكيم العارف بجوهر الأشياء ولا يقدر للأسف على فعل شئ .. وتألق من شباب مركز الإبداع الفنى بدار الأوبرا آيات مجدى فى دور الملكة الطيبة لبلاد الذهب والياقوت ومصطفى سامى قائد البلغار القاسى الذى يخفى خلف ملامحه المتجهمة قلبا طيبا وعقلا حكيما وهو من أنقى وأجمل الأصوات الشابة المطربة حاليا ويستحق مساحة أكبر فى المسرح الاستعراضى المصرى.
وأخيرا أمجد الحجار عاصفة الضحك المدوية فى شخصية القرصان الطاغية الذى يلقى فى البحر كل من يخالفه فى الرأى.. وظهر تامر الكاشف وزكريا معروف فى دورى جنديين من جنود البلغار المتشاكسين ولعلهما يحتاجان إلى فرصة أكبر فى عرض آخر يثبتان فيه إمكانياتهما الفنية.. وكذلك الحال مع أشباح الأرض الجرداء من شباب الفنانين.
وفى النهاية يذهب الزبد جفاء وتختفى عروض «السبوبة» من الأذهان وتبقى الأعمال ذات القيمة الفنية العالية لتؤكد أن المسرح المصرى رغم أزماته المتلاحقة لايزال بخير.. واسالوا كانديد المتفائل.
رابط دائم: