رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عيناها..

سامى فريد

هديل اسم جميل .. صوت الحمائم أنت يا هديل.

بملابسك البيضاء حلقت.. رفرفت فوق القاعة حمامة بيضاء ثم حططت عند المنصة وأمسكت الميكروفون..

ستتكلمين يا هديل..

اليوم.. نعم ستتكلمين وسيسمعك كل الحضور داخل القاعة.. سيراك العالم ويسمعك خارج مصر..فى الأقطار الشقيقة.. فى إفريقيا.. سيرددون اسمك وسيعرفون من هى هديل هذه التى وقفت خلف نظارتها الطبية الكبيرة السميكة تتكلم.. تتكلم وتتكلم والكل يسمعونها..

نعم هى تعرف أن رئيس الجمهورية هنا.. نعم هنا يجلس فى أول صفوف الحاضرين يسمعها مثلهم.. بل ربما قبلهم.

وماما؟ سألت نفسها.. لا أرها من هنا.. ولا أقرب من هنا لكنها كانت معى.. أعلم أنها ترانى وتسمعنى وتتابعنى.. هل كان فى عينيها دموع.. نعم ولابد.. هى تحبنى وأنا أحبها.. ستة وعشرون عاما كانت خلالها منحنية فوقى ترعانى وليدة وطفلة معاقة كليلة النظر.. هل بكيت كثيرا يا أمى.. هل عرف أبى أنى معاقة وكليلة النظر.. هل حزن؟.. أنا حزينة أيضا لتلك المفاجأة التى صدمتكما لكن لنترك الآن هذا الكلام.

كنت أتمنى لو كان أبى معك ليرى هذه اللحظة التى أتحدث فيها إلى رئيس الجمهورية ويسمعنى.. أرجوك يا أمى أن تحضرى لى صورة كبيرة له حتى أرى وجهه.. أحس يا أمى ولست أدرى يقينا كيف أنه إنسان فوق كل ما يمكن أن أتصور.. أريد يا أمى أن أراه.. أدقق فى ملامح وجهه لأرى من أين كل هذا الحنان الذى أحسه رغم ما أشعر به من بعد المسافة بينى وبينه لأراه.. أمتار قد ترونها قليلة لكنها عندى أبعد من هذا.. لو كان يقترب أكثر أو كنت أنا أقترب أكثر لأراه.. لكننى أحس به.

سأتكلم ولن أتوقف.. سأقول كل ما عندى.. لا أستطيع أن أمسك أنفاسى التى تريد أن تهرب منى.. هل تعرفين يا أمى.. سأحكى لك كل شيء.. سأحكى عن قلبى الذى كان يضرب داخل صدرى من شدة ما به من الفرحة.. سأصف لك كل هذا.. وأنتِ.. لا تنس يا أمى أن تحكى لى كل ما لم أستطع أن أراه.

أمى.. أحبك.. كونى معى.. أرسلى دعواتك مخلصة إلى السماء لتصف ما أنا فيه من هذه الفرحة التى تكاد تحملنى وتطير.

أمى.. يكاد كلامى أن ينتهى.. هل سمعنى الرئيس؟ كيف كانت نظرته؟ ستصفين لى كل شيء.. لم يبق إلا أن أطلب منه طلبا.. هل سيجيبه؟ أظن.. لم يخب أملى..

لن أتردد.. سأقول.. نعم.

سيادة الرئيس.. أنا لى عندك طلب.. أمنيتى أن تسمع صوتى.. يقولون إن صوتى جميل.. يسموننى أم كلثوم الأطفال.

والمفاجأة يا أمى.. المفاجأة.. سمعت صوت الرئيس يجاوبنى أحس به يبتسم وهو يقول: «وأنا عاوز أسمعك..»

»عاوزة مايك..» قلت.

كان لابد أن أخرج من خلف المنصة.. خطوات قليلة وقصيرة ولكنها كانت كل عمرى بالنسبة لمعاقة مثلى..

وقفت وغنيت..

قلت إننى سأغنى لأم كلثوم مقطعا من «مصر تتحدث عن نفسها».

وقف الخلق ينظرون جميعا

كيف أبنى قواعد المجد وحدى.

غنيت يا أمى.

كان الخوف يمسك بملابسى يشدنى للخلف.. قاومته.. سأكمل أغنيتى.. لابد.. نعم لابد..

وبناة الأهرام كفونى الكلام عند التحدى..

هل سمعنى الرئيس؟.. ستصفين لى يا أمى كيف كان رد الفعل على وجهه وعينيه الطيبتين.. سأكمل..

أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق

ودراته فرائد عقدى.

ثم سمعت ما لم أكن أصدقه ولم أصدقه ولكنى لابد أن أصدقه.. تصفيق لم أتوقعه ولا تصورته.. حملنى ودار بى فوق القاعة..

يصفقون لهديل يا ماما.. يصفقون لهديل.. هل تصدقين هذا؟!.

سأستدير الآن إلى مرافقتى لتعود بى إلى مقعدى..

هكذا انتهى الحلم القصير يا أمى.. الفرحة الغامرة التى ملأت نفسى وقلبى وكيانى كله تتراجع الآن..

لماذا؟.

لأن كل ما له بداية لابد أن تكون له نهاية..

أليست هذه هى الحقيقة يا أمى.

ثم سمعت الصوت.

نعم.. هو صوت الرئيس أعرفه.. أحس به.. بكل كيانى أحس به.. سمعته كثيرا فسكننى.

نعم إنه الرئيس يقول للمرافقة بكل عطف وأدب «عنك إنت».. ما معنى هذا؟.. هل هو ما لم أحلم به ولم أتوقعه.. هل سيعود بى الرئيس بنفسه إلى مقعدي؟ هل ترك مكانه بين كل المدعوين ليأتى إلى عندى فوق خشبة المسرح ليعود بى.

قال.. أو هكذا كان يقينى.. قال «أمسكى ذراعى».. تعلقت بذراعه.. نعم بذراعه وسرت معه.. لا.. بل سار هو معى على إيقاع خطواتى المتعثرة البطيئة.. كان يربت فوق أصابع كفى الثانى عندما تعثرت.. هبطنا الدرجات القليلة.. لم أكن أن أريد أن ينتهى هذا المشوار القصير إلى مقعدى مطلقا.

هل أنا طماعة؟.. لكنه الحلم.. كنت أريد أن أظل متعلقة بذراعه.. هنا الأمان يا أمى.. كنت أريد أن أمشى متعلقة بذراعه من أسوان فى جنوب البلاد إلى رشيد فى أقصى الشمال.

مستحيل طبعا أعرف.. لكنه الحلم عندما ينطلق فيتصور كل شيء ممكنا..

تقدمت المرافقة لتتسلمنى منه.. الفرحة على وجهى أعلم.. كنت أحس أننى أبتسم.. نعم أبتسم وأكاد أضحك.. لابد أن عيونى كانت تلمع.. قالت المرافقة إن الرئيس لم يتركنى ويعود إلى مكانه.. كان مازال واقفا يصفق لى..

الآن تذكرت كلمته لى ونحن نهبط الدرجات القليلة.. قال: «اسمك حلو يا هديل.. وصوتك كمان حلو.. أنا سعيد بكِ..»

ما أجمل ما سمعت.. ما أجمل كل شيء.. الدنيا الآن غير الدنيا التى أعرفها.. أتمنى أن أراه مرة ثانية.. والصواب أن أقول أن أسمع صوته فأنا كليلة النظر..

الصورة يا أمى وعدسة مكبرة لأدقق فى هذه الملامح الطيبة للوجه الطيب.

أمى.. ستحكين لى كل شىء.. سنسهر معا تتكلمين وأنا أسمع.. وربما تعيدين لى رواية كل شيء مرة ثانية..

ولست أريد لهذه السعادة أن تنتهى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق