رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

التركى حامل الرأس

أحمد محمد جلبى

يقبع فى إحدى الغرف، معروضاً وقد ارتدى زيه الحربى العتيد، الفارس من القرون البعيدة الماضية.. زيه هو ما لفت نظرى أول الامر، تخيلته وقد دبت فيه الروح، يتجول وسط القلعة وفى طرف رمحه الظافر شارة تدل على فرقته الحربية، ما معنى البطاقة الدالة على عصره، هو لم يكن حقيقياً فى يوم من الأيام، تمثال شمعى قصد به إعمال خيال الزوار لكنه رغم ذلك، كان به شىء حقيقيّ، تلك اليد القابضة على عنق الرمح، تلك النظرة الشرسة الفتية، ذلك الصدر المنفوخ بالهواء تحيط به دوائر الحديد وساعده المتين وقد تعلق الدرع بقصبته، أدركت ان شاكلته تلك لم تتكون فى عقل النحات من الكتب وحسب لابد لخيال من قضمة صدق، اين تراه رأى ذلك.. فى اليقظة ورحل العقل خلف سرد الكلمات ووصف حكاء القلعه لهيئة فرسان المنصور الأشرف، فى كابوس الخوف الجاثم على قلبه حين تفوه بعبارات الشتم، للجالس على كرسى ولايه الصدر الأعظم وقناديل الدرك تدكٌ الأبواب، بحثاً عن هـارب من عدل البيك، قلت: من نحت التمثال الواقف بالبهو العثمانى يمثل حرس السلطان او الوالى؟.

اجاب المرشد السياحى المصاحب لي: تسأل عن فنان التمثال!!، هى أعمال بلا أسماء صانعيها، الواقع أنها تعود لأكثر من قرن، حين اهتمت الدولة بتزيين القاعات وإحياء اماكن التاريخ، كان يردد محفوظات، الهُ تسجيل كالتمثال، لن يزيد على عموميات الشكل قطره علم.. هوالآخر احفوره، خازن اسرار التاريخ، انسحبت بهدوء من جلبة شروحه وتمثلت خطوات التراجع حتى انتهى بى البهو الى زنزانة، كبل الحديد ساق تمثال المحكوم عليه، كانت قضيته أن شرع فى فك زمام الخيل المجلوبة لفرسان الجبل، بقصد السرقة!!.

أو كان يحاول ان يسترد ما سلبه النهابة فى غارتهم الأخيرة على أولاد الناس، وربما كان يفر من قطعان الجلبان وما اكثرهم فى ذلك العصر..، وكل عصر؛ الزمن لم يخف خدوش التمثال وآثار التعذيب، اخاديد طويلة كالحة على الفخذ والوجه والصـدر، أيعقل حقاً أن يعيّ المثال رنة الألم فى مكان كهذا، ويعود بإحساسه لدار فنى سكانها بكل جبروتهم وطغيانهم وضحاياهم!.

قدرة العقل غير المفسرة على إدراك ما لا يدركه الوعى، وكأنه رأى تأثرى بالمشهد، أسـرع يقول بتمعن: لا تصدق، إنْ هو الا خيال فنان أراد التأثير على الزائرين، حسناً، اجدك أميـل إلى تصديق ما تـراه، تجاهل اذن، انت هنا للفسحة تزور مكاناً وترحل بخيالك فى الماضى لترى كيف كانوا يعيشون، انظر إلى طراز العمارة ونافورة القاعة وكرسى العرش والدروع العملاقة...؛ كانت زنزانة رطبة، اصطف عشرات المعتقلين على الجانبين، أخرجوهم من الزنازين ليوقفوهم فى الممر، حيث تشاهدهم بعثه الموفوضية، السياسة تلعب دورها فى أحيان، فأنا أول «سورى» عضو فى منظمة دولية تسمح لها سلطات الاحتلال الصهيونية بزيارة المعتقلين منذ انتفاضة الحجارة...

دائـرة من الأضواء الكـاشفة، ترصد تحـركـاتى ضمن الوفد، شعور قـاتل بالرقابة، صدحت لهـجتى الشامية فى الأروقة تحت الأرض، أصـررت على الحديث بالعربية، وشـكلت فى اللهجات مـرة مصـرى ومرة عراقى (عراكى ) ومرة خليجى نكاية فى الجنرال «عمنشتاخ» الذى اصر أن يتحدث افـراد المفوضية بالانجليزية قال لى إيصارى كمال بلهجة أبناء الأسكندرونة: كف يا عبدالقادر.. لقد تعبنا كثيراً جداً لنحصل على هذا الإذن بتفقد السجناء..

هكذا أنتم يا عرب لا تفكرون فى غير الاستفـزاز، لم أجبه كانت حماستى وصوتى قد أشعلت فى صدورهم ومضة انتفاضة المقهور، تحدى الظالم المستبد، شعرت أن جموع الحرس قد بدأوا فى تشديد قبضاتهم على أسلحتهم، ارتفعت الأصوات، ولم تكن أصوات شكوى، لم تكن لحظة ضعف واستجداء..

جئناكم لنسمع شكواكم، هل يعذبونكم، هل.. كانوا يهتفون بأقوى قدرة على التحدى، أصبح إدخالهم الزنازين مرة اخرى فى غاية البشاعة... صورنا ذلك وانتزعوا منا الأقلام والساعات والهواتف، انتزعونا من وسطـهم مـن هتافات الثورة واللعنات على إسرئيل: ماذا تريدون.. ألا أحدثهم الا من خلال مترجم..؟ أصر رئيس البعثة على ألا اذكر ذلك فى تقريرى فى مقابل ألا يوجه لى الـلوم.. وعـلمت ان العضو التركى إيصارى قد تمسك بإتمام الزياره دون إستبعادى من الفريق وهدد الإسرائيليين بالعديد من العواقب الاعلامية، حملت عدداً من الجرائد والمجلات العربية لإعطائها للمعتقلين، كنت اعـلم انه بانتهاء الزيارة سوف يجمعونها، كنت اعلم ايضاً انها سوف تقرأ وتحفظ فى ذاكرة اولُ متلقـ وسيعلمون الآن ما تغير فى الدنيا فقد مات الملك وجاء السفاح الى السلطة وهبط الماغول الى بغـداد..؟.

وأطلّ من داخل ثنايا الأسوار عـدة اطـفال «بين السنتين والخمس» وراح التركى يسأل مشرفة المعتقلات عن كيف تحتمـل سجـن رضيعة..؟.

كان يؤدى عمله بمهنية، أحسده، ظلت صورة إطلالات الأوجه من خلف الحواجز والمتاريس وقبضـات الصهاينة تـزورنى فى كل الأوقـات مثلها مثل أوجه تماثيل الشمع، الفرق فقط أن أماكنهم الآن لم تصبح تاريخيهً بعد، تكرار للماضى الحاضر فى كل الأوقـات الصعبة، تلك المرأة الحامل حملتنى رسالة لذويها فى ( رام الله ) لم اعرف كيف أوصلـها، فقد رفضت السلطات المحتلة السماح لنا بتخطى الأرض الى الضفة، وقال لى التركى ألا أصر وأن المهم هو الحصول على قوائم بأسماء المعتقلين الذين فى حوزة إسرائيل التى ترفض إعطاءنا إياها كاملة، أجبته ساخطاً: كأن الجدل غاية وليس ايجاد الحلول، اسمع منى (ولاك) سأحل مشكله القوائم الناقصة مع الاحتلال وأنت تحمل الرسالة لأهل السيده الحامل.

لم يكن من العسيرعليّ الوصول الى القبوة تحت القـلعة؟

هنا.. كان يمارس استنطاق المملوك العاصى لأمر الـوالى بأمر وخـبر المتآمرين على حكمه، كانت رائحة المكان مقبولة بعطنها؛ راح يشرح لى كيف أن مياه الآبار كانت تغمر جدران الغرف الضيقة، فكان الواحـد يكبل من ذراعيه ويعلق فى السقف لمدة، حتى يُنهك جسده وتنهش المياه الحامضة نصفه السفلى، عندها، وصمت المرشد السياحى فقد كان كلانا يعرف تتمة كلام السادة..

مازال الحارس الشمعى يقلب فى وجهى نظرة أحسده،الآن هو جزءٌ من ديكور اللحظة، لا يقهر أحداً لينال مال السلطان ويأمن غضبهُ، تخطى التركى الأعراف الدبلوماسية فكونه موظفا دوليا لا يعطيه الحق فى كسر بروتوكولات اللعبة لـكنه أفلح وجاء الدور على، لم أهدأ حتـى حصلت بعثتنا على قوائم أسماء المعتـقلين كاملة،أسماء نساء ورجال واطفال،اكثر من خـمسين ألفاً منذ التسعـين وحتى الآن؛ كانت ترفض لتعذب عائلاتهم بهم، ليظـلوا جاهلين بمصيرهم اموات ام احياء، كان رئيس البعثـة أوروبـيا حذرا جداً، لم يتعود على سخونة أجوائنا ودمائنا، نعم انه عيب فى التركيبة ولست اجزم بأصل العيب فينا، تركته يتحادث فى الخارجية المصرية وجامعة الدول العربية، عن إنجازات الزيارة.

مشوار الصباح قصير، أفضى بى الى جامع السلطان حسن، أخبرنى حين رأيته أنه آت لتوه من عمان قصد الفندق وعرف أين أقضى فـترة الإجازة الإجبارية بادرتهُ: هل وصل المكتوب لأهل المعتقلة؟

تهرب: لا..؛ حتـى تخبرنى كيف انتزعت قوائمنا بأسماء كاملة وتفصيلية، فالآمر بينك وبين رئيس المفوضية لا يعلمه باقى الأفراد..؟

همست: هددت مندوب اللجنة الدولية أنى فى المؤتمر الصحفى سوف أعـلن ان الأسماء المفقودة والمغفلة وجدت أصحابها مقـتولين فى سجون الاحتلال وأن لدى قائمة بأسماء القتلة فـرداً فـرداً عسكريين وسياسيين فسلمونا أسماء المعتقلين وحالاتهم وأين هم وتحققنا من ذلك، صفق إيصارى بيده: عمل رائع.

استحثهُ: وأنت..؟

ـ: لا، لا طائل، قلت لك من قبـل إنهـا حالات الحرب، فالعربيـدة كانت ترقص عـارية أمام هيرود رشـق رصاصها رجال الأسـرة وأحرق القرية وجزت رأس الأب، أخبرها يا عبدالقادر.. ان استطعت.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق