على أرض مصر بدأت اولى حضارات البشرية التى علمت ولا زالت تعلّم العالم، حيث يتم التطور والتطوير فى جميع المجالات من خلال ما تتوارثه الأجيال، وفى مجال الكتابة والخطوط على الأخص؛ اعتمدت الحضارات المتعاقبة على أصوله التى سُجلت على الخامات المتعددة التى احتوتها العديد من آثار العالم الموجودة بالمتاحف المفتوحة والمشيّدة؛ المتمثلة فى جدران المعابد والمساجد والأعمدة والتوابيت والبرديات وغيرها.
ويلجأ الفنان أحيانا الى السعى نحو التميّز فى أسلوبه باستخدام أكثر من دور فى تشكيل الحروف داخل العمل الواحد لتتسع دائرته ويرتبط إبداع كل فنان بثقافته واطّلاعه الموسوعى والمعرفى.
وهذه المقدّمة مدخل لقراءة أعمال الفنان الرائد فى مجال الخط العربى والذى ولد منذ 122 عاما وفى هذا الشهر الذى ولدت فيه جريدة الأهرام منذ 144 عاما، وتوفى عن عمر يناهز ال 96 عاما وساهم فى ابداع أعمال متميزة متنوعة تشير الى مواهب أصيلة تأثّرت وأثْرت وأثّرت فى الثقافة والفن.. إنه الفنان الخطاط سيد ابراهيم الذى يعتبرواحدا من أساطين الخط، هو بمثابة مدرسة راسخة ممتدة، تتلمذ على يديه فنانو الأجيال التالية وحتى الآن من مشاهير الخط العربى فى مصر والوطن العربى والإسلامى، بل والعالم أجمع.. وسيظل..
اشتهر سيد ابراهيم بلقب عميد الخط العربى وهو أحد ألقابه التى أطلقها عليه تلاميذه وفاء لما قدّمه رائدا فى هذا المجال معلّما للأجيال وشاعرا ينظم الشعر ويكتبه فى لوحات خطيّة خلّدت اسمه كما يقول نقيب الخطاطين الفنان خضير البورسعيدى ويضيف: «هو واحد من روّاد الخط العربى، خاض بفنه كافة المطبوعات المتنوعة آنذاك، كشعارات وعناوين فى الصحافة والكتب الثقافية ومناهج تعليم الخط فى مؤسسات التعليم كتابة وتدريسا»، ولأنه أحد أعلامه وعلاماته البارزة؛ كرّمته وزارة الثقافة المصرية عام 1996وأقامت له معرضا خاصا فى دار الأوبرا المصرية كما أقرنت اسمه بالدورة الرابعة لملتقى القاهرة الدولى لفن الخط العربى التى أقيمت أيضا بدار الأوبرا عام 2018 بالتعاون مع النقابة العامة للخط العربى، كما لُقّب بشاعر الخط العربى وأميرُه على لسان شاعرنا الكبير فاروق شوشة.
وتلتقط أنامل الطفل سيد إبراهيم قطعا من صفائح (ألواح) حجر الإردواز الجرانيتى لينقش عليها حروفا تشُدّ انتباه شيخ الكُتَّاب الذى التحق به وقتها لحفظ القرآن الكريم ليُوَجّههُ الى الاهتمام بالخط، من هنا جاء اهتمام الغلام بكتابات وزخارف مساجد وآثار الحى لتجذبه منها كتابات وخطوط العديد من الخطاطين ويأتى فى مقدمتهم الفنان المصرى محمد مؤنس زادة، وكان مهتما بمحاكاة أعماله المنقوشة منها والمطبوعة.. وكما فعل هؤلاء الأساتذة من اهتمام بنبوغه؛ كان يدفع تلاميذه الموهوبين بمزيد من الجهد والاهتمام فقد شجّعه أستاذه السورى ومكتشفه الشيخ كمال الدين القاوقجى المدرس بالأزهر على دراسة اللغة، كما يقول الباحث د.محمد حسن.
تعدّدت دور العلم التى درّس بها سيد ابراهيم الخط؛ فى المدارس المصرية منذ عام 1918 ومدرسة الخطوط الملكية (التى أصبحت مدرسة تحسين الخطوط فيما بعد) وذلك منذ عام 1935 ولمدة 30 عاما، وظل يدرّس فى كلية دار العلوم 21 سنة حتى عام 1959 والتى تخرّج فيها مشاهير رجال العلم والثقافة فى مصر والوطن العربى منهم: د. عبدالصبور شاهين ود. كمال بشر ود. أحمد هيكل وزير الثقافة المصرى الأسبق ود. عبدالعزيز خويطر وزير الدولة السعودى.
كما كتب شعارات العديد من الجرائد العربية مثل «الجهاد» و»فلسطين» والحجاز» و»البحرين» وعلى رأسها جريدة «الأهرام» كما كتب لافتات مشاهير الفن والموسيقي: محمد عبدالوهاب وأم كلثوم والشيخ سلامة حجازى وغيرهم.
حصل فناننا الخطاط سيد ابرهيم فى حياته على العديد من التكريمات باختياره عضوا فى لجان منها لجنة الفنون التشكيلية بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب ورئيسا للجنة جوائز الدولة التشجيعية فى الخط العربى، كما كُرّم بشهادة الجدارة من الرئيس السادات كرائد من روّاد التعليم فى مصر، وذلك عام 1979 بعد اعتزاله تدريس الخط بعام واحد إثر جراحة أجراها فى عينيه، ورحل عام 1994.
رابط دائم: