رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

رحلة التنقيب عن الرزق فى صناديق «القمامة»

تحقيق ــ أحمد عامر عبدالله

مع الآذان الأول للفجر، يستيقظ الفتى محمود، يضع رأسه أسفل حنفية المياه، وبكفه الصغيرة يفرك وجهه وعينيه كى يفيق، ويهرول نحو «التروسيكل» وخرير المياه ينساب من شعره حتى يبلل النصف العلوى من جسده، وبعد أن يجهز نفسه فى وضع القيادة يقول جملة كل صباح «رزقنا عليك يا رب»، ثم ينطلق.«تحقيقات الأهرام» رافقت عددا من الشباب فى رحلة التنقيب عن الرزق فى صناديق الزبالة، منذ بدايتها قبل طلوع الشمس، وحتى نهايتها عند أحد التجار تسلم حصيلة «اليوم» واستلام المقابل المادى لها.

كان العامل المشترك بينى وبين الفتى محمود هو البحث عن الرزق، فأنا أبحث عن «رزق» صحفى، وهو يبحث عن رزق مادى يقتات منه هو وأسرته، وهذا ما دعانا معا للاستيقاظ فجرا، لنتقابل عند صندوق «الزبالة» على ناصية أحد شوارع مدينة السادس من أكتوبر.

لفت انتباهى صغر سنه، ومهاراته الفائقة فى تقليب الصندوق كله والتقاط «البلاستيك» والكرتون منه ووضعهما فى «التروسيكل» الخاص به، وقبل أن ينطلق قاصدا صندوقا آخر، اعترضت طريقه، وعرفته بنفسى، وبعد جدال وشد وجذب، وافق على اصطحابى معه فى رحلته اليومية.

  • رحلة التنقيب

فى طريقنا للتنقيب عن الرزق فى صندوق آخر حكى لى محمود عبدالحى قصته قائلا: عندى 17 سنة، ومدخلتش مدارس، لأنى من زمان كنت بسرح مع أبويا على نفس التروسيكل ده، ولما أبويا تعب بسبب المرض، أنا بنزل الشغل لوحدى، بعدى كل يوم على نفس الصناديق، سألته، بتجمع كام كيلو فى اليوم، قال: حسب تساهيل ربنا، فى يوم بجمع 40 كيلو كرتون، و20 أو 30 كيلو بلاستك، وعن سعر الكيلو قال: البلاستيك بـ 4 جنيه، وكيلو الكرتون بـ 2 جنيه ونص، وعن حبه لهذا العمل قال محمود: «معرفش اشتغل حاجة غيرها، وهى شغلانة دخلها يومى ومضمونة، وكل يوم بجيب طلبات البيت والحمد لله».

أما الشاب الثلاثينى سيد عبدالحميد الذى استقر به الحال بمدينة السادس من أكتوبر بعد تركه لمحافظتة بنى سويف بحثا عن الرزق فقال: أعمل غفيرا مقابل 400 جنيه شهريا، ومعى 4 ابناء، لذلك أقوم قبل أذان الفجر لأجمع الكراتين وبيعها لأحد المصانع، ويوميا أجمع من 30 إلى 50 كيلوا، وسعر الكيلو بين 2 ونص و3 جنيه، وهذا المبلغ اليومى يساعد فى توفير طلبات البيت.

ويمتلك سيد «دراجة» بها حامل خلفى عريض قام بتصميمه خصيصا ليضع فوقه الكراتين بطريقة منظمة، حتى يستطيع توصيلها إلى المصنع الذى يتعامل معه بسلام.

  • السودانيون يرزقون أيضا

بعد الأحداث الأخيرة التى تشهدها دولة السودان، دخل مصر أعداد كثيرة من الشباب هربا من الأوضاع هناك، ولأن مهنة التنقيب عن الكرتون والبلاستيك يمكن أن يطلق عليها »مهنة من لا مهنة له«، بدأ عدد كبير من الشباب السودانيين يعملون فيها.

وفى أحدى شوارع الحى الثامن التقينا الشاب الأربعينى عبدالجبار أبوبكر الموجود فى مصر منذ 5 أشهر الذى قال: تركت السودان هربا من المشكلات المتزايدة، ومنذ أتيت مصر قدمت أوراقى فى مفوضية اللاجئين، وإلى الآن لم ينظر فى طلبى، وحتى أوفر الأكل بدأت أعمل فى جمع الكرتون والبلاستيك، واسلمها لتاجر قريب من هنا، يأخذ منى كليو البلاستيك بثلاثة جنيهات ونصف، والكرتون بجنيهين، واجمع فى اليوم نحو 30 كيلو كرتون، و 5 كيلو بلاستيك.

ولفت انتباهنا أن عبدالجبار لأ يمتلك «توريسكلا» مثل المصريين، ولكن المشى هو وسيلته الوحيدة، ويحمل «شوالين» على كتفيه لمسافات بعيدة فى رحلة التنقيب عن الرزق الحلال.

وفى أثناء حديثنا مع عبدالجبار ظهر الشاب السودانى أيضا محمد عمر الشهير بـ"محمد السودانى"، وقال إنه موجود فى القاهرة منذ عام 2013، وبعد فى مهنة التنقيب عن الكرتون والبلاستيك منذ أتى إلى القاهرة، وهو من عرف عبدالجبار طريقة الفرز وعرفه أيضا على التجار الذين يشترون الكرتون والبلاستيك، ثم يقومون ببيعها للشركات فى منطقة المصانع.

ولا تختلف قصة الشاب المهدى عمر عن سابقيه، فهو يقضى نصف يومه فى التنقيب عن الكرتون والبلاستيك لكى يضمن توفير وجبات الطعام اليومية، إلا أنه يطالب مفوضية اللاجئين بسرعة قبول أوراقهم والتكفل بشئونهم المعيشية والعلاجية.

  • «كله بالميزان»

فى أحد الأسواق التجارية بالحى السابع فى مدينة أكتوبر، يوجد مقر لأحد تجار الكرتون والبلاستك، وهو فى الغالب يأتى إليه فى الساعة 11 صباحا، ليجد أكواما من «الاجولة» أمامه تكاد تسد الشارع، وقال لنا عبدالكريم مصطفى الشهير بـ«الحاج عبدالكريم»: «كل حاجة بالميزان، وكل واحد بياخد حقه فورى»، وعن تحديد السعر قال: مش أنا اللى بحدد السعر، المصانع التى تأخد الشغل هى التى تقوم بتحديد سعر كيلو الكرتون والبلاستك، وهو يتراوح ما بين 2 الى 3 جنيه للكرتون، وما بين 4 إلى 5 جنيه للبلاستيك، ونحن كتجار تجزئة نحصل على هامش ربح بسيط فى الكيلو.

وأضاف قائلا: أقوم بتجميع الكرتون والبلاستيك فى مخزن كبير لمدة أسبوع، وبعد الفرز الجيد، نقوم بتحميل الكميات على سيارات وإرسالها للمصنع الذى نتعاقد معه، والتى تقوم بإعادة تدويرها مرة أخرى بعد تعقيمها، وصناعة أشكال مختلفة من الكرتون والبلاستيك. 

وعن عمل الشباب السودانيين قال: فى الفترة الاخيرة زاد الشباب السودانيون عندى فى المحل، لأنهم بيعرفوا بعض، ويرغبون فى أكل العيش، ونعاملهم مثل الشباب المصريين ويكفيهم ما يحدث فى بلادهم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق