رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

البلد الأمين فى ذاكرة المبدعين

صبرى الموجى

كيف رأى طه حسين والعقاد والمازنى وغيرهم الحج، وماذا كتبوا عنه؟ وكم تاقت نفوسهم للطواف والتضرع إلى الله تعالى فى بيته الحرام؟.. هذه مقتطفات من خلجات نفوسهم اقتطعناها من كتاباتهم، ورحلاتهم إلى الكعبة المشرفة، التى لم تكن رحلاتهم إليها رحلة أبدان وحسب، بل هى رحلة أكباد تتلظي، وقلوب تنفطر، وأفئدة تحترق شوقا إلى بيت الله الحرام.

عن رؤية هؤلاء لهذا الركن العظيم من أركان الإسلام، وتلك الشعيرة التى تهز الوجدان، وتغسل الأرواح، وتطهر الأبدان ويعود منها الحاج متجردا من ذنوبه كيوم ولدته أمه تتحدث تلك السطور.

رحلاتٌ وأشجان

فى نصوصٍ خالدة تتعتقُ كما يتعتق العطرُ فى قارورته، سطر العديدُ من الأعلام ممن شاركوا فى تلك الرحلة الإيمانية، وحطت رحالُهم فى أرض المعجزات، ومنازل الوحى، ومراقدِ الأحبة «محمد وصحبه» كُتبا ومقالات تزداد نفاستها مع توالى الحقب وتتابع الدهور، فتفوح بأسمى المعانى وأعظم العبر، حيث يذكر الكاتب محمد عبد الشافى القوصى فى كتابه «رحلات الأعلام إلى البلد الحرام» العديدَ من رحلات المشاهير، مثل رحلة الخديو عباس حلمى الثانى المُسماة بـ«الرحلة الحجازية»، والرحلة الذهبية لسلطان مالى منسى موسى، ورحلة المؤرخ خير الدين الزركلى المسماة «ما رأيت وما سمعت» ورحلة عبد الوهاب عزام، و«رحلة الحجاز» للأديب العملاق المازنى، ورحلة شيخ الأزهر عبد الحليم محمود، ورحلة القاص يوسف إدريس والتى دونها فى كتابه « إسلام بلا ضفاف» ورحلة الصحفى أحمد بهجت المسماة «الوقوع فى هوى الكعبة» بالإضافة إلى رحلة المفكر الألمانى مراد هوفمان المسماة «الطريق إلى مكة» ولم يفُت المرأة أن تشارك فى تلك الرحلة المباركة وتُدون أحداثها، فهاهى بنت الشاطئ تُمتع القارئ برحلتها المسماة «أرض المعجزات».

واللافت أن هناك قاسما مشتركا بين هؤلاء «الحجاج» من الأدباء والمفكرين، فرغم اختلاف أوطانهم وثقافاتهم، فإن مذكراتهم كشفت عن جانب الضعف البشرى المكنون داخلهم، فلا عجب أن نرى من أجهش بالبكاء عند رؤيته البيت العتيق، ومنهم من خارت قواه، وجثا على ركبتيه بمجرد رؤيته الكعبة المشرفة، ومنهم من أصرَّ على أن يُقيم داخل الكعبة بمتاعه ولا يبرحُها! ومنهم من قرر عدم العودة إلى وطنه مرة أخرى، ومنهم من صحح مسيرته الفكرية بعد عودته، وصار جنديا من جنود الإسلام.

ويُعتبر الأديب اللامع والسياسى المُحنك شكيب أرسلان «1869- 1946» واحدًا من كبار المفكرين ودعاة الوحدة الإسلامية الذين ملأ الشوقُ قلوبهم لأداء فريضة الحج، فخرج إليها مُتكبدا كثيرا من المشاق، حيث كان يعيشُ فى سويسرا، واتجه إلى إيطاليا ثم إلى بور سعيد، فالسويس، ومنها إلى البحر الأحمر ليصل إلى جدة، ومنها إلى مكة.

وفى كتابه «الارتسامات اللطاف إلى أقدس مطاف»

عبّرَ عن مُشاهداته فى تلك الرحلة بأسلوب أدبى بديع جذاب، فاستخدم كلماتٍ وعبارات مُنتقاة بعناية فائقة، ترسمُ خواطره ومشاهداته فى أشكال وقوالب فنية فريدة من نوعها، حيث اعتنى بمختلف الأمور وأدق التفاصيل، فاستشهد لكل موقف بما يناسبه من وصف أدبى أو تاريخى أو جغرافى، وحيث إنه يكفى من القلادة ما أحاط بالعُنق، نذكر روعة أسلوبه واتساع ثقافته بما قال فى مقدمة كتابه: «وبعدُ فقد مضتْ على حججٌ كثيرة، وأنا أهم بأداء فريضة الحج، والعوائقُ تعوق، والموانع من حولٍ إلى حولٍ تحول، إلى أن يسر الله بلطفه وحسن توفيقه على بأداء هذا الفرض».

ومن المعروفُ عن الدكتور «محمد حسين هيكل» أنه بدأ حياته كاتب قصة، وختمها كاتب قصة أيضا، فكانت قصةُ «زينب» أول أعماله، وآخرها «هكذا خُلقت»، وقد ساعده هذا على أن يقتحم ميدان السيِّر التاريخية، والكتابات الإسلامية التى جمعت بين عقل المؤرخ وروح الأديب، فصاغ ذلك العملاقُ رحلته إلى الحجاز ليرى آثار الرسول، ويسيرَ حيث سار مُلتمسا ما فى حياته من أسوة وعبرة، وقد سجل ذلك فى كتابه الضخم الفخم «فى منزل الوحى»، الذى امتاز فيه أسلُوبه بجمال الوصف وروعة التعبير، فصور رحلته تصويرا دقيقا متناولا الجزئيات والتفصيلات والوقفات التى وقفها فى بلاد الوحى ومنزله، مُستوحيا فيها مواقف الرسول الأعظم، فجاء كتابه يجمع إلى جانب الوصف الحى نوعا آخر من الوصف الأدبى والذى يمكن تسميته بـ«الوصف الروحي»، وهو قريبٌ من أوصاف الصوفية وتخيلاتهم لمنازل الوحى وأماكن النبوة، حيث وصف مكة وغار حراء، وغار ثور، والكعبة ومقام إبراهيم، وغيرها الكثير، وكان فى كل ما وصف فنانا يرسم بقلمه صورة رائعة لكل ما شاهد ورأى.

رحلة المازنى

كان الأديب الفذ «المازنى» ممن شرفوا بالحج وزيارة البقاع المقدسة، وقد سجل رحلته فى كتابه «رحلة الحجاز»، والذى تضمن عددا من التساؤلات الحائرة والتى تحمل فى طياتها همَّا عربيا وإسلاميا، خاصة أن رحلته كانت قبيل الاحتفال بمبايعة الملك عبد العزيز ملكا على الحجاز ونجد، فانبرى يطرح أسئلة منها: ماذا يُرجى لهذه الأمة العربية التى ستشهد بعد أيام احتفالها بمبايعة ملكها؟ هل تكُر على العالم بنهضة جديدة؟ وهل فى وسعها أن تشق طريقها إلى منزلة من منازل الحياة العزيزة؟ وغيرها من الأسئلة التى تُظهر الكاتب وقد خيمت عليه سحابةٌ كثيفة من الحزن والألم، فيتلعثم فى الإجابة، ثم يعود ليتساءل مرة أخرى: إن هذه الأمة تُغالب طبيعة بلادها الماحلة، وتصارعُ أهوال الصحراء، فلم لا تستطيعُ أن تكافح المصاعب التى تحفُها بها الأهواء العارضة؟

وتكشف تلك التساؤلات أنه كان للمازنى عيون مجهرية! تُمكنه من أن يرى ما لا يراه الآخرون، وآذانٌ رادارية يسمع بها ما لا يسمع غيرُه، فتراه يُبدع عندما يصف بئر زمزم بمكة المكرمة فيقول: «إن أول ما رأت عيناى على فم البئر«بئر زمزم» سور عالٍ من الحديد أقامته الحكومة؛ لأن بعض الحجاج يحلو لهم أن يُلقوا بأنفسهم فى البئر ليغرقوا ويموتوا شهداء على ظنهم!ثم يبرز أسلوب المازنى الساخر حينما يقول: «ورأيتُ وادى فاطمة، وهو وادٍ - كما هو ظاهر بالبداهة - ولكنه غير ذى زرعٍ كثير، فيه نخيلٌ وأعناب، وفيه موز وباذنجان وطماطم وليمون وملوخية وبامية».

رحلة مشدوه

لم يُسجل العقاد رحلته الحجازية فى كتاب مُستقل أسوة بأقرانه؛ لأنه لم يكن مُولعا بالحكى والسرد، بل دونها فى مقالات عدة بمؤلفاته خاصة «اليوميات» حيث سجل فيها المواقف التى استرعته خلال رحلته إلى الحج، فتارة نجده يحدثُنا عن وعثاء السفر، ومشقةِ الرحلة، وتارة يروى أحاديثه مع رفقائه وكيف أنه طلب منهم أن يصعد جبل النور، ويدخل غار حراء، ويجلس فى المكان الذى اجتمع فيه أمين الوحى «جبريل» مع الصادق المصدوق «محمدٍ»، حينما قال له «اقرأ».

كما كان طه حسين ممن شرفوا بتلك الرحلة أيضا، وعبر عن سعادته بها بقوله: «لقد تركتْ زيارتى للحجاز آثارا قوية رائعة فى نفسى، لا يمكن أن تُصوَرَ فى حديث أو أحاديث، وحسبُك أنها الموطن الذى أشرق منه نورُ الإسلام، ونشأت فيه الحضارة العربية الإسلامية، وما أعرف قُطرا من أقطار الأرض أثَّر فى عقول الناس وقلوبهم وأذواقهم كما أثرت هذه البلاد .

إمام الدعاة حاجا

وفى كتابه «الحج المبرور» يتساءل إمام الدعاة الشيخ الشعراوى:عندما تدخل بيت الله الحرام وتطوف حوله تجد الدموعَ تملأ عينيك.. لماذا؟ ثم يجيب بقوله: الناس لا يعرفون لهذا سببا، فالبكاء فى هذا المشهد تعبيرٌ عن ترك الكبرياء الذى طالما صاحبك، وعلى قدر ما تذرفُ من دموع، على قدر ما يذهب عنك من كبرياء، وإذا كان البكاءُ مظهرا من مظاهر الضعف والحزن، فإنه فى الحج ليس كذلك، إنه إحساس بالخضوع والعبودية لله.

بينما يكشف القاصُ الشهير يوسف إدريس فى كتابه «إسلام بلا ضفاف» كيف أنه شعر فى هذا المكان الذى هو روضة من رياض الجنة بحلاوة الإيمان، وأحس بالأمان والاطمئنان، فراح يتذكر إخوانه وأهله، ويدعو لهم، كما أبدع فى وصف مشهد الطواف، حيث يجتمع المسلمون من شتى الأجناس ومختلف الألسنة، كما وصف الروضة كاشفا تدافع الزائرين من أجل إلقاء التحية على صاحب تلك الروضة المعصوم «صلى الله عليه وسلم».

عبرات لا تنقطع

ظل الكاتب الصحفى عبد الوهاب مطاوع حتى وافته المنية يجهش بالبكاء كلما عاوده الحنين إلى البيت الحرام، وكلما استرجع شريط ذكرياته الجميلة التى عاشها فى أقدس البقاع وأطهرها، كما عاش تلك الحالة أيضا الكاتب الإسلامى أحمد بهجت، وكذلك بنتُ الشاطئ، ولم يفت الشعراء بدءا من أميرهم شوقى أن يكونوا ضمن موكب المُلبين من الحجيج، حيث شرف الكثيرُ منهم بتلك الرحلة المباركة وأنشدوا خلالها قصائد خلدها لهم التاريخ، وتغنت بها الركبان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق