رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة يكتبه: أحـمــد البـــرى..
الانهيار البطىء

بريد الجمعة

أنا سيدة نشأت فى أسرة مفككة لأب يعمل مديرا ماليا بالمحافظة التى نقطن بها، وله عمل إضافى آخر فى الفترة المسائية لكى يوفر لنا حياة أفضل، وننتقل إلى مسكن آخر أرقى، وتربيت على الحرمان، فكلما طلبت شيئا يقولون لى: «لما نروح الشقة الجديدة»، وكانت أمى دائمة الشجار مع أبى لأتفه الأسباب، وبصراحة لم أحبها، وكم تمنيت ألا تكون أمى، وقد طلقها أبى مرتين، ثم أعادها إلى عصمته من أجلنا، وربما تتصور أننى غليظة القلب، لكن دافعى إلى كرهها أننى لم أشعر يوما بحنانها، ولم أذق حنانها، ولم تتفهم أبدا احتياجاتى، ونتيجة لهذه الحالة من التفكك صار كل منا فى واد، أخى وأمى وأبى، وأنا وأختى، وربما كان الجانب اللين الوحيد بالنسبة لى هو أبى، ولكن لفترات متغيرة، إذ كانت تنتابه العصبية أحيانا، فيضربنى، ثم يحتوينى من جديد.

ومرت الأيام واجتهدت فى دراستى، والتحقت بالجامعة، والتقيت أستاذا لى قال الجميع عنه إنه صعب جدا، وإن الطلبة ينجحون فى مادته بتقدير مقبول، والحق أننى وجدته غير ذلك، فلقد أعجبت به، وصرت أسيرة حبه، ورحت أتخيله فى كل لحظة، وهو صغير، وشاب، وأستاذ.. نعم كنت دائما شاردة الذهن، ويطاردنى ذكاؤه وعبقريته، وخفة دمه، فله «كاريزما» من نوع خاص، وذات يوم التقت عينانا فى «السيكشن».. ساعتها دق قلبى، وأصبحت أنتظره بالساعات أمام مكتبه لكى أراه!، وقد حاولت الاتصال به كثيرا، لكنه لم يرد، فأنا بالنسبة له «رقم غريب»، ولأنه معالج نفسى، فإننى كنت أحيانا أدّعى المرض لكى يقابلنى.. وعندما ألتقى به لا أتكلم.. لم أكن أعرف إذا كنت خائفة منه أم أحبه.. وكل ما تحدثت به معه هو كلام عن البيت والأسرة والمشكلات بين أبى وأمى..وحاولت التواصل معه عن طريق «الماسنجر»، لكنه لم يتجاوب معى، وذات يوم التقيته به فى الشارع، فقلت له: «النت وحشك» فقال أنا لا أدخل على «النت»، قولى «وحشتنا يا دكتور»، وتصورت أنه أدرك حبى له، ولكن هيهات!.

ومع تجاهله لى زاد ألمى، ومرت إجازة ذلك العام دون أن أراه، وواصلت دراسة دبلوم دراسات عليا من أجله، ووصل حبى له لدرجة العشق، فرسمت صورته وأعطيته «البورتريه»، فإذا به يتهكم علىّ أمام الأساتذة قائلا: «ده بورتريه لجدى»!.. وعلقت زميلاتى على الرسم بأننى ظللت وجهه أكثر من اللازم، ولذلك قال هذا التعليق.. وحكيت لأختى وبنت خالتى عنه، فقالتا لى: «ذوقك وحش»، وأيضا هو أكبر منك بتسعة وعشرين عاما، ومتزوج، ولديه أبناء ربما يفوقونك سنا».. وأصبحت حياتى كلها اكتئابا وعذابا. وقررت أن أعرف منه إن كان يحبنى أم لا؟، ودخلت على «الماسنجر» باسم آخر، وكتبت له: إننى أحب شخصا ما، ولا أعرف إن كان هذا الحب أبويا أم عاطفيا؟، فرد علىّ: هل تريدين إقامة علاقة جسدية معه؟.. فترددت فى الإجابة وأنا مندهشة من السؤال، ثم كتبت له: أريد أن أعانقه فقط، فقال: توكلى على الله وأبلغيه بحبك له، وقابلته بعدها، وصارحته بحبى، فطلب أن أعطيه فرصة لكى يحبنى قائلا: «لقد فجرت داخلى مشاعر وأحاسيس ماتت منذ ثلاثين عاما»!، وحاول أن يقبلنى لكنى ابتعدت عنه، وحاول أن يمد يده علىّ.. فقلت له: وهل الحب يعنى ذلك؟.. فرد «الحب عند الشباب صغيرى السن بالكلام، ولكنه عندى كذلك»!

وعدت إلى المنزل وانهرت تماما، وظللت أبكى بحرقة وألم، ومنذ ذلك اليوم بدأت رحلة عذاب آخر.. وأخذت أتساءل فى صراع نفسى هل هذا حب، أم استغلال؟، وحاولت الابتعاد عنه، لكنى لم أستطع.. فالحقيقة أننى كنت أشعر بالسعادة فى وجوده، لكن بعض التنازلات فى كل مقابلة حوّلت حياتى إلى جحيم، وقد عرضت عليه الزواج، فقال لى: «مستحيل أن يوافق أهلك، وسوف ترفض أسرتى، وستتحول حياتنا إلى جحيم»، فرددت عليه بكلام العشق والأشعار والأغانى والرسم والهدايا.. نعم كنت أغير عليه من القلم الذى يكتب به، والهواء الذى يتنفسه، والأرض التى يمشى عليها.. وأحسست أننى فى ظلمات لا حصر لها.. ودعوت الله أن يريحنى من هذا العذاب، بزوج مناسب، وبالفعل تزوجت شابا ليس على درجة الذكاء التى تصورتها، ولا أنكر أننى أحببته، ولكن بعد أن أصبحت زوجة له، اكتشفت أن ارتباطى به كان مجرد هروب، واستعادت ذاكرتى علاقتى بأستاذى، وقارنت بينه وبين زوجى، ووجدت أنه مع كل يوم يمر أكره زوجى أكثر من ذى قبل، كما أنه ليس ميسور الحال، حيث يعمل موظفا، وليس له أى عمل آخر.. صحيح أنه حاول زيادة دخله عن طريق شراء موتوسيكل يعمل عليه، لكن التجربة لم تنجح، وبصراحة وجدت أن رأيه من «دماغه»، ولا يلقى بالا لما أقوله.. ولم أجد أمامى حلا سوى أن أصرف كل مرتبى على البيت.. وتعبت جدا من طريقته فى الحياة، والمعاملة، وفكرت فى الطلاق منه، لكنى تراجعت بسبب الأولاد.

ومرت سنوات، وقابلت أستاذى بالمصادفة فى الشارع، فتجاهلته، لكنه جاءنى، وقال لى: «ممكن أسلم عليكى؟».. وبعدها راح كل منا إلى سبيله، ثم بعث لى برسالة قائلا: «أنه مبسوط أنه التقى بى»، وبعدها رددت على رسالته وقلت له: «إنت لسه بتحبنى؟» .. فرد: «لن أنساك حتى الموت، وأنه نادم على عدم الزواج منى»، وأحسست بالذنب تجاه زوجى وتركته وذهبت عند أهلى عدة أشهر، ثم عدت إليه، واكتشف الرسائل المتبادلة مع أستاذى، وقرر أن يطلقنى، ثم غضبت عند أهلى مرة أخرى، ثم سامحنى وعدت إلى البيت.. واتصلت بالرجل الذى كان سببا فى كل ما حدث لى، وشرحت له كل شىء، وبعدها لم يعد يرد على مكالماتى، ولا رسائلى.. إننى أحبه، وبداخلى مشاعر لو وزعت على الدنيا لوسعتها.. أما زوجى فهو خال تماما من المشاعر.. إننى إنسانة ضعيفة، ولا أدرى ماذا أفعل؟، وهل حبى لهذا الأستاذ هو حب حقيقى؟، وكيف أتعامل مع زوجى وأنا على هذه الحال؟.. إننى أعيش حالة تخبط شديدة.. فبماذا تنصحنى؟

 

> ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

أى حب حقيقى تتحدثين عنه؟، وأى علاقة تلك التى تبحثين عنها مع رجل أكبر من أبيك، انجرفت إليه وأنت طالبة بالجامعة، وقدمت له تنازلات كثيرة ـ على حد تعبيرك ـ باعتبار أن هذا هو الحب من وجهة نظره، وليس كلاما كما يفعل الشباب.. لقد قالها لك صريحة بلا مواربة أنه يريدك بعيدا عن الزواج، وبرغم ذلك استمررت فى علاقتك به، والغريب أن زوجك علم بهذه العلاقة، وصفح عنك، لكنك تتمادين فى طريق الخطأ، ومازلت تنعين الحب الضائع مع من لا تشكلين بالنسبة له أى أهمية.. لقد فاتك أن كثيرين من الرجال يستهدفون المرأة المتزوجة لأنها فى نظرهم «سهلة الوقوع»، وهذا الشخص يريدك الآن على طريقته، لا أن تكونى زوجة له، فهو لن يتزوجك، وستظلين بالنسبة له مجرد فريسة لا أكثر، وإذا ظللت تلعبين بالنار، فسوف تكتوين بها، ولن ينفعك الندم بعد أن تكونى قد فقدت زوجك، وشردت أبناءك، وصارت سيرتك على كل لسان.

إنك لم تعيبى على زوجك شيئا سوى ظروفه المادية، وهو يبذل كل جهده لتوفير متطلباتكم، ولا يعقل أن تتركيه لهذا السبب، ويكفيك أنه يثق فيك ويقدرك، بل وغفر لك ما ارتكبتيه فى حقه بعلاقتك بأستاذك وأنت على ذمته.. وأراه رجلا عاقلا سوف تخسرينه إذا استمررت فى طريق الهاوية الذى تسيرين فيه.

لقد جعل الله الرجال يميلون إلى النساء, والنساء يملن إلى الرجال، وهذا الميل منه ما يترجم إلى علاقة محرمة، ومنه ما يترجم إلى علاقة شرعية وهو الزواج، وقد جعل سبحانه وتعالى الزوجة ستراً لزوجها وجعل الزوج ستراً لزوجته لقوله: «هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ» (البقرة187)، ثم إن من النعم التى يخص الله تعالى بها بعض الأزواج أن يجعل بينهم المودة والرحمة, ويوفق كلا منهما لما يكون سببا فى الألفة ونبذ الفرقة والشحناء فى الأسرة، وهذه نعمة عظيمة جدّاً لا يشعر بقيمتها إلا من اضطربت علاقتهم الأسرية, ودخل بينهم الشقاق والنزاع الذى يحوِّل حياتهم إلى جحيم لا يطاق، فعند ذلك يحلم كلٌّ من الزوجين بالاستقرار الأسري، وتصبح أمنية الرجل زوجةً يهنأ معها فى عيشه، وأمنية المرأة رجلا تهنأ معه فى عيشها، والواضح أن الله منّ عليك بزيجة مستقرة، ورزقك بالأولاد، ومن هنا فإن الواجب عليك شكر الله على نعمه، فهناك الكثيرات يتمنين أن يكنّ فى مثل الحال الطيبة التى أنتِ فيها، لكنك لا تشعرين بقيمتها، فاصرفى عنك وساوس الشيطان، وتخلصى من الحالة المرضية التى سيطرت عليك.

إننى لا أدرى كيف تفكرين فى عودة علاقتك بهذا الرجل، وهى علاقة خاطئة من الأساس؟.. وقد دفعتنى رسالتك إلى التوقف أمام النفس البشرية التى تستحلُّ ما ثَبَتَ تحريمُهُ بالضرورة العقلية، والفطرةِ الإلهية، بالتأويلات الفاسدة، وهى - أعنى النفس البشرية - تعرف أن الحقائق إذا سمِّيتْ بغير أسمائها لا تتغيَّر، وأنَّ الأسماء لا تُغَيِّر حقائق المسمَّيات، فتسميةُ الخمور بالمشروبات الروحية لا ينفى كونَها أمَّ الخبائث، وَدَعْوَى أن الرشوة هديةٌ لا يُعفِى صاحبها مِن اللعن، فالرجل الذى تمنَّيْتَ أن يكونَ زوجك يخون ربَّه وزوجته وأبناءه، وأنت كذلك تصنعين نفس الصنيع، وتَجلِبين العارَ لعائلتك بأحاديثِ الحُبِّ والهيام معه، وتفعلين ذلك وأنت بجانب زوجك السادرِ فى غفلتِه، والمطعونِ فى شرفه من امرأة وثق بها، ولم يَتطرَّقِ الشكُّ إلى قلبه.

إن الدين صانَ العَلَاقات بين الأفراد، وحدَّها بحُدُودٍ تلائم النفسَ البشرية؛ فَحَرَّمَ العَلَاقَةَ بين الرجال والنساء، إلا فى ظلِّ زواجٍ شرعيٍّ، فلا يصح أن يُخاطِبَ الرجلُ المرأة، ولا المرأةُ الرجل إلا لحاجة، وإن كانت ثَمةّ حاجةٌ داعيةٌ إلى الخطاب بينهما، فليكن ذلك فى حدود الأدب والأخلاق؛ قال تعالى: «وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ» (الأحزاب: 53)، وقال تعالى: «إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا» (الأحزاب: 32)، فَتُوبى إلى الله تعالى توبةً صادقةً نصوحًا؛ واندمْى على ما فعلتَ، واقلعْى عن هذا الذنب المشين، واعزمْى على عدم العَوْدِة، وأكثِرْى من الدعاء والاستغفار؛ قال الله تعالى: «وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» [النور: 31]، وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ» [التحريم: 7]، وَسُدَىّ على نفسِك أبواب الشيطان، بالبعد عن كل ما مِن شأنه أن يقرِّبك من ذلك الرجل؛ لقوله عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ» [النور: 21]، واخشى على نفسِك أن تُجازَى بجنسِ صنيعك إن لم تتوبى إلى الله تعالى، فعادةُ الله فى خلقِه أن الجزاء من جنسِ العمل، والحذرَ الحذرَ أن تَرَى ما تكرهين فى زوجك.

وعلى كل رجل أيضا أن يدرك هذه القاعدة جيدا، إذ قال بعض السلف: «نظرتُ إلى امرأةٍ، فَنَظَرَ رجلٌ إلى امرأتى نظرةً أَكْرَهُهَا»، وقال الفُضَيل بن عِيَاض: «إنى لأعصى الله فَأَجِدُ شُؤْمَ معصيتى فى خُلُقِ دابتى وزوجتي»، ومن أفضل ما يُعِينك على التوبة: تقويةُ الشعورِ بمراقبةِ الله لك، وأن تَسْتَحْيى من نظر الله إليك وأنتَ على تلك الحال؛ قال تعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (المجادلة: 7)، وقال تعالى: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» )فصلت: 40(، وقال تعالى: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا» )الإسراء: 36)

لقد سترك الله، ومنحك فرصا عديدة للرجوع إليه، فاقطعى علاقتك بهذا الرجل، وغيرى رقم هاتفك، فقد يحاول هو الاتصال بك بعد فترة، فتضعفين من جديد، وحافظى على زوجك، وتخلصى من الحب الوهمى الذى لا وجود له إلا فى خيالك، وبمرور الوقت سوف تكتشفين تفاهة ما كنت تفكرين فيه، فالخيال شىء والواقع شىء آخر، وإنى على يقين إذا أخلصت النية لله أن أبواب السعادة سوف تتفتح أمامك، فالقناعة والرضا يدفعان المرء إلى الطمأنينة، ولا شىء يعادل الصحة وراحة البال، وفقك الله وسدد خطاك على الطريق المستقيم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق