رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عزت العلايلى يكتب عن «جو»: سيد العاقلين معه كنت لا أتوقف عن طرح التساؤلات.. وكان يتقمص دور المجنون

عندما يذكر اسم يوسف شاهين يمر أمام عينى شريط طويل من الذكريات.. أحتار من أى نقطة أبدأ، هل من الفيلم الأول الذى جمعنا، أم من علاقة الصداقة بيننا، أو كواليس تصوير الأفلام التى جمعتنا وكيف كانت تتحول إلى منتديات ونقاشات فكرية وسياسية، حيث كنا نعيش غنى حقيقيا على المستوى الفكرى خصوصا أننا كنا نصورها بعد هزيمة يونيو، وكانت مصر تغلى بالأحداث السياسية.

"جو".. كما كنت أناديه سيظل حالة متفردة بين كل المبدعين العرب، وأيضا فى العالم، لم يكن يتوقف عن التفكير والحلم بسينما مختلفة ومميزة، وأصيلة فى نفس الوقت.

علاقتى بيوسف شاهين بدأت مع فيلم «الأرض» الذى عرفت من خلاله أيضا المبدع حسن فؤاد كاتب السيناريو، والأديب المتميز عبدالرحمن الشرقاوى، وسعدت أننى سأعمل مع هذا الفريق الذى يحمل توقيع هؤلاء المبدعين.

حماس شاهين وتميزه دفعنى بقوة ألا أكتفى بالتمثيل فى الفيلم بل كنت أتابع مهام مساعد المخرج، وكنت أسجل جميع التفاصيل، وطريقة عمل شاهين لأحقق أقصى استفادة ممكنة، حيث كان يراودنى حلم الإخراج أيضا.

أتذكر فى تلك الأوقات أننا جميعا كنا محبطين جدا، ومصر تعيش تبعات النكسة، إلا أننا لم نكن نتوقف عن التفكير ونبحث عن منفذ أو مخرج، وهو ما جعل كواليس التصوير تتحول إلى نوات ليلية سياسية، تلك النقاشات نتجت عنها نهاية الفيلم والتى أكدت ضرورة التمسك بالأرض والمبادئ مثلما كنا نفكر، وحسبما أراد يوسف والشرقاوى أن يعبرا عن هذه المعانى.

بعد تصوير فيلم «الأرض»، استمرت العلاقة بينى وبين شاهين كصداقة، إلى أن عرفنى على إريك رولو، رئيس تحرير «لوموند الفرنسية» فى هذا الوقت، تلك الصداقة والجلسات والنقاشات التى جمعتنا نتج عنها فكرة فيلم «الاختيار» حيث كان إريك من أصل يهودى مصرى، وجاءت إلى القاهرة فى زيارة وقرر أن يذهب للحى الذى نشأ فيه فوجد أن من يسكنون الشقة التى تربى فيها كانوا من فلسطين، تلك المفارقات ومع تطور الوضع السياسى المصرى والعربى فى هذا التوقيت _ بعد هزيمة يونيو_ بدأنا العمل على فيلم «الاختيار»، والذى كان مقررا أن أقوم أنا بإخراجه، على أن يقوم شاهين بدور البطولة، وبدأ يعد نفسه، لدور البطل، وذهب إلى طبيب أسنان ليضبط أسنانه، ولكن شاهين، بعد إعادة تفكير قرر عدم خوض البطولة،لذلك طرحت عليه اسم الفنان محمود ياسين، والذى كان يقدم عرضا مسرحيا بعنوان «جيفارا» على المسرح.

اقتنع شاهين بالفكرة وقال لي: «خليه يقرأ»، وكنا نتبادل وجهات النظر فى السيناريو ونسجل ملاحظات ونعمل معا وكان كل شيء يسير بهدوء. واقتنع شاهين بمحمود ياسين.

ولم أنس اليوم الذى وجدت فيه «جو» يهاتفنى فى الثالثة فجرا وهو يصرخ ويتحدث بعصبية: «ممدوح ياسين أقصد محمود، هيشتغل مع رمسيس نجيب وكمال حسين فيلم تانى»، أجبته بهدوء «إيه المشكلة يا جو ننظم أوقات التصوير بين الفيلمين»، قال لي: «صعب جدا لازم يركز فى فيلمى دا هيقدم دورين، وكنت أنا قد وقعت الدور الذى جسده النجم محمود المليجى، وأصر شاهين على ألا يعود ياسين للبطولة فهو لا يفضل أبدا أن ينشغل النجم الذى يعمل معه بعمل آخر لتكون كل حواسه وتركيزه مع شاهين».

بعدها اقترح شاهين أن نذهب بالسيناريو إلى النجم رشدى أباظة، والذى لم يستوعب السيناريو ورفضه، بعد تلك المحاولات نظر إلى وقال: «ما فيش غيرك أنت».

مع شاهين كنت لا أتوقف عن طرح التساؤلات، ومحاولة التعرف على تقنياته، واستمرت تجاربنا معا، حيث قدمت معه «الناس والنيل»، و«إسكندرية ليه».

«جو» كان سيد العاقلين، وكان بيعمل نفسه مجنون لأن التمثيل كان فى دمه، وكان يتلون حسب الموقف ويستطيع أن يكسب الشخص الذى أمامه فورا، كان شديد الذكاء ويجيد التعبير عن نفسه، وصاحب رؤية خاصة.. صحيح هناك الكثير من المبدعين أصحاب الرؤى الخاصة والمختلفة، لكن شاهين كان يملك منطقة خاصة من التميز فى الشكل والسرد السينمائى، إضافة إلى رقيه فى التعامل مع الفنانين وكل العاملين فى البلاتوه، ولن أنسى أبدا كيف كان يحفظ الفيلم والديكوباج»، وقيمة أفلام شاهين نكتشفها بمرور الأيام، فهى ليست أفلاما بسيطة أو مرتبطة بوقت معين العكس صحيح كلما مر الزمن وشهدناها من جديد نشعر وكأن الماضى يأتى، وكأنها تعكس واقعنا وتحمل الكثير من الإسقاطات.

هناك لحظات ومواقف عشتها مع شاهين ولا أستطيع نسيانها مهما مر الزمن، ومنها ما حدث لنا يوم العرض الخاص لفيلم «الاختيار» والذى كان فى سينما «ريفولى» فى وسط المدينة، وبحضور وزير الثقافة ونجوم العمل والكثير من نجوم المجتمع، يومها لم يتوقف الجمهور عن سبنا وشتمنا، وأخذت بعينى أبحث عن شاهين فلم أجده،كان قد ترك العرض الخاص وغادر، يومها اصطحبت زوجتى إلى المنزل، وذهبت إلى شاهين فى قهوته المفضلة فى حى الحسين، وقتها لم يرغب فى الحديث عما حدث فى العرض الخاص، وقال لى: «سيبك من كل دا، كل دا هيتنسى، المهم إننا عندنا ميعاد بكرة مع ثومة، عشان هعملها فيلم من تأليف سعد وهبة».

وبالفعل ذهبنا إلى أم كلثوم، وطوال الجلسة أنا منبهر بالست، وساكت وشاهين لا يتوقف عن الكلام، إلى أن قالت لى ثومة «مالك ياعزت، فما كان من شاهين إلا أن حكى لها ما حدث فى العرض الخاص، وعلقت الست قائلة: بص يا عزت مين إداك الموهبة دى رديت: ربنا، قالت: هل تتخيل إن ربنا يدى حاجة ويتخلى عنها؟»

وهى الجملة التى جعلتنى أطير من الفرح ونفسى أرقص، وهو الدرس الذى تعلمناه أنا وشاهين من «ثومة»».

وبدأنا ندرك أن لغة الفيلم «الاختيار»، كانت أعلى من مستوى المتلقى فى هذا التوقيت، قياسا إلى الأفلام التى كانت تعرض ونوعية الأفلام التى اعتاد الجمهور على تعاطيها.

وتواصلت علاقتى الإنسانية بشاهين، ولم يغضب منى عندما اعتذرت له عن عدم بطولة فيلم «عودة الابن الضال» رغم أننى كنت قد وقعت العقد، حينها رفع شاهين قضية على ولكننى لم أجد نفسى فى السيناريو، والذى ذهب للنجم شكرى سرحان، وتجادلنا كثيرا، ولكن استمرت صداقتنا حتى وفاته.. سيظل يوسف شاهين أحد الرموز الفنية الرفيعة على المستويين العربى والعالمى، يوسف قيمة حقيقية وصادقة، وأيضا كان شخصا شديد الطيبة على المستوى الإنسانى طيبا جدا ورقيقا للغاية وشديد الحساسية، ومن أبسط الشخصيات التى يصعب تكرارها، كان طفلا فى غضبه، وعاشقا لعبدالناصر ودائم العتب عليه، وأعتقد أنه عاش حياته كما أحب ولكنه كان لا يزال يملك الكثير من الطموح.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق