يركز كتاب «قراءات فى أعمال نوال السعداوى» الصادر من المركز القومى للترجمة على تجربة استثنائية لكاتبة من طراز خاص مشهود لها بأنها من ابرز الرائدات النسويات الثائرات فى العالم العربى..
الكتاب قام بتأليفه كل من «ارنست ايمينيونو» أستاذ الدراسات الإفريقية فى جامعة ميتشجان الامريكيه و«مورين ايك» رئيس جمعية الأدب الإفريقى، ترجمة سها السباعى عضو هيئة تحرير مجله «توليبس» الامريكية.
يهدف الكتاب إلى أن يكون دليلا فى أيدى الباحثين المهتمين بالدراسات الأدبية ودراسات المرأة.
الكتاب يحوى فصولا نقدية عن عدد من أعمال نوال السعداوى، وهو نقد متجرد من النظرة المتحاملة أحيانا والمتحمسة أحيانا أخرى، مع او ضد أفكارها..
يشير «ارنست ايمينيونو» فى البداية إلى أنه فور تسلمه مهام منصب رئيس قسم الدراسات الافريقية فى جامعة ميتشجان- فلينت فى 2002 تقدم بمشروع لاستضافه كاتب إفريقى شهير كل عام لمدة أسبوع ويتم اختيار احد الأعمال الروائية للكاتب لتكون محل دراسة متعمقة ومناقشات مكثفة.
وقد تم دعوة الكاتبة نوال السعداوى فى 2008 ولكن بمجرد وصولها أخذت الأمور منحى مأساويا بالنسبة لها فى مصر حيث كانت تواجه عقوبة الموت عن مسرحيتها « الإله يقدم استقالته فى اجتماع القمة» وهى المسرحية التى تم تقييمها بأنها محرضة على الفتن. وبالتالى أصبحت «فلينت» ملجأها المؤقت لمدة غير محدودة فى مستقبل مجهول. وكان ذلك بمنزلة فرصة للتعرف عن كثب بشخصية ربما لا تكون فقط اكثر المؤلفات النسويات جرأة ومعارضة فى العالم بشكل يتعذر معه كبح جماحها ولكنها أيضا شخصية ساحرة وشديدة التمسك بالمبادئ وتدافع للنهاية عما تعتبره الحق والعدل والجمال مهما كانت الصعاب والمخاطر.
وقد شكل كل هذا الفضول الفكرى لقراءة أعمالها والتفاعل معها والاستماع إلى فلسفتها العميقة عن الحياة والانسانيه..
كتبت «بريندا جيه مهتا» ان للدكتورة نوال السعداوى مقولة :« لقد تربيت على الإيمان بالمبادئ الأساسية للإسلام وكان الإسلام يعنى لى دائما الإيمان بالله وروح العدل والحرية والحب». لقد أرادت تحقيق العدالة والمساواة لكل البشر فى وجه الراسمالية العالمية والبطريركية والاستبداد الدينى مما أدى إلى فقدها لوظيفتها باعتبارها مديرة إدارة الصحة العامة فى مصر عام 1972 وتم إغلاق مجله «الصحة» التى أسستها وكانت رئيسة تحريرها ووضعت فى السجن فى عهد الرئيس السادات عام 1981 وأدرج بعض المنظمات الارهابية المتعصبة اسمها على قوائم الموت فى أوقات مختلفة خلال مسيرتها المهنية وتم حظر عدد من مؤلفاتها فى مصر من وقت لآخر.
كما تم إغلاق جمعية «التضامن مع المرأة العربية» التى أسستها وأيضا مجلة «نون» التى كانت رئيسة تحريرها ولكنها ظلت مقدامة وجريئة ومدافعة عن حقوق النساء فى العالم العربى وخارجه. ولقد كشفت روايتها «الحب فى زمن النفط» النقاب عن المؤامرات التى ألغت المكون الدينى الأنثوى عبر إساءة قراءة الماضى الأنثوى فى حقبة ما قبل الإسلام وكذلك فى الجانب الأكثر باطنية فى الإسلام والموجود فى التفكير الصوفى ورفضه للتشدد الدينى.
وكما تقول فى كتابها :«الوجه العارى للمرأة العربية» المترجم الى اللغة الانجليزية قالت د. نوال السعداوى :«اصبحت ارى بوضوح ان الدين عادة ما يستخدم فى وقتنا الحاضر كأداة فى أيدى القوى الاقتصادية والسياسية لتخليد الأسرة الابوية.
وقد اساء المتمسكون بالتقاليد والنقاد الادبيون فهم السعى الى الجوهر ووصفوها كمحطمة للمعتقدات الدينية فى حين انها كانت تحث النساء على استعادة الإسلام عبر التحقيق النقدى والتفكير المستقل بهدف إبطال تفوق الحرفية النصية التى لا تفسح المجال امام الحوار المفتوح.
كشف الحجاب عن العقل
الكاتب «سيمون ايه جيمس» قام بعمل حوار مع د. نوال السعداوى فى 1999 فى مجلة «مرديانز» المعنية بالإبداع النسوى حيث كشفت فيه أن حجاب العقل أكثر خطورة من قطعه قماش. فبينما يتمثل حجاب المرأة العربية فى الاستتار داخل عباءة من القماش تتوجه نوال السعداوى بخطابها الى حجاب من نوع اخر وهو امتثال النساء لمفهوم الاتجاه الاستهلاكى السائد عن الجمال الذى يستلزم تغيير مظهر الجسم بمستحضرات التجميل والجراحات التجميليه لتساويها بارتداء الحجاب الفعلى وبهذا يكون الحجاب عالميا.
ولذا فهى فى رواية «الغائب» المترجمة للانجليزية تهتم بمجاز الحجاب كمضرب للمثل وكانت مهمة نوال السعداوى النظر إلى ما وراء الحجاب والتجرد منه او خلعه إن أمكن.
وتؤكد نوال السعداوى معارضتها الشديدة للنساء اللاتى يرتدين الحجاب الذى يرمز الى انهم مجرد اجساد خاضعة للاستغلال ولعدم المساواة. وترى ان ارتداء الحجاب لا يعنى بلوغ حد الكمال او الفضيله انما يمكن اعتبارة ضرورة لها علاقه بالهوس الجنسى بالاناث الخاضعات.
وتكشف نوال السعداوى فى مقال لها ان المرأة المصرية القديمه لم تعرف الحجاب وكان الزوجان متساويين فى كل شيء وتقول «حان الوقت للنساء العربيات العصريات أن يتذكرن النساء اللاتى عشن فى المنطقة نفسها منذ 1300 عام وكان لديهن شجاعة الرفض والاحتجاج».
الذكورة الفاشلة
وترى الكاتبة «مورين ان إل» ان السعداوى هدفها الأساسى من الكتابة هو التنفيس عن غضبها وترى ان القلم سلاح فعال تستخدمه ضد الظلم والاستبداد, ولكنها تدرك أيضا انه بينما تقدم خدمه اجتماعية وسياسية وعامة إلا أن ما تقدمه قد يؤدى إلى انعزال المرء عن ميادين المعارك فى الحياة.
هى ترى أيضا أن البطريركية تحبس النساء وتقمعهن من خلال الأب والأخ ثم الزوج.
وعلى سبيل المثال ففى قصة « كانت هى الأضعف» تظهر الممارسات الثقافية الظالمة.
وبالتالى فقد تخصصت فى «كتابة الألم» كما وصفتها الكاتبة «اليزابيث بكرز» فالكتابة مثل التشريح ووسيلة للفهم الأفضل للجنس البشرى. ولذا تشير السعداوى فى روايتها «امرأة عند نقطة الصفر» الى المنزلة الادنى للنساء فى المجتمع. وحتى فى رواية «امرأتان فى امرأة» تروى كيف يدمر القمع حياة النساء بالكامل.
وتعتبر قضية الختان تستحق نضالها منذ الستينيات وقد اصيبت بطلات الروايات بصدمة عصبية مثل نوال السعداوى نفسها بسبب تعرضهن لاستئصال الأعضاء الانثويه وحصر الحياة الجنسية للنساء فى الإنجاب.
وتسهب نوال السعداوى فى «الاغنية الدائرية» فى الحديث عن العنف الجنسى الذكورى الذى تخضع له النساء.
ويتتبع كتاب «اوراق حياتى» المترجم بعنوان «ابنة ايزيس» السيرة الذاتية المكونة من جزأين لنوال السعداوى من الطفولة للبلوغ وحتى تخرجها فى كلية الطب وإدراكها مبكرا للاضطهاد الذى تعانى منه النساء باسم الدين..
مذكرات فى سجن النساء
ولقد رأت «مارى جين انروم» أن كتاب نوال السعداوى «مذكراتى فى سجن النساء» يصوغ الطريقة التى تتغلب بها النساء على الصعاب ليتكاتفن من اجل قضية مشتركة فى قالب روائى. فالمذكرات عن السجون تعتبر نوعا ادبيا يظهر العبقرية الفردية وتقدم لمحة عن حياة المسجونات فى مصر فى فترة الثمانينيات كما ترصد حكايات لنساء فقيرات مهمشات وغير مرئيات.
ولذا كتبت «صوفيا او اوجوود» ان نوال السعداوى تعد بلا شك حاصلة على اعتراف دولى انطلاقا من العدد الهائل من المقابلات التى أجرتها بالاضافه إلى العروض النقدية لروايتها ولأعمالها الادبيه الاخرى.
ولذا فهى تستحق ان تعتبر «سيمون دى بوفوار» عصرنا.
وقد تلقت درسها الاول من جدتها التى لم تقرأ كتاب الله نظرا لعدم معرفتها للقراءة ولكنها سمعتها تقول لعمدة القرية « احنا مش عبيد وربنا اسمه العدل وعرفوه بالعقل».
اما الدرس الثانى فكان من الوالد الذى كان دائما يقول « صوت الله يأتى من أعماقنا وليس من مئذنة مسجد».
وقد ناضلت نوال السعداوى ضد الظلم على جبهات متعددة مما أثار صانعى السياسات المهتمين بالفكر الزائف.
وما زالت نوال السعداوى تلهم النساء حول العالم للتقدم لما وراء حدودهن وقيودهن لمواصله السعى فى سبيل تحقيق العدل والمساواة لأنفسهن.
وفى الحقيقة تعد نوال السعداوى مفكرة فائقة بسبب حالات وجودها كامرأة وطبيبة وكاتبة وناشطة، قدمت مشاعرها الصادقة وتجاربها الشخصية حول معنى الانوثه فى عالم مجحف.
وهذه هى الحرف المقدسة لنوال السعداوى التى تخوضها ببسالة منذ أكثر من نصف قرن من اجل النساء فى العالم العربى وخارجه وتشكل ثلاث كلمات ذروة فلسفتها « الإبداع..التمرد..النساء» لذا حصلت على الجوائز الادبية الرفيعة وشهادات الدكتوراه الفخرية فى جميع أنحاء العالم.
رابط دائم: