رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«تأثير الفراشة» يصل للمخابرات البريطانية

فى لحظة تاريخية حرجة تراجعت الإمبراطورية الكبرى بسبب «تأثير الفراشة» الذى تضمن عوامل كثيرة كان أبرزها أزمة السويس كلحظة حاسمة في تاريخ بريطانيا السياسي والاستراتيجي، امتد تأثيرها إلى المخابرات البريطانية.

يحلل داني ستيد فى كتابه «الاستراتيجية البريطانية والاستخبارات فى أزمة السويس»، أنشطة وأدوار جهاز المخابرات السرية البريطانى

THE SECRET INTELLIGENCE SERVICE (SIS/MI6)، ولجنة الاستخبارات المشتركة

THE JOINT INTELLIGENCE COMMITTEE (JIC) خلال أزمة السويس.

والعلاقة بين الاستخبارات والاستراتيجية مركزا على تأثير الأزمة على أداء وبنية أجهزة الاستخبارات، كاشفا أنه على عكس المتوقع فإن دور أجهزة الاستخبارات في السياسة البريطانية خلال الأزمة كان ضئيلا للغاية، برغم أن MI6 قام بالكثير من أجل تأجيج نيران التحيز تجاه عبد الناصر قبل الأزمة.

فى الوقت نفسه، وجدت لجنة الاستخبارات المشتركة نفسها متأثرة بموقفها المؤسسي كهيئة لرؤساء الأركان، وذات نفوذ محدود على مستوى السياسة، حيث تم تجاهلها بسهولة، وهو ما كشفته أبعاد أزمة السويس ودفع ببريطانيا بعدها لإعادة هيكلة وتطوير مخابراتها.

تركزت قيمة جهاز MI6 فى قدرته على جمع وتحليل معلومات الخارجية لدعم الأمن القومي البريطانى. وقت الأزمة كان ينظر لدور الجهاز بأنه غير كفء ومعلومات السياسية غير كافية، كما كانت المعلومات الاستراتيجية المقدمة للجيش غير دقيقة وقديمة، وبعد تخفيض القوات البريطانية المتمركزة في مصر، أعيد نشر موظفي الاستخبارات، والمطالبة بزيادة المعلومات المقدمة منهم إلا أنه لم يكن لديهم المؤهلات الكافية لذا اعتمدوا على عميل سرى سُمى «LUCKY BREAK»، زعمت الوثائق أن لديه «تواصلا مباشرا مع عبد الناصروشركائه الموثوق بهم».

يلفت ستيد إلى استشهادات لبعض كبار الموظفين «لا يوجد أي دليل على أن LUCKY BREAK كان موجودا خارج الخيال الإبداعي لضباط MI6 الذين يريدون المزيد من العمليات العدوانية ضد مصر».

يؤكد الكتاب أن جهاز MI6 أشعل فتيل تحيز رئيس الوزراء وذلك الوقت ضد نظام ناصر عندما أبلغوه نقلا عن «LUCKY BREAK» في أوائل عام 1956 أن ناصر يفكر فى توقيع اتفاقية مع الاتحاد السوفيتي لتمويل مشروع السد العالى.

وكانت تقارير هذا العميل المزعوم تصب فى أن «ناصر سيزداد نفوذا وقوة تحت الدعم السوفيتى مما كان من المفترض أن يكون عليه».

أثرت معلومات الاستخبارات القادمة من هذا العميل على تهميش دور السفارة البريطانية بالقاهرة ولم يتم التشاور مع سفيرها بشأن سياسة بلاده تجاه أزمة السويس. كان «LUCKY BREAK» هو مصدرالمخابرات المعتمد علنًا وكان إيدن يشارك تقاريره مع إيزنهاور.

ويبدو أن MI6 كان يعطى لإيدن ما يرغب فى الاعتقاد به مستغلا غضبه من ناصر برغم كونها معلومات تبين لاحقا أنها كانت «غير قابلة للتحقق منها».

كان للعميل تأثير أيضا على التعاون الاستخباراتى بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث لعبت تقاريره المزعومة دورا فى إقناع المخابرات الأمريكية بخطة «أوميجا» التى طورت بين الجهازين وكان من بين محاورها الاحتياطية اغتيال عبد الناصر.

فى أغسطس 1956 تلقت المخابرات البريطانية ضربة قاتلة باعتقال الأمن المصرى شبكتها فى مصر، وهكذا فقد الجهاز شبكته بالكامل ولم يعد قادرا على توفير أى معلومات استخباراتية ذات قيمة.

فى ذلك الوقت كانت لجنة الاستخبارات المشتركة شبه مهمشة، وهى هيئة مشتركة بين الوكالات المسئولة عن تقييم المعلومات وتنسيقها والإشراف عليها. عانت اللجنة من ضعف هيكلى أعاق مهمتها فى تطوير السياسات والتقارير الموجهة وتقييم القدرة العسكرية والتخطيط العسكرى والاستراتيجى إلا أنها قدمت وقت الأزمة تقريرا مهما، وقت تخطيط إيدن للعدوان الثلاثى على مصر، قالت فيه إنه « بينما أصبحت مصر تعتمد بشكل متزايد على الاتحاد السوفيتى، فإن هذا لا يعني أن ناصر قد استسلم للسوفيت بوعي كامل، مشككة فى أنه قد يصبح أداة طيعة للسياسة السوفيتية» هذا الرأى المتوازن لم يلق قبول إيدن وتجاهله مفضلا الاعتماد على تقارير العميل السرى المزعوم التى كانت تغازل غضبه ضد ناصر.

كما تجاهل تقريرها عقب إعلان تأميم قناة السويس والذى جاء فيه «لا نعتقد أن تهديدات التدخل المسلح من شأنها أن تؤدي إلى سقوط نظام ناصر أوتتسبب في إلغاء تأميم القناة وإذا كان هناك عمل عسكرى فيجب أن يتم بتنسيق غربي فى وقت مبكر لضمان النصر الحاسم وإلا فستكون هناك عواقب دولية قد تؤدى إلى حرج شديد لبريطانيا لا يمكن التنبؤ به» وهو تحذير ثبتت صحته بحلول انتهاء الأزمة.

أثبتت المخابرات البريطانية عدم قدرتها على لعب دور مهم في تطوير السياسة ، فقد وجدوا أنفسهم يدعمون السياسة القائمة بالفعل ، بدلاً من تقديم أي فرص أو وجهات نظر بديلة. وخلال بدء العمليات العسكرية لم يكن الهدف واضحا ومعلنا من البداية هل هو إسقاط ناصر ونظامه أم تأمين القناة؟ مما أبطأ من عملية شراء المعلومات من مصادر خارجية، وفى ظل تجفيف منابعها بمصر عانى الجهاز ضعف تقديم معلومات استطلاعية ذات قيمة.

بعد أزمة السويس تم تغيير هيكلة جهاز MI6 وربما شهد أكبر عملية تطهيروإصلاحات فى تاريخه، وكذلك اللجنة المشتركة للاستخبارات حيث تم نقلها لمجلس الوزراء، ويعد هذا احد أهم التغييرات في هيكل الاستخبارات البريطانية حيث أدركت بريطانيا أنه إذا كانت الاستخبارات معزولة عن المؤسسات القوية، فقد لا تصل أبداً لطاولة صنع القرار.

أوجد هذا التغييرجهاز استخبارات مركزيا وحيدا تم تحسين بنيته التحتية ، قدم نظاما مطورا للاستخبارات الاستباقية القادرة على مواجهة تحديات الحرب الباردة والوضع العالمى الجديد لما بعد أزمة السويس.

كان لـ«متلازمة السويس» تأثير عنيف على بريطانيا بوجه عام حيث تراجعت سياستها الخارجية وتآكلت قوتها العالمية، وكانت أبرز الدروس التى تعلمتها المخابرات البريطانية من تلك الأزمة أن الاستخبارات ليست وهما وأنها أصل استراتيجى مهم لتطوير السياسة والطموحات الاستراتيجية، وأنه مشروط بهندسته جيدا حكوميا وانفتاح صناع القرار السياسي لوجهات نظر مختلفة، وبرغم ذلك فالاستخبارات ليست حلا سحريا لكل الأزمات وهى هشة للغاية ولكن يمكنها التكيف وتطوير نفسها.

 

 British Strategy and Intelligence in the Suez Crisis. Danny Steed. Palgrave Macmillan. 2016

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق