رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مفاجآت التاريخ.. وثائق روسية تكشف: محمد نجيب أول من توجه إلى ستالين بطلب إمداد مصر بالأسلحة..
عرض بتبادل القطن بالطائرات والدبابات السوفيتية والماكينات الزراعية والمعدات الصناعية

رسالة موسكو: د. سامى عمارة
أعضاء مجلس قيادة الثورة

  • رغم اعترافها بإسرائيل: تذبذب فى العلاقات بين موسكو وتل أبيب منذ 1953

 

وَقَرَ في ذاكرة التاريخ، وفي أذهان الملايين من أبناء مصر والمنطقة العربية أن جمال عبدالناصر هو أول من أعرب عن رغبته في التعاون مع الاتحاد السوفيتي، وكان أول من بادر بطلب إمداد مصر بالاسلحة السوفيتية، لكن المفاجأة التي دهمتنا في معرض زياراتنا للارشيفات الروسية، بحثا عن المزيد من الوثائق وجود وثائق تقول: «إن الذي بادر بطلب الأسلحة الروسية من موسكو كان اللواء محمد نجيب وليس البكباشي جمال عبد الناصر»، حسبما يضمه من وثائق وتقارير «أرشيف وزارة الخارجية الروسية».

 فمتي كان ذلك تحديدا؟ وما السبب الذي دعا محمد نجيب إلي مثل هذا الطلب؟ ولماذا أغفل ناصر الإشارة إلي أن مصر سبق وطلبت أسلحة سوفيتية، حين أوعز إلي مساعديه في مطلع 1954 التقدم بمثل هذا الطلب إلي السفارة السوفيتية في القاهرة؟ وما علاقة إسرائيل بطلب نجيب وموقف موسكو من هذا الطلب؟.

هذه الأسئلة وغيرها نطرحها بحثا عن إجابة «شافية»، قد تميط اللثام عن كثير مما لا يزال خافيا بين أضابير الأرشيفات الروسية،  وما تحمله بين أحشائها ذاكرة التاريخ.  

وفي الوثائق التالية ما قد يكشف النقاب عما خفي بشأن هذه القضية:

محمد نجيب

«برقية القائم بأعمال الاتحاد السوفيتي فى مصر س. ب. كوزيريف إلي وزارة الخارجية السوفيتية 29 يناير 1953 سري للغاية في 29 يناير قمت بزيارة «بروتوكولية» إلي رئيس الحكومة الجنرال نجيب. وكنا طلبنا القيام بهذه الزيارة في 15 يناير.

استقبلني نجيب بترحاب واضح، وسط أجواء تشير إلي حرصه علي الترحيب بنا، في الوقت الذي شعرنا فيه بمحاولاته مد فترة اللقاء الذي استغرق 40 -45  دقيقة. وقد حاولت النهوض مستأذنا الانصراف ثلاث مرات، لكن نجيب حرص في كل مرة علي إِثنائي عن ذلك، نظرا لأن لديه ما لم يقله بعد. وقد اتسم الجزء الأول من اللقاء بطابع «بروتوكولي».

وردا علي تساؤلاتى حول أحواله الصحية، تطرق نجيب إلي الحديث عما يبذله من وقت وجهد في مثل هذه الظروف العصيبة، وإن أعرب عن ارتياحه لخدمة الشعب من أجل تأمين استقلاله وحريته ورفاهته. قال انه يحاول في نشاطه وعمله الاقتداء بزعيم الشعب السوفيتي ي.ف. ستالين، الذي استطاع الشعب السوفييتي تحت قيادته تنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الانجازات الباهرة إلي جانب الحرية والازدهار.

وعلقت علي ذلك بقولي إن الشعب السوفييتي يدين في ذلك إلي لينين وستالين، متمنيا في إخلاص للشعب المصري انجازات مماثلة.

ومن جانبه أعلن نجيب أن مصر وللأسف تواجه كثيرا من المصاعب، ما يدفعها إلي طلب العون والمعونة لدي البلدان الأخري. وخلص نجيب في هذا الشأن إلي سؤاله: هل يستطيع الاتحاد السوفيتي تقديم الدعم لقضيتنا؟، وهو ما أجبت عنه بقولي إن الاتحاد السوفيتي ينظر بتفهم وتعاطف مع الطموحات الوطنية لشعوب الشرق. كما أنه وعلي النقيض من بلدان أخري التي تنظر إلي بلدان الشرقين الأدني والأوسط بوصفها مستعمرات لها، ينتهج بثبات سياسات تأييد المطالب الوطنية العادلة للشعوب.

وقد أيد في مجلس الأمن في عام 1946 الطلب الذي تقدمت به سوريا ولبنان، فضلا عن تأييد طلب مصر الذي تقدمت به في عام 1947 حول جلاء القوات الأجنبية من سوريا ولبنان. ومضي القائم بالاعمال السوفيتي في رسالته ليشير إلي تحذير بلاده من مغبة محاولات تشويه صورة سياسات الاتحاد السوفيتي وبلدان الديمقراطية الشعبية (الكتلة الاشتراكية) تجاه البلدان العربية، وكذلك ضد استقلال وسيادة بلدان الشرقين الأدني والأوسط بما فيها مصر، ونقل كوزيريف  ما قاله اللواء محمد نجيب:

«أجاب نجيب بان قيادة «السنتكوم» (القيادة المركزية الامريكية) موجهة بالفعل ضد الاتحاد السوفيتي وبلدان الديمقراطية الشعبية، لكنه لا يفهم شخصيا ما يقال حول انها تستهدف أيضا بلدان الشرقين الأدني والأوسط وخاصة مصر. وقال انه إذا وافق الإنجليز والأمريكيون علي إمداد مصر بالأسلحة، فإنه سوف يعتبر ان قيادة السنتكوم في الشرق الأوسط ليست موجهة ضد مصر، أما إذا رفضوا تلبية الطموحات الوطنية المصرية، وإمداد مصر بالأسلحة فانه سوف يكون من الواضح انها موجهة ضد بلدان الشرقين الأدني والأوسط ومنها مصر».

واستطرد المسئول الروسي ليوضح ما وراء إنشاء قيادة «السنتكوم» وما تستهدفه من احتلال بلدان المنطقة وإنشاء القواعد العسكرية في أراضيها، وهو ما لا بد أن تفقد معه سيادتها واستقلالها.

وتعليقا علي ذلك انبري الجنرال نجيب ليقول ما نصه:

«فلتضع نفسك مكاني. ماذا يمكن ان تفعلوا في مثل هذا الحال؟ هل روسيا علي استعداد لأن تبيع الدبابات والطائرات وغيرها من المعدات العسكرية إلي مصر».

وأضاف نجيب انه سوف يحاول حل المشكلات الشاخصة أمامه من خلال السياسات المناسبة ، بما في ذلك استخدام القوة، سعيا وراء تحقيق الأهداف التي أشار إليها، وبالدرجة الأولي تأمين جلاء القوات الإنجليزية، وانه سوف يكون مضطراً إلي طلب الأسلحة من بلدان أخرى.

قال نجيب ذلك، وعاد ليكرر سؤاله: هل روسيا علي استعداد لبيع مصر الدبابات والطائرات؟

وأجبت أن الطائرات والدبابات وحسبما هو معروف، لا تندرج تحت بند التجارة التقليدية، وأضفت علي سبيل الدعابة سؤاله حول المصدر الذي سوف تلجأ إليه مصر لشراء مثل هذه السلع. وقال نجيب إن الأمريكيين والإنجليز يعطونه الدبابات والطائرات، لكنه سرعان ما استدرك قائلا انهم قالوا «سوف يعطونه». وما أن توجهت  للحديث إلي المترجم باللغة الروسية، حتي فهم نجيب انني لا أرغب في الاستمرار في الحديث حول الطائرات والدبابات، ليبدأ بتحول الحديث إلي موضوع آخر يتعلق باللغة الروسية. قال نجيب إنه بدأ تعلم اللغة الروسية، وانه يعرف بعض كلماتها. لقد اشتري «جهاز صوتيات» ، لكنه لا يملك الوقت لمثل تلك المهمة.

وخرج نجيب ليرافقني إلي الغرفة الملحقة، حيث كان مصورو ومراسلو عدد من الصحف المصرية. وردا على اسئلتهم بشأن الهدف من الزيارة، اكتفيت بالقول إنها «زيارة مجاملة».

واختتم القائم بالأعمال الروسي رسالته إلى وزارة الخارجية السوفيتية بقوله:

«ان زيارتي لنجيب تركت لدي انطباعا حول انه ومن خلال ادعائه وكأنما هو صديق للاتحاد السوفيتي، وتلاعبه بالألفاظ علي غرار «الاضطرار»، و«الضرورة»، و«حتمية» التوجه بطلب العون الي البلدان الأخري، والتي كان يقصد بها الولايات المتحدة، كان يحاول استباق تبرير ما تبذله الولايات المتحدة من محاولات لاستمالة مصر إلي الحلف المعادي للاتحاد السوفيتي. (ارشيف وزارة الخارجية الروسية. مجلد 059، جدول 7، حافظة 13، ملف 4 ص35-39).

وفي رسالة أخري بعث بها القائم بالأعمال السوفيتي كوزيريف إلي وزارة الخارجية السوفيتية «سري للغاية» بتاريخ 10 فبراير 1953، (أرشيف الخارجية الروسية. مجلد 059، جدول 7، حافظة 13، ملف 4 . ص40-41):

كشف فيها عن أنه ولأسباب تتعلق بعدم الرغبة في تكبيل نفسه بالتزامات لاحقة، لم يعلق علي طلب نجيب بشأن الدبابات والطائرات، ولم يقل له انه سوف يبلغ حكومته بطلبه، لأن ذلك كان من الممكن أن يضع الحكومة السوفيتية في موقف حرج، من جانب، ومن جانب آخر يمكن ان يسمح لنجيب بتبرير سياساته المعادية للاتحاد السوفيتي وتعاونه الصريح مع الولايات المتحدة أمام الأوساط الاجتماعية المصرية، بحجة ان الاتحاد السوفيتي لم يستجب لطلبه.

لكن المسئول الدبلوماسي الروسي سرعان ما اعترف بذنبه، مؤكدا انه «أخطأ التقدير».

وفي معرض التعليق حول هذا الموضوع أصدر فيشينسكي وزير الخارجية السوفيتية تعليماته التي تقول:

«انه وفي حال عودة نجيب إلي موضوع بيع السلاح، يجب إبلاغه بان الحكومة السوفيتية ليست معنية ببيع السلاح ، لكنها علي استعداد للنظر في هذا الشأن، في حال إبداء الحكومة المصرية لاهتمامها به».

وفي رسالة أخري بعث بها القائم بالاعمال السوفييتي كوزيريف إلي وزارة الخارجية السوفيتية «سري للغاية» بتاريخ 13 أكتوبر 1953 كتب يقول: «في 13 أكتوبر قمت بزيارة الرئيس نجيب لتوديعه قبل سفري. استقبلني في المقر الشخصي لإقامته، بحجة مرضه. وبادر نجيب من تلقاء نفسه بتناول موضوع العلاقات السوفيتية المصرية.

أعلن ان الحكومة المصرية تريد صادقة دعم علاقات الصداقة مع الاتحاد السوفيتي علي أساس مواصلة تطوير العلاقات التجارية. وإذ تذكر لقاءنا الأول، الذي جري في يناير من نفس العام، حين سألني عن امكانية أن تبيع الحكومة السوفيتية الاسلحة إلي مصر، قال إنه يكون من الأفضل أن يتوسع تبادل السلع في إطار تطوير التعاون التجاري بين البلدين. وضرب مثالا علي ذلك بقوله إنه يمكن تبادل القطن بالأسلحة السوفيتية والماكينات الزراعية ومختلف المعدات الصناعية. وأجبته بقولي انني سوف أبلغ ذلك إلي الحكومة السوفيتية.

الغريب أن القائم بالأعمال السوفيتي حرص علي تأكيد موقف مغاير لما سبق ونقله عن اللواء محمد نجيب، حيث قال:

«إن نجيب قال أنه أشار إلي السلاح كمجرد مثال، وأنه لا يطرح موضوع شراء السلاح من الاتحاد السوفيتي».

ومضي المسئول السوفيتي لينقل عن اللواء نجيب قوله:

«انني كنت أفضل التركيز علي التعاون الثقافي بين مصر والاتحاد السوفيتي، لكنني اقولها صراحة إنني أخشي أن أتعرض لشكوك الأمريكيين والإنجليز، الذين يمكن أن يدهسوني ويطيحوا بنظامي.

ولا تملك مصر الآن أي سبيل أو قوة لمقاومتهم. ولذا فانني اضطر إلي التصريح ببيانات معادية للشيوعية، علي الرغم انني لا أعرف شيئا عن الشيوعية. واستطرد نجيب ليقول انه مضطر في الوقت الراهن إلي اللعب مع الإنجليز والأمريكيين بين الحلفين، وانه سوف يواصل ذلك إلي حين يتدعم نظامه اقتصاديا وسياسيا وعسكريا». (ارشيف وزارة الخارجية الروسية. مجلد 059، جدول 7، حافظة 13 ، ملف 4 . ص42-45).   

 ومن اللافت أن كل هذه التطورات جاءت في أعقاب كشف الاتحاد السوفيتي صراحة عن تأييده قيام إسرائيل في 15 مايو 1948، وإعلانه اعترافه بها في 18 مايو ليكون أول دولة تعترف بها رسميا «دي يورا»، وإن كانت الولايات المتحدة هي الدولة الأولي التي اعترفت باسرائيل «دي فاكتو» (الأمر الواقع)، بعد إعلان 15 مايو ببضع ساعات.

جوزيف ستالين

وكان الزعيم السوفيتي ستالين أعلن في أكثر من خطاب وتصريح حول اهتمام بلاده بقيام اسرائيل وامدادها بالأسلحة سواء من خلال الغنائم التي استولي عليها الاتحاد السوفيتي من أسلحة جيوش النازية بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، أو من خلال تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا وبلدان الكتلة الشرقية التي أمدت إسرائيل بالسلاح والعتاد والمهاجرين.

ونرفق أدناه الوثيقة التالية:

رسالة باكولين رئيس قسم الشرق الأوسط الي زورين نائب وزير الخارجية 5 يونيو (حزيران) 1948 سرى بخصوص ما أفاد به الرفيق جروميكو حول طلب ايلياش وهاكوجين ممثلي دولة إسرائيل تقديم المساعدة إلي حكومة اسرائيل أعتقد انه من الممكن:

1ـ التلميح إلي التشيك واليوغوسلاف، بصورة مسبقة عبر سفيرينا في براغ وبلجراد، بأن من المُحبذ تقديم المعونة الي ممثلي دولة إسرائيل لشراء الأخيرين المدافع والطائرات وارسالها إلي فلسطين أخذا بنظر الاعتبار ان الأقطار العربية تتمتع بالقدرة التامة علي الحصول علي حاجتها من السلاح من المستودعات والقواعد البريطانية في الأردن والعراق ومصر، بالرغم من قرار مجلس الأمن الدولي بشأن حظر تقديم السلاح إلي هذه الأقطار.

2 ـ عدم منح تأشيرة دخول الاتحاد السوفيتي لممثلي حكومة اسرائيل من تشيكوسلوفاكيا، بهدف اجراء مفاوضات حول شراء الطائرات من الاتحاد السوفيتي، لانه يمكن ان تقوم بهذه المفاوضات بعثة اسرائيل، علما ان الحكومة السوفيتية أعطت موافقتها علي إجرائها.

أ. باكولين

ب. ملاحظة علي الوثيقة:

ت. «إلي باكولين.. نحن لا نستطيع العمل بلا حذر هكذا.  فنحن وافقنا علي إيقاف اطلاق النار في فلسطين. يجب علينا الامتناع عن القيام بخطوات يمكن ان تستغل ضدنا».

ف. زورين ـ 6/6

(أرشيف السياسة الخارجية الروسية. مجلد 098 جدول 1، حافظة1،ملف 6، ص3)

صورة زنكوغرافية لإحدى الوثائق الرسمية التى يضمها أرشيف وزارة الخارجية الروسية

ونمضي إلي ما هو أبعد لنشير إلي أن طلبات إسرائيل من السلاح والمتطوعين كانت سبقت تاريخ إعلان قيام الدولة الاسرائيلية بوقت طويل. وقد أشرنا عاليه إلي توجيهات ستالين بدعم يهود فلسطين سواء من خلال تشيكوسلوفاكيا او يوغوسلافيا ودول البلقان، وهو ما كشف عن كثير من تفاصيله مليتشين في كتابه «لماذا أقام ستالين إسرائيل؟».. دار نشر اسكمو. موسكو 2005. ص173-174

وننقل عنه ما قاله حول «أن السلاح الوارد من تشيكوسلوفاكيا وصل في الوقت المناسب. وفي التاسع والعشرين من مارس عام 1948 أي قبل الإعلان عن قيام دولة اسرائيل، وصلت وجري تجميعها المقاتلات الأربع الأولي من طراز «ميسير شميت» Bf-109 والتي كان الاتحاد السوفيتي استولي عليها ضمن ما غنمه من أسلحة الألمان في الحرب العالمية الثانية.

وكان ذلك في الوقت الذي كانت دبابات الجيش المصري فيه علي بعد بضعة كيلومترات من مشارف تل أبيب، وحين كان الحديث يجري حول ضرورة إخلاء المدينة من سكانها، بما يعني أن القضية كان يمكن اعتبارها منتهية، في حال سقوط تل ابيب. فلم تكن توجد لدي بن جوريون هناك أي قوات يمكن أن تحمي المدينة. ولم يكن يملك من الطائرات سوي هذه الطائرات الأربع التي دفع بها كلها، ولم تعد سالمة سوي واحدة فقط. لكن ذلك كان يعني ان المصريين اعتقدوا في أن اليهود يملكون سلاحا جويا، ما جعلهم يتوقفون عن التقدم، ولا يكملون حتي الاستيلاء علي المدينة التي كانت عمليا منزوعة المقاومة».        

ومضي مليتشين ليعيد إلي الأذهان مداولات الأمم المتحدة ومشروع البيان الذي قدمته بعض البلدان الغربية وكان قيد النقاش في مجلس الأمن حول الدفع بالقوات البحرية والجوية إلي فلسطين، وهو ما كان موجها ضد اليهود والهجرة.

ورغما عن كل ما قدمه الاتحاد السوفيتي من أجل «صناعة إسرائيل»، فإن موقف القيادات اليهودية الإسرائيلية لم يكن مواليا لموسكو، بقدر ما كان مواليا للولايات المتحدة التي نجحت مبكراً في استمالة «تل أبيب» إلي مواقفها المعادية للاتحاد السوفيتي وحلفائه في بلدان الكتلة الاشتراكية.

وكان ديفيد بن جوريون أوجز موقفه من موسكو في رسالته التي بعث بها الي اعضاء حكومته في يناير 1953:

«عن العلاقات مع الاتحاد السوفيتي بوصفه دولة اشتراكية، وعن الموقف من أعماله العدائية ضد الشعب اليهودي. ذلك أمران مختلفان. انني لا أقبل قطعيا النظام البلشفي. فذلك لا علاقة له بالدولة الاشتراكية، بل إنه حظيرة للعبيد.

انه نظام قائم علي القتل، والكذب ،وخنق الروح البشرية، وسلب حريات العمال والفلاحين. انه استمرار أكثر صرامة وتطرفا من القيصرية الامبريالية. وليس من الممكن مواجهة هذا النظام من الخارج، إلا عبر سبل الدعاية الايديولوجية. أما عن البشر الذين يؤمنون في روسيا بالاشتراكية، وبكون الاتحاد السوفيتي محرر كل البشرية، فليسوا مجرمين، بل أناس مخدوعون. ويجب ان يكون الصراع معهم صراع أفكار لا أكثر».

ولم يمض من الزمن الكثير حتي اختلف رفقاء الأمس وبادرت موسكو بإعلان قطع علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب في 11 فبراير 1953عقب تعرض مقر بعثتها الدبلوماسية لتفجيرات راح ضحيتها عدد من الدبلوماسيين السوفيت.

ورغم أن إسرائيل نجحت في احتواء الحادث، واسترضاء موسكو لاعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في يوليو من نفس العام، الا ان العلاقات بين البلدين لم تعد إلي سابق عهد الود والصداقة والتحالف، حتي عام 1967 الذي شهد ثانية قطع العلاقات الدبلوماسية إلي ما قبل انهيار الدولة السوفيتية في 1991. لكننا نعود ونشهد «حالة خاصة» تتسم بكثير من الحميمية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نيتانياهو، ما يستحق ان يكون موضوعا مستقلا قد نعود إليه بعد حين.  

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق