«دعنا نتخذ منزلا صغيرا، فارغا إلا منى ومنك, دعنا نكون أثاثه معاً، دعنا نحطم عقدهم البالية,دعنا نعيش فى عالم بسيط، لكن بحب معقد جدا»..
بهذه العبارة القوية المؤثرة أعلنت منى وخطيبها عن خطبتهما على «الفيس بوك» وأعلنا أيضا عن تدشين مبادرة تدعو الشباب للزواج بـ«4000 جنيه» فقط كما فعلا، شاملة خاتمى الخطوبة وأجرة المأذون وبدون قائمة منقولات أو مهر ومؤخر وفى شقة إيجار جديد وأثاث بسيط يغطى الاحتياجات الاساسية فقط.
وفى غضون أيام قليلة تحول أصحاب المبادرة التى تتحدى تقاليد الزواج وتكاليفه إلى أبطال على «السوشيال ميديا» والقنوات الفضائية. ولكن بعد عام ونصف العام فقط عادت، الفتاة لتكتب «تدوينة» موجهة إلى كل البنات المقبلات على الزواج تحذرهن فيها من الزواج مجانا، فقد تبين لها ان هذا هو أكبر خطأ ترتكبه الفتاة فى حق نفسها وتحكى منى كيف طلقها زوجها بعد ان سدد أقساط شقته وتنكر لوقفتها بجانبه وتحديها لأهلها ووجدت نفسها مطلقة بلا اى حقوق.. ودعت البنات للتمسك بحقوقهن كاملة فالرجال لا يقدرون تضحيات المرأة وفى أول خلاف لن تسمعى منه إلا عبارة «أنا اتجوزتك ببلاش»..
وذهبت حملة التيسير على الشباب وضرب المثل والقدوة وتحدى التقاليد البالية ادراج الرياح أمام عاصفة الواقع ورفعت صاحبتها دعوى قضائية تطالب بحقوقها التى تنازلت عنها بإرادتها لتتحدى منظومة الزواج البالية.
ومن آن إلى آخر تتجدد الدعوات للتيسير على الشباب فى الزواج وهى موجهة فى المقام الاول للبنات وعائلاتهن وليست للشباب الذين يتهمون أهل البنات بالمغالاة فى الطلبات، ويدعون للتخفيف عليهم والتركيز على الأساسيات دون المبالغة فى الشروط، حتى اختلط الأمر ولم يعد هناك تعريف واضح للأساسيات والكماليات فى الزواج، فبعض الاسر تعتبر الشقة التمليك من الأساسيات وبينما يقبل آخرون زواج ابنتهم فى شقة إيجار جديد.
والبعض يحدد مبلغا للشبكة وآخرون لا يفعلون، وقد تتنازل عروس عن حفل زفاف وتفضل رحلة شهر عسل، فما هو المقصود تحديدا بالتخفيف على الشاب وهل مطلوب من الأسرة أن تزوج ابنتها بشنطة هدومها كما تقول ريهام نصر وهى مهندسة مطلقة وأم لثلاث بنات فوق العشرين، وما الذى يضمن حقوق ابنتى بدون مهر أو مؤخر صداق أو قائمة؟!، صحيح ان الضمانات المالية لا تؤمن زواجا سعيدا لكنها على الأقل تمنح احساسا بسيطا بالأمان والتأكيد على أن هذا الشاب متمسك بالبنت ويحسب لها ألف حساب وأنه «على قدر المسئولية»، وقادر على ان يفتح بيتا ويبدأ حياة زوجية على الأقل تحقق نوعا من الاستقرار.
وتستغرب ريهام من أن خطابات التيسير فى الزواج موجهة لأهل البنات فقط كما لو كان زواج البنت لا يكلف رغم تحملهم أضعاف ما يتكلفه الشاب وأهله، فأدوات المطبخ وحدها تحتاج إلى ميزانية ضخمة حتى لو اسقطنا «النيش» من حساباتنا ودائما ما نسمع عن أمهات أصبحن من الغارمات والسجينات بسبب جهاز البنت ولم نسمع عن أب سجن لنفس السبب أو لأنه استدان لتشطيب شقة ابنه.
وتضيف ريهام: إذا كنا نريد التيسير فى الزواج فلابد ان لا يكون ذلك على حساب البنات وضياع حقوقهن وزواجهن من رجال لا يقدرون المسئولية.
حكاية منى فى البداية متفقة مع ما عانته هند، فهى عادت بورقة طلاق من رحلة تحد للعادات والتقاليد وتحطيم أسطورة «النيش» والفرح والشبكة، تزوجت قبل خمسة أعوام بعد قصة حب خاطفة اتفقت فيها مع حبيبها على بناء عش الزوجية طوبة فضة وطوبة ذهب وعلى الكفاح المشترك من اجل الحب والأسرة.
وتقول: تزوجته فى شقة إيجار جديد وأنجبت ابنتى بعد عام ونصف العام من الزواج وليأتى العام الثالث وقد ترك زوجى المنزل وأرسل لى ورقة طلاقي، ثم طالبنى صاحب الشقة بالإخلاء خلال 6 أشهر، حملت ابنتى على كتفى ودخلت فى رحلة بحث مع السماسرة عن سكن وعمل جديدين. أما زوجى فقد تزوجته على الصداق المسمى بيننا وبدون مؤخر ولا قائمة منقولات لأنه لم تكن هناك منقولات من الأصل، بل سرير ودولاب ومطبخ صغير على امل ان نستكمل الاثاث بعد الزواج، وانتهى الحب والزواج قبل أن يكتمل فرش بيتي، وتضيف بأسي: «ياليته قدر تضحياتى ومجهوداتى لكى اقنع أهلى بالزواج، ولكنه ابلغنى فى النهاية أننا تزوجنا بـ«الساهل» وسنطلق بنفس الطريقة، وعندها ادركت انه لا يوجد من يستحق التنازل عن طبق فى «النيش».
ولكن ماذا كانت ستستفيد البنات والسيدات من القائمة أو المقدم والمؤخر أو حتى الشقة التمليك؟.. ربما كانت منظومة الزواج تعانى من خلل رهيب وبالتأكيد فإن الضمانات المالية لا يمكن ان تصنع زواجا سعيدا كما تقول د.نادية رضوان أستاذة علم الاجتماع بجامعة بورسعيد، لكنها على الأقل نوع من الضمانات التى يلجأ إليها أهل العروس مضطرين، وللأسف فالواقع يشهد والتجارب السابقة تؤكد أن الرجل يحسب حساب الطلاق إذا كان نفقاته كبيرة كما أن وجود شقة تمليك سيؤمن مسكنا للأبناء فى حالة الطلاق وكذلك وجود قائمة للموبيليا، ربما لا تكون طريقة صحيحة وليست موجودة فى جميع الطبقات لكن مع وجود بعض المناخ المعادى للنساء ويجعل الآباء مضطرين للتفكير فى الضمانات المالية كحل متعارف عليه وإن كان لا يحقق الأمان بشكل كامل.
وتتعجب أستاذة علم الاجتماع من أن خطابات التيسير فى الزواج موجهة للسيدات والبنات فقط ولا تفهم ما المقصود منها تحديدا، فإذا كان الشاب يريد التيسير فلماذا يطلب من أهل العروس أن تكون التكاليف بالنصف ولماذا لا يتذكر هذا الشرط إلا قبل الزواج ويحرص عليه، أما عند الطلاق فلا يمكن أن يقبل أن تحصل على النصف فى أمواله أو فى شقته أو حتى المناصفة فى أعمال المنزل.
ومن وجهة نظر أستاذ علم الاجتماع، فأزمة الزواج فى مصر ليست فى تكاليفه أو طريقته بل فى العلاقة بين المرأة والرجل ونظرة المجتمع للمرأة واختلاط المفاهيم بعد التغيرات الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة وأصبحنا فى حاجة لإعادة تعريف معنى المسئولية ودور الرجل، فهو لايزال يعيش أسيرا لتصورات قديمة عن الرجولة لا تصلح للتعامل مع الواقع ووضع المرأة حاليا.
رابط دائم: