رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«حمام» شيخ الخطاطين: كنا نأتى بعد السلطان والأمير فى زمن الذوق الراقى

صلاح البيلى

  • ثلاثة بكوات اختارهم الإنجليز لكتابة أسماء شوارع القاهرة

  • الخط جزء من هوية الإنسان العربى وهو واللغة وجهان لعملة واحدة

  • فى الثلاثينيات تركوا لنا ثروة لا تقدر بمال

  • عملت مع هيكل وأنيس منصور.. ومكرم محمد أحمد مدين لى بـ10 جنيهات

 



 

للخط العربى تاريخه المجيد ويكفى أن صاحب الخط الجميل كان مقربا من بلاط الخلفاء والسلاطين والأمراء وكان الخط أحد المؤهلات لارتقاء الوظائف العليا فى الدول العربية قديما وللخط أسراره التى لا نعرفها وهو يواجه اليوم هجمة شرسة من التكنولوجيا الحديثة وأخطرها شبكة الإنترنت وبرامج الكمبيوتر كما أن كثيرا من الصحف تخلت عنه فى عناوينها عدا القليل على رأسها الأهرام فلا يزال لليوم يكتب الكثير من عناوينه أنامل خطاط يدوى أودع فى حروفه قبسا من روحه ومشاعره بعكس خطوط البرمجة الجافة والحادة، لكل ذلك كان هذا الحوار مع شيخ الخطاطين فى مصر المشهور باسم حمام، البالغ من العمر حاليا أكثر من خمسة وثمانين عاما ومع ذلك لا يزال يوميا يذهب صباحا لمرسمه الذى اتخذه فى طابق أرضى بإحدى عمارات المعادى فيه يقضى يومه ويزوره أحبابه ويعيش مع أقلامه البوص وأحباره ولوحاته ولا تزال قضية عمره هى كيفية النهوض بفن الخط العربى وحمايته من الاندثار.

وعن بدايته يقول محمد محمود عبدالعال الشهير بـ «حمام»: ولدت بحى عابدين فى 19 أبريل سنة 1935 وحفظت القرآن وسنى 11 سنة بمدرسة السلطان الحنفى للأزهر والمعلمين وكانت تتبع الأزهر الشريف ثم حصلت على المركز الثانى على المملكة المصرية سنة 1946 وهنا كانت بداية علاقتى بالخط العربى حيث كانت مدارس التعليم أساسها اللغة العربية والخط وهما وجهان لعملة واحدة وهما بمثابة الأذن والعين للجسد. وكبار الخطاطين تعلموا أساسا الخط من المشايخ الكبار وكان المدرسون يكتبون بخط جميل على السبورة وكان تعليم الخط أساسا فى الأزهر ودار العلوم والمعلمين حتى تأسست كلية الفنون الجميلة وكليات اللغة العربية فالخط جزء من هوية الإنسان المصرى والعربى.

كيف مضى بك قطار العمر بعد ذلك؟

عملت بالتليفزيون المصرى منذ تأسيسه خطاطا حتى التحقت بالعمل فى الأهرام حتى سنة 1968 ثم سافرت إلى ليبيا وأسهمت فى تأسيس مدرسة ابن مقلة للخط العربى هناك ثم عدت سنة 1977 للعمل بمجلة أكتوبر مع أنيس منصور ثم سافرت لعاصمة الإمارات العربية حتى سنة 1981 ثم عدت إلى مجلة أكتوبر وشاركت بلوحاتى بمعرض ومؤتمر الخط العربى الأول بالعراق سنة 1988 وحاليا أنا أستاذ بأكاديمية الخط العربى وعضو مؤسس للجمعية المصرية للخط العربى منذ سنة تأسيسها فى 1995 وأمين صندوق الجمعية ووكيل نقابة الخطاطين وعضو مجلس إدارة الخط العربى بوزارة التربية والتعليم.

معركة الخط

ما معنى وجود الخط العربى فى حياتنا المعاصرة؟

الخط العربى هو اللغة العربية والقرآن وهو جزء من هويتنا وكان يتبع قديما «الأوقاف الملكية» ثم صار يتبع وزارة المعارف والقضاء عليه يعنى القضاء على اللغة العربية وارجعوا لصحف زمان مثل الأهرام والمصور والهلال ستجدون أن معظم العناوين كانت تكتب بخط فنان خاصة فى شهر رمضان وفى المناسبات الدينية وكانت أشهر اللوحات بخط الثلث وخط النسخ وكان الخط يأخذ صفحة كاملة من الأهرام زمان وكان يكتب بها المسلم والمسيحى واليهودى لا فرق ولكن الخط فقد حظه الآن رغما عنه ولكننا نتسلح بالآية الكريمة «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون».

فالخط سيبقى ما بقى القرآن الكريم فهو أداة من أدوات حفظ المصحف ومصر عرفت أعظم الخطاطين على مر العصور وكان عندنا لعهد قريب جهابذة نذكر منهم سيد إبراهيم ومحمد حسنى ومحمد على المكاوى ومحمود إبراهيم وغيرهم وكان الخطاط فى القصور الملكية يحصل على رتبة البكوية فورا لأهميته وقد حصل عليها كل من سيد بك إبراهيم وسيد بك عبدالقوى وكانا يعملان فى مجلة المصور.

وأذكر أن الاحتلال الإنجليزى لما أحب تسمية الشوارع والحارات والميادين فى القاهرة فى ثلاثينيات القرن العشرين امتحنوا ثلاثين خطاطا ووقع اختيارهم على ثلاثة خطاطين فقط للقيام بهذه المهمة وهم محمد بك جعفر والشيخ على بك بدوى ومحمد بك محفوظ وهؤلاء هم من كتبوا لنا هذا التراث الخطى البديع المنتشر فى شوارع القاهرة وهذا التراث لندرته وأهميته أصبح عرضة للسرقة ويباع بآلاف الدولارات بعكس الحال اليوم إذا كتبوا أسماء الشوارع كتبوها بعشوائية وأخطاء وقبح يصدم العين ويحبط المتلقى الواعى!.

كيف ترى دخول الكمبيوتر وبرامجه عالم الخط العربى؟

لست ضده ولكن الناس يستخدمونه خطأ ومهما تصل برامج الخط فلن توازى لوحة كتبها خطاط بروحه و دمه وخطوط الكمبيوتر لا روح فيها ولكن بسبب (العصرنة) وإيقاع السرعة كان لابد للشركات أن تختار الكمبيوتر كصنايعى شاطر لأنك تغذيه بالمعلومات فيقدم لك النتيجة وللأسف الشركات ذهبت إلى بعض الخطاطين اللبنانيين فكتبوا خطوطا سيئة وأنا حزين لأننا منذ قرن كامل لم ننظم غير معرض كبير واحد للخط العربى سنة 1964 وزمان كانت مصر كلها معرضا للخط من لافتات الأطباء والصيدليات والمحال والمعارض كان الذوق موجودا بقوة وحولنا فى كل مكان بعكس الآن صرنا محاصرين بالقبح فى كل شوارعنا وعن نفسى إذا ما ذهبت لعيادة طبيب ووجدت لافتة سيئة وقبيحة لا أدخل عيادته ولا أتعالج عنده نفورا منه.

إذن أنت واحد من آخر جيل الكبار فأين امتدادكم؟!

للأسف لم يعد هناك تنافس كما كان قديما حيث إن المنافسة تشجع على الإجادة والتفوق وكنا زمان فى كل الصحف من الأهرام للأخبار للهلال والمصور وكنا أسماء كثيرة مثل محمد العيسوى والمغربى والغمرى والسحيلى وعدلى وموسى وسليم والمرصفى وغيرهم وكان الخطاط ترتيبه الثانى بعد السلطان أو الأمير ويليه الوزير وكان أشهر خطاط بالعصر العثمانى هو (ابن مقلة) الوزير الخطاط وكان الوزير يتعلم الخط حتى لا يسبقه الخطاط وكان السلطان يتعلم الخط بنفسه أو يمسك دواة الحبر للخطاط فالخط فن جميل وضرورة حياتية ولابد أن يعود لعرشه لأنك عندما تسمع اللغة ثم تراها مكتوبة بخط قبيح تهجر اللغة وتنفر منها فهو رمز للجمال.

هل لك أن تخبرنا ما أنواع الخط العربى؟

كثيرة ولكن المتعارف عليه بيننا ستة خطوط نقوم بتدريسها فى مدارس الخط العربى وهى «الكوفى والنسخ والثلث والرقعة والديوانى والفارسى» والأخير يسمى «التعلى» ومتفرع من كل نوع خطوط أخرى مثلما الحال فى المقامات الموسيقية أو بحور الشعر العربى فهناك الكوفى المزهر والثلث العادى والمحقق ونسخ الصحافة وخط الإجازة الذى يكتب به إجازات حفظ القرآن الكريم بالسند المتصل حتى محمد رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وهو خط يجمع بين النسخ والثلث والخط الديوانى شائع فى القصور الملكية والرئاسية حيث يكتب به براءات شهادات التقدير والأوسمة والنياشين.

وقبل ذلك كان يوجد أربعون نوعا من أنواع الخطوط ذكرها مؤلف «صبح الأعشى» وكان القلم يحسب نوعه بشعرة ذيل الحصان «أربع شعرات أو خمس» ثم صار خط الثلث وكل شيء له آلته عدا الخط العربى آلته ومقاسه فى القلم وبالنقطة الواحدة أو ست نقاط أو خلافه والخط له قاعدة واحدة وقد بدأ عنفوانه مع الأمويين وبالعراق ثم عند المغول لما أسلموا بعد تدمير بغداد وهاجر الناس للشام وتركيا ومصر ومنهم من كان خطاطا فانتشر الخط فى البلاد وأكثر البلاد حفاظا على الخط مصر وتركيا وسوريا والعراق ومن أقاموا له معارض سنوية العراقيون والإيرانيون وقد شاركت بالعراق سنة 1988 فى معرض كبير للخط العربى وللأسف حاليا دول الخليج العربى تسحب البساط من تحت أقدامنا وصارت تنافس العراق وإيران وتركيا فى الاهتمام بالخط العربى.

هل معنى ذلك أن شبابنا هجر فن الخط العربى؟

لا بل يوجد شباب مبشر جدا ولكنهم نجحوا وبهروا العالم بشكل شخصى وبجهد ذاتى وقد شارك عشرون شابا مصريا بمعرض للخط نظمته منظمة المؤتمر الإسلامى فى تركيا وكان الحاصل على الترتيب الثانى على العالم من مصر ونحن لدينا مدارس خط ولكن لا يوجد مدرس خط ومدرس اللغة العربية درس الخط فى الأزهر أو دار العلوم ولكن لابد أن تكون حصة الخط العربى أساسية لحفظ هويتنا وعروبتنا ولغتنا وكتابنا المقدس ويكفى أن نقول إن دولا مثل تركيا وإيران والهند وماليزيا وإندونيسيا وباكستان وهى دول رغم أنها تتكلم بلغاتها لكنها عند كتابة المصحف تكتبه بالعربية وتقرأه بالعربية.

لماذا لا تطالبون وزارة التربية والتعليم بمزيد من الاهتمام بالخط؟

للأسف بعض وزراء التربية والتعليم لم يكونوا يهتمون بذلك مثل وزير تعليم سابق كان يغلق مدارس الخط العربى ولكننا نجحنا فى قيادة حملة كبيرة ضده حتى عادت المدارس مرة أخرى ولكن بدلا من 350 مدرسة صارت 150 مدرسة فقط وبدلا من أجر عشرة جنيهات للحصة صارت خمسة جنيهات وأقدم مدرسة للخط العربى هى مدرسة خليل أغا التى تأسست بها مدرسة الخطوط الملكية سنة 1922 فى عصر الملك فؤاد وظلت هذه المدرسة أربع سنوات لا يحصل المدرسون فيها على حقوقهم ولا أجورهم وظل الأولاد متمسكين بضرورة التعليم ولأن الخط روحنا وحياتنا كنا نعلم الأولاد مجانا!.

هل كتبت المصحف الشريف؟

كتبته متفرقا لأن كتابته مجموعة تحتاج ما لا يقل عن عامين من العمل المتواصل و(الأهرام) لما تريد طباعة مصحف باسمها تعقد مسابقة يتقدم لها نحو عشرين خطاطا وقد كتب لهم الخطاط (محمد أبو قمر) المصحف وطبعوه وقد كتبه ثلاث مرات وزرته فى مرسمه وساعدته للاشتراك فى معرض الخط العربى بالجزيرة وعندنا أساتذة كبار لم يكتبوا المصحف وبعضهم كتبه على كبر مثل الخطاط محمد عبدالمتعال كتبه بعد خروجه على المعاش وظل يكتبه حتى كتب 21 مصحفا حتى بلغ 98 سنة وقد زرته ورأيته كيف يقسم الصفحة 12 قسما ويقسم الخط بالمللى وأنا (أتلكك) مثله كى يمد الله فى عمرى وأكتبه مجموعا ولكن أستاذنا الكبير محمد عبدالقادر لم يكتب المصحف بعكس محمود إبراهيم سلامة كتب المصحف ست مرات وكان رئيسا لقسم الخط بصحيفة الجمهورية وآخر مرة كتبه وعمره 94 سنة على لوحات مقاسها 100 سنتيمتر فى 70 سنتيمترا ومسعد خضير لم يكتبه بل كتبناه معا بالعربى والإنجليزى والفرنسى لحساب شركة كانت تذيعه فضائيا وكان الخط العربى فوق ثم أسفل منه ترجمته بالإنجليزية وأسفل منها ترجمته بالفرنسية ولكنه لم يطبع.

هل أنت متفائل لمستقبل الخط العربى أم متشائم؟

متفائل.. لأنه تعالى قال فى قرآنه: «نون والقلم وما يسطرون».. فالقلم يحتاج لخطاط ونحن تعلمنا أن الخط يساوى الحظ والفرق بينهما نقطة وحاليا عاد الخط لفئات الخاصة وأغلفة الكتب وعناوين المجلات الراقية وقد كرمونى بالشارقة وأنا لا أعرفهم ونحن نقول فى المثل: «الجواب يبان من عنوانه» كما أن اللغة العربية باقية والقرآن باق وهذا هو باب الأمل، فهو أداة حفظ القرآن وقد جاء فى الذكر الحكيم: «ولو أن ما فى الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله» وكلمات الله من 28 حرفا وبالأساس هى 16 حرفا وعندنا أربعة حروف دون نقط وكله من بعضه.

عملت مع كبار الصحفيين فماذا تتذكر حاليا من مواقف معهم؟

عملت مع هيكل وعلى حمدى الجمال وأحمد نافع وأنيس منصور ومكرم محمد أحمد وهو عليه لى لليوم عشرة جنيهات اقترضها منى فى ليبيا وصلاح جلال وصلاح منتصر ومصطفى شردى، فكانوا يقدرون الخط وكان المخرجون للصحف يقدرون الخط وعملت مع صلاح جاهين لما كتب ابن عروس وكتبت غلاف ديوان الأرض والعيال للأبنودى وقد كان صلاح جاهين يتبناه من كل الوجوه وأذكر يوم وفاة كنيدى دخل على هيكل مكتبى بالبنطلون والقميص والشبشب فى قدميه وكانت غرفتنا بين غرفته والقسم الخارجى وطلب منى أن أكتب المانشيت من ثلاثة أسطر الأول بارز وسميك والثانى بارز ورفيع والثالث بارز وسميك وكان «أسطى».

وأذكر وأنا فى أبو ظبى مع مصطفى شردى وكان الرئيس السادات قد وقع معاهدة كامب ديفيد طلب منى شردى أن أكتب كلمة وقع دون شدة وفتحةعلى الواو فبدت «وقع» من الوقوع وهذا معنى سياسى!.

هل هناك ذكريات سيئة مع الخط وإن كانت غير مقصودة؟

مرة أعطونى ورقة فى مجلة أكتوبر لأكتب اسم محرر جديد بالخط فكتبته ناهد التهامى بدلا من باهر التهامى وذلك لسوء خط الورقة التى قدموها لي!.. وهذا نموذج للخطأ غير المقصود لذلك كنت أقوم بتدريس الخط لضباط الداخلية فى دورة متخصصة للخط العربى عندما كانت جوازات السفر تكتب باليد لأن الخطأ غير المقصود كان مكلفا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق