«لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك لبيك».. شعار الحج إلى بيت الله الحرام، تلبية واستجابة إلى دعوة الخليل إبراهيم، بأمر رب العالمين، قال تعالى «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رجالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ
يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ»، حيث تلبى الروح قبل الجسد، والقلب قبل اللسان، والنية قبل العمل، فى رحلة العمر، التى تهفو وتهوى إليها القلوب والأفئدة، بالشوق والحنين، راجية مغفرة وعفو الله والفوز بمحو الذنوب والأوزار والآثام، كما وعد الله به عباده.
الحج المبرور ميلاد جديد، لمن أداه بحقه ومستحقه، متسلحا بتقوى الله عز وجل، وإيمان حقيقى منعكس على كل أقواله وأفعاله، وعلي كل من أراد الحج أن يستعد ويبدأ الرحلة المباركة، وفق منهج الله عز وجل وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم.. حتى يكون حجه مبرورا وذنبه مغفورا وسعيه مشكورا.
ويقول الدكتور علوى خليل أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، إن الله سبحانه وتعالى كتب الحج على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، مرة واحدة كافية لأداء الفريضة، وذلك كما جاء فى الحديث الصحيح، «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ، فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَوْ قُلْتَهَا لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ يعْمَلُوا بِهَا وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، الْحَجُّ مَرَّةً فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّع»ٌ.
وأوضح أن كل من يريد أداء فريضة الحج فعليه أن يعلم علم اليقين أن هذه الفريضة لاتكون مقبولة إلا إذا تحققت فيها سلوكيات إيمانية سابقة على أداء تلك الفريضة، وسلوكيات إيمانية مصاحبة لها مع كل نسك من المناسك، أما السلوكيات الإيمانية التى تسبق الفريضة فتتمثل فى: النفقة التى ينفق منها الحاج على نفسه وهو يؤدى المناسك، بأن يكون مصدر تلك النفقة من حلال ليس فيه شائبة من الكسب الحرام، وقد جاءت الإشارة لذلك الأمر فى قول النبى صلى الله عليه وسلم «إذا خرج الحاج حاجا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز (ركاب الدابة) فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مأجور».
توجيه ربانى
وأضاف: وبالنسبة للسلوكيات المصاحبة لأداء مناسك فريضة الحج، فتتمثل فى الوصية الربانية التى جاءت فى قول الله تعالى «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب» مشيرا إلى أن هذا التوجيه الربانى بالابتعاد عن أى سلوك يدخل تحت الرفث والفسوق والجدال السيىء، اذا التزم به الحاج فى كل مناسك تلك الفريضة، مع تقوى الله عز وجل التى هى خير زاد، لا شك أن ذلك يجعله أهلا لقبول حجه، وأن يحظى بشهادة ميلاد إيمانية جديدة ليس فيها أى شىء من الذنوب والأوزار، وذلك مستفاد من قول الرسول صلى الله عليه وسلم «من حج فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» موضحا أن الحج المبرور طريق موصل إلى مرضاة الله، وثمرة ذلك أن يكون العبد من أصحاب الجنة، ويكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، كما ينال البشرى بالمغفرة التى أعدها الله تعالى لحجاج بيت الله الحرام، وذلك يستفاد من الحديث الشريف «إذا كان يوم عرفة ينزل الله إلى سماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا من كل فج عميق أشهدكم أني قد غفرت لهم..».
تأهيل مسبق
ويشير الدكتور عبدالغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر، إلي أن من أهم الأمور التى ينبغى أن يستعد بها المسلم للحج، أن يتعلم كيفية أداء المناسك، حتى لا يذهب إلى الأراضى المقدسة ولا يعلم عن المناسك شيئا فيضر بنفسه وبالآخرين، وذلك يتحقق من خلال أن يتوجه من أراد الحج إلى عالم دين مشهود له بالعلم الوسطى المعتدل ليشرح له كيفية تأدية المناسك فى سهولة ويسر، بعيدا عن الأمور الخلافية، وحسنا ما تفعله بعض الهيئات وشركات السياحة والنقابات من عقد ندوات ودورات تدريبية عملية على كيفية أداء المناسك قبل السفر لأفراد البعثة من الرجال والنساء، وهذا من شأنه تيسير أداء الفريضة دون عناء، خاصة أن البعثة يكون من بين أفرادها كبار السن وأصحاب الحاجات والأعذار، وثقافات ليست على درجة كافية من الوعى الدينى الخاص بهذه الفريضة، مطالبا الإعلام بتكثيف برامج التوعية المسبقة لتأهيل قاصدى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج.
وأشار إلى انه ينبغي للمسافر للحج أن يبذل بالصدقة والإحسان، ويكف أذاه، وأن يصطحب رفيقا صالحا، وقديما قالوا: «الرفيق قبل الطريق» وعليه أن يتخلى عن الهوى وحظوظ النفس، ويرد ما في ذمته للناس، فلا يسافر قبل أن يقضى كل الحقوق المالية وغيرها التي ظلم بها غيره، ويرد الودائع والأمانات لأهلها.
ويجب على من أراد الحج أن يرضي من خاصمهم، ويستسمح كل من كان بينه وبين غيره شحناء فظلمه بشتم أو غيبة، وأن يتوب من جميع المعاصي والمكروهات، وأن يوفى دينه الذي أتى وقت سداده، وإن لم يمكنه ذلك فليوكل من يوفيه، وأن يكتب وصية، ويشهد عليها، وأن يستصحب كتابا في المناسك يكون صادرا عن المؤسسات الدينية المعروفة مثل الازهر أو وزارة الاوقاف او دار الافتاء، ويديم مطالعته، ويكرره في جميع طريقه، هذا بالنسبة لمن يجيد القراءة، أما من لا يعرف القراءة فعليه أن يكون دائم السؤال لعلماء الدين المصاحبين للبعثة، حتى لا يقع فى محظور من محظورات الحج تؤدى إلى فساد حجه وهو لا يعلم، وإذا أراد الخروج من منزله، فليصل ركعتين لله تعالى، وأن يرضي والديه، ويودع أَهله وجيرانه وأصدقاءه، وأن يتصدق بشيء عند خروجه، وأن يكثر من الأدعية لنفسه ولغيره، وأن يداوم على الطهارة، وأن يجتنب الإكثار في المأكل والمشرب، وأن يحرص على فعل المعروف بكل ما يمكنه، فيساعد غيره بكل وسائل المساعدة إذا تيسر له ذلك، ويسقي الماء عند الحاجة إليه إذا أمكنه؛ لأن أفضل الصدقات ما وافق ضرورة أو حاجة، وأن يجتنب الشح والمماطلة في البيع والشراء، ويستحب له أن يفرغ للنسك فلا يشتغل بتجارة في طريقه، وإن كان ذلك جائزًا، كما ينبغي أن يجتنب ما يفعله بعض الناس من المشاتمة والمخاصمة، خصوصا عند المياه والمواضع الضيقة والزحام، وينبغي أن يستعمل الرفق في الأمور كلها، وأن يذكر الله تعالى في كل مجلس جلس فيه، وفي كل مكان نزل فيه، وله أن يكثر من الشهادة والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل مكان ينزله، ويصلي فيه ما تيسر له في غير أوقات الكراهة، وينبغي أن يحافظ على الصلوات الخمس في أول وقتها مع الجماعة إن أمكنه، فترك صلاة واحدة منها يفوت عليه الخير الكثير, وأن يستكثر من الزاد والنفقة، ليتقي به سؤال الناس، ويواسي منه المحتاجين.
رابط دائم: