رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

صفحات من تاريخ الجامعات..
تمتعت بالحماية مثل الأديرة فى العصور الوسطى

د.حامد عبدالرحيم عيد

الجامعة، هى أكثر من مجرد مركز للتعليم العالى والدراسة. فقد اشتقت كلمة university من اللاتينية: universitas magistrorum et scholarium وتعنى «مجتمع المعلمين والعلماء. وأول من صاغ هذا المصطلح هى جامعة بولونيا الإيطالية، والتى تعتبر أول جامعة إذ تأسست عام 1088. وتعود أصول العديد من جامعات القرون الوسطى إلى المدارس الكاثدرائية المسيحية أو مدارس الرهبانية فى القرن السادس حيث عملت تلك الجامعات كمدارس لمئات من السنين قبل أن تتحول إلى جامعات فى العصور الوسطى. وبسبب الاختلاف الثقافى والتاريخى والهيكلى لا يمكننا أن نحسب مؤسسات التعليم العالى الأخرى التى كانت قائمة فى كل من اليونان القديمة وروما القديمة والإمبراطورية البيزنطية والوطن العربى والهند مقارنة بما كانت عليه الجامعات الأوروبية فى العصور الوسطى.

تعود جذور الجامعات الأولى إلى المدارس اللاتينية، والى شخصيات المحاضرين المشهورين، وميراث أكاديميات أفلاطون والليسيوم لأرسطو. فعندما اعتمدت المسيحية من قبل الدول الأوروبية فى أوائل العصور الوسطى، نشأت مدارس أعطيت فيها جميع المحاضرات باللاتينية، وبالتالى سميت بالمدارس اللاتينية. وكثيرا ما كانت تقع تلك المدارس بالقرب من كنيسة مهمة أو دير. مثلا الحى اللاتينى فى باريس، ولا يزال يسمى ذلك الاسم حتى اليوم، يعود أسمه إلى العديد من المدارس اللاتينية الموجودة هناك. لم تنشأ الجامعات المبكرة فى أوربا من تحول المدارس اللاتينية. ولكنها نشأت لأن المحاضرين فى هذه المدارس قد حصلوا على ترخيص من قضاة المدينة وسلطات الكنيسة لإعطاء محاضرات عامة. هؤلاء المحاضرون تمكنوا من أن يحققوا شهرة فى جميع أنحاء أوروبا، وجذب طلاب من كل ركن من أركان القارة. واحد من هؤلاء المحاضرين هو بيار أبيلارد (Pierre Abelard (10791142) غالبا ما كان ينظر إليه على أنه منشئ لجامعة باريس التى تم إنشاؤها بعد 60 عاما من وفاته فى عام 1200 كما كتب بير دينى Père Denie، الذى أرخ لجامعة باريس، حينما كتب فى عام 1889يقول: «على الرغم من أن أبيلارد كان يدرس قبل فترة طويلة من انشاء جامعة باريس، فإن طريقة تعليمه للعلوم، وقبل كل شيء علم اللاهوت والفنون الحرة، ظلت هى النموذج الذى أتبعته الجامعة المستقبلية.

لم يتم تأسيس الجامعات فجأة. فقد نشأت خطوة خطوة، حيث فرضت السلطات المدنية أو الكنسية على ما يطلق عليه المدرسة ومن ثم أصبحوا بعد ذلك هم رعاته وحماته. ولم يكن لدى العديد من المؤسسات سوى مدرسة واحدة أو مدرستين؛ وعلى سبيل المثال، بدأت جامعة باريس بمدارس فى الفلسفة واللاهوت فقط وكانت تسمى فى البداية مدرسة عامة studium generale، ثم أصبحت فى وقت لاحق جامعة، وقد مالت الجامعات الإيطالية أكثر إلى التخصص فى القانون، والإسبانية فى الطب. ويمكن تفسير ذلك من خلال التقاليد الرومانية فى القانون والمعرفة الإسبانية للطب التى وصلت اليهم من الأطباء العرب. لم يكن لها أن تستمر دون بركة البابا وموافقة السلطات المدنية؛ فكلاهما كان يعطى امتيازات كبيرة. وقد فضل الباباوات فى ذلك الوقت التطور والتعلم لأنهم كانوا يعتقدون أن هذا هو لمجد الله وخير الكنيسة. علاوة على ذلك، فإنهم اعتبروا التعلم والتعليم أفضل الأسلحة ضد الهرطقة. وهكذا كانت الجامعات أداة للحفاظ على الإيمان؛ وكان تفضيل الباباوات الجامعات لثلاثة أسباب: لانهم كانوا يرغبون فى تعزيز مواقفهم.. كعقيدة وسط المعتقدات المتناقضة لمختلف الأوامر الدينية والعلماء، والمعنيين لمواصلة المعركة ضد انتشار البدع. ثانيا:لتعزيز القوى البابوية المركزية ضد تطلعات القوى الدنيوية، وأخيرا لأنهم كانوا مهتمين بتجنيد العلماء كموظفين. حيث يصبح العلماء كرادلة. وقد كان كل من البابا سلستين الثانى، البابا سلستين الثالث (1198-1208) والكسندر الثالث (1159-81) جميعا تلاميذ للفيلسوف أبيلارد.

انتشرت الجامعات تدريجياً فى أنحاء العالم، وأصبحت مؤسسات بارزة للتعليم فى كل مكان. وحدث ذلك وفقا لتسلسل زمنى كما يلي: أوروبا الغربية: منذ القرن الحادى عشر\القرن الثانى عشر الميلادى، أوروبا الشرقية: منذ القرن الرابع عشر\القرن الخامس عشر الميلادى، الامريكيتان: منذ القرن السادس عشر الميلادى، أستراليا: منذ القرن التاسع عشر الميلادى، أما آسيا وإفريقيا: فقد بدأ ذلك منذ القرن التاسع عشر\القرن العشرين الميلادى، عدا الفلبين التى أسست جامعة سانتو توماس وجامعة سان كارلوس فى القرنين السابع عشر والقرن السادس عشر الميلاديين على التوالى.

فى 425 م تأسست جامعة القسطنطينية أو جامعة قاعة قصر مانوورا (باليونانية:)[9] كأول جامعة فى مدينة القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية من قبل الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى. وتضمنت كليات ومدارس فى الطب، والفلسفة، واللاهوت المسيحى والقانون. وكانت تعلم نصوصا أدبية وفلسفية وعلمية فى المناهج الدراسية. بالرغم من افتقار المراكز التعليمية البيزنطية إلى بنية جامعات القرون الوسطى فى أوروبا الغربية. وفى العام 737م أنشأت جامعة الزيتونة كأقدم الجامعات فى العالم الإسلامى فى تونس المدينة فى عهد الخلافة الأموية فى دمشق. وكانت تقدم دروسا دينية (فقه مالكى، حديث وقرآن) وكذلك دراسات أدبية وعلمية حسب المؤرخ حسن حسنى عبدالوهاب، وقد درس فيها بين 734 و741 ابن خلدون وأخوه يحيى بن خلدون. ومن طلبتها المعاصرين محمد الطاهر بن عاشور، الطاهر الحداد، عبدالعزيز الثعالبى وأبو القاسم الشابى. وفى عام877م أنشئت جامعة القرويين فى فاس فى المغرب وتعتبر أقدم جامعة فى العالم لا تزال عاملة إلى الان و بدون انقطاع حسب تقييم اليونسكو وموسوعة جينيس على أنها لم تعتبر جامعة إلا فى القرن الثالث عشر، وتعتبر جامعة القرويين أول مؤسسة علمية أنشأت الكراسى العلمية المتخصصة والدرجات العلمية فى العالم. وفى العام 970م أنشأت جامعة الأزهر فى القاهرة فى مصر فى عهد الخلافة الفاطمية تحت حكم المعز لدين الله.

منذ القرن الحادى عشر انتشرت الجامعات بسرعة فى أوروبا. جامعة بولونيا قدمت ميثاقها فى 1158 وتعتبر أقدم جامعة فى العالم. وفى عام 1200، تأسست جامعة باريس، تلتها أكسفورد، ثم كامبريدج، أريزو، بالنسيا، بادوا، نابولى وغيرها. وفى نهاية القرن الثالث عشر كان هناك حوالى 20 جامعة وفى القرن الرابع عشر تم تأسيس 25 أخرى، بما فى ذلك الجامعة الألمانية الأولى، وفى عام 1347 تأسست جامعة براغ، (براغ فى ذلك الوقت كانت جزءا من الإمبراطورية الألمانية). ولقد شهد القرن السادس عشر تأسيس العديد من الجامعات الجديدة، التى حفزتها دعوات الإصلاح وضد الإصلاح (الجامعة اليسوعية). تدريجيا، أصبحت الجامعات أكثر من أدوات الطاعة. وفى القرن الخامس عشر، أحرزت جامعة سالامانكا خطوات كبيرة فى الوجود، مما مكن كولومبوس فى نهاية المطاف من القيام برحلته لاكتشاف أمريكا. وقامت بتدريس النظام الكوبرنيكى بينما كان جاليليو فى السجن.

ففى 1088 أنشئت جامعة بولونيا بأيطاليا كأول جامعة بالمفهوم المتعارف عليه، تلتها جامعة باريس فى 1150 والتى تعرف غالبا بجامعة السوربون على اسم روبرت دو سوربون وقد نشأت عنها 13 جامعة مختلفة تحمل ثلاثة منها أسم سوربون. أما فى أنجلترا وفى عام 1167 افتتحت جامعة أوكسفورد ويحكى أن هنرى الثانى ملك انجلترا قد منع الطلاب الانجليز من الالتحاق بجامعة باريس لكى يلتحقوا بأكسفورد. وفى 1209 أسس بعض من خريجى جامعة أوكسفورد جامعة جديدة هى جامعة كامبريدج. وفى عام 2018 بأسبانيا أنشئت اول جامعة أسبانية وهى جامعة سلامنكا وما زالت تعمل حتى اليوم، وهى الأولى التى تحصل على لقب «جامعة»؛ عندما منحها هذا اللقب ألفونسو العاشر ملك قشتالة وليون والبابوية الكاثوليكية عام 1254. ونعود الى أيطاليا حيث أسست عام 1222 جامعة بادوا، وبعدها باثنى عشر عاما وفى 1224 أسست جامعة نابول وهى أول جامعة عامة، أسسها الامبراطور فريدريك الثانى امبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة. ويتوالى تأسيس الجامعات الاوروبية، ففى 1229 تم تأسيس جامعة تولوز، وفى 1240 فى ايطاليا جامعة سيينا، وفى 1241 أسست جامعة بلد الوليد فى أسبانيا وبعدها جامعة كمبلوستى بمدريد عام 1293، وفى عام 1289 وفى فرنسا أنشئت جامعة مونبلييه. أما البرتغال فكانت جامعة لشبونة أول جامعة يتم تأسيسها عام 1290 فى عهد البابا نيكولا الرابع. وفى بوهيميا بجمهورية التشيك أنشئت جامعة تشارلز فى براغ عام 1348 انضمت للجامعة اليسوعية وأعيدت تسميتها لتصبح «جامعة شارل فيرديناند» عام 1652، ثم انقسمت إلى جزءين ألمانى وتشيكى عام 1882. أغلق الفرع التشيكى أثناء الاحتلال النازى. وفى النمسا نشأت جامعة فيينا 1365. وكانت جامعة هايدلبرج بألمانيا أول جامعة المانية أنشأها روبرت الأول (أمير جرماني) عام 1386، تلتها جامعة لايبزج عام 1409، ثم جامعة روستوك 1419 وقد أغلقت الجامعة الكاثوليكية فى روستوك لفترة طويلة خلال فترة الإصلاح البروتستانتى، وكانت إعادة فتحها بمثابة تأسيس جديد. وفى 1457 تأسست جامعة فرايبورج، ثم جامعة ميونيخ عام 1472 تحت أسم جامعة لودفيش ماكسيميليان فى ميونخ، وفى 1477 جامعة توبنجن. أما فى سويسرا فكانت جامعة بازل والتى تعتبر أقدم جامعاتها وتأسست فى 1460، وبعدها تأسست جامعة أوبسالا فى السويد عام 1477، وجامعة فى الدنمارك 1479، وجامعة أبردين فى اسكتلندا 1495.

كان هناك نموذجان من الجامعات. جامعة بولونيا وكانت توصف «بالجامعة الطلابية» كان الطلاب يستأجرون الأساتذة. أما جامعة باريس فكان يطلق عليها «جامعة الأستاذ»، وكان الأكاديميون هم القوة المهيمنة. أما بولونيا وباريس فقد كانا نموذجين رائعين من جامعات العصور الوسطى.

وعادة كانت الجامعات الجديدة ما تعتمد بشكل كبير على الأساتذة من الجامعات العالمية القائمة؛ عندما قاموا بنسخ نموذجهم من النموذج الأصلى، حيث أتى معظمهم من جامعة باريس. لقد أنتشر العلم من خلال حياة العلماء والطلاب فى ذلك الوقت. ولقد سهلت اللغة اللاتينية، كلغة مشتركة، عمليات النقل هذه، وكذلك روح الجامعات التى شكلت تقريبا اتحادا غير رسمي: «تيارا أقوى من التنافس الوطنى الحالى هو الذى جمع شمل جميع الجامعات فى أوروبا فى نوع من الاتحاد»، وذلك بفضل حقيقة مهمة أن «الجامعات الأوروبية هى بنات لجامعة باريس».

باختصار، يمكننا أن نقول إن الجامعات فى العصور الوسطى كانت مؤسسات قوية فى حد ذاتها وفى الحماية التى تمتعت بها من قبل الدولة والكنيسة على حد سواء. وكانوا «دولا داخل الدولة»، ولديهم العديد من الامتيازات بما فى ذلك قانونهم وولايتهم، وبالفعل وعلى غرار الأديرة، وبفضل اللغة اللاتينية كلغة مشتركة، شكلوا اتحادا غير رسمى.

وكانت الزمالة أقوى من المنافسة، واستمرت هذه الروح. وبفضل «حرياتهم الأكاديمية» وعقولهم المستقلة، غالبا ما كان يحدث تعارض من الرؤساء مع التعاليم العائلية للكنيسة، ولكن هذا لم يكن يعوق الجامعات من استكشاف مسارات جديدة فى العلوم والإنسانية. بيد أن الهدف الرئيسى لجامعة العصور الوسطى لم يكن السعى وراء معرفة جديدة، بل «حماية حكمة الماضى وتعليم الطاعة لمذاهب الكنيسة».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق