تمثل منطقة «كهف الجارة» الواقعة على طريق الفرافرة ديروط جزءا من التاريخ الجيولوجى المهم الذى عكس التغيرات المناخية التى تعرضت لها الصحراء الغربية خلال العصور الجيولوجية القديمة وتميزت بفترات مطيرة وأخرى جفاف، كما أنها من أهم المواقع المهمة والمتفردة بتكوينات جيولوجية متميزة ليس فقط على المستوى المحلى بل على المستوى العالمى، فهى تحظى بأهميتين تاريخيتين أولهما ضارب فى أعماق التاريخ إذ تحتضن كهفين عمرهما تجاوز الخمسين مليون سنة أى منذ العصر الجيولوجى الأيوسينى، وثانيهما أن اكتشافهما كان على يد العالم الألمانى الشهير جيرهارد رولفز منذ أكثر من 150 عاما وتحديداً عام 1873، ورغم وجود ملف علمى وبحثى كامل عنها وماتتمتع به من أهمية وحاجتها الملحة للحماية بإعلانها محمية طبيعية خاصة بعد أن بدأت أيادى العبث والإهمال تمتد إليها، إلا أن إعلانها من جانب مجلس الوزراء لم يتم حتى الآن، الأمر الذى بات لغزاً محيراً لدى العلماء والباحثين والخبراء بل ورواد السياحة الجيولوجية وعشاق التراث والطبيعة.
وعبر التقرير العلمى والفنى الذى أعده الجيولوجى الدكتور أحمد سلامة رئيس قطاع حماية الطبيعة السابق بوزارة البيئة ـ ومستشار الوزارة الحالى، نقف على عدة حقائق مهمة تمنح هذا المنطقة جدارة واستحقاقا لتتبوأ مكانها فى قائمة محميات مصر الطبيعية بل وكموقع تراث طبيعى عالمى.
موقع على الطريق
ويوضح التقرير أن منطقة «كهف الجارة» تقع على طريق ديروط الفرافرة الجديد الذى تم إنشاؤه ضمن شبكة الطرق القومية، ويمر بهضبة الصخور الجيرية الممتدة مابين محافظة اسيوط شرقاً وواحة الفرافرة غرباً، ويبعد الكهف مسافة نحو 110 كم من مدخل مدينة ديروط على طريق أسيوط الغربى، بينما يبعد نحو 181 كم من واحة الفرافرة ويبعد الكهف الكبير عن مسار الطريق بمسافة نحو 1100م، والكهف الصغير يبعد عن مسار الطريق بنحو 250 م.
وأشار إلى أن من أهم العناصر التى تحتضنها المنطقة «هضبة الجارة» وهى من عصرالأيوسين الجيولوجى وتكاد تكون شبه مستوية حيث يتراوح ارتفاعها فى المتوسط حوالى 250 مترا وتشغلها بعض التلال الصغيرة والمنخفضات والتى تتكون من صخور من الحجر الجيرى ويرجع عمرها إلى أكثر من 50 مليون سنة تقريباً، وقد ترسبت نتيجة تغطية بحر التيسيز (البحر المتوسط حالياً) مناطق شاسعة من الأراضى المصرية، ويوجد بصخور الحجر الجيرى بعض التكوينات كروية الشكل يطلق عليه(الدرنات)، كما تنتشر على سطح الهضبة بعض الكثبان الرملية الطولية والهلالية وأكبرها «غرد أبومحرك»، ويقطع الهضبة بعض الأودية الجافة التى تمثل المجارى المائية القديمة أثناء الفترات المطيرة وتنتشر بعض أشجار السنط على سفوح هذه الهضبة فى أماكن متفرقة وقد تم حصر أكثر من 5 مواقع تنمو بها تلك الأشجار.
كهف الجارة
وأوضح التقرير أن طول «كهف الجارة» الكبير يبلغ 40 مترا وعرضه 25 متراً وارتفاع سقفه 10 أمتار، ويتكون من غرفتين تزحف عليهما الرمال وتتساقط بداخلهما،الغرفة اليمنى ذات شكل بيضاوى وبها فتحة يبلغ عرضها 270 سم وارتفاعها 1190 سم، ولها أشكال زخرفية متعددة،وارتفاع فتحة الغرفة اليسرى 70 سم وطولها 28 متراً وعرضها 13 متراً وارتفاع سقفها 180 سم، وأحجام الأشكال الزخرفية بها أقل من الأولى، والكهف الصغير يقع تحت سطح الأرض وعبارة عن حجرة واحدة طولها حوالي13 متراً وعرضها 10 أمتار ويتميز بوجود فتحة دائرية قطرها 1متر تقريباً،ويزيد عمقه عن 12 مترا.
روائع التكوينات الجيولوجية
مؤكدا أن هذه الروائع تجسدها أشكال الصواعد والهوابط والتى تكونت خلال العصور السحيقة بفعل تساقط قطرات الماء على سقفى الكهفين فتذيب كربونات الكالسيوم وتتشبع بها فتنمو مكونة الصواعد بسقف الكهفين أو تسقط مكونة الهوابط داخلهما أو بأرضيتهما متخذة شكل أعمدة توجد بأحجام كبيرة تصل أطوالها إلى 7 أمتار وتتكون عند اتصال الصواعد بالهوابط، كما يحتوى الكهف على أنواع مختلفة من الزخارف منها الأنبوبية التى تشبه الستائر والأشكال المخروطية التى تشبه الجزر، كما يوجد العديد من الشلالات والتى تكونت نتيجة انسياب المياه المحملة بالمواد الكربوناتية الكثيفة من خلال الحوائط.
التراث الثقافى
كما توجد بالمنطقة شواهد بارزة على التفاعل بين الإنسان وبيئة الصحارى وخلال التغيرات المناخية، كما أن وجود بعض النقوش على حوائط مدخل الكهف ربما تنتمى للمرحلة المبكرة للرسومات الصخرية، وهى عبارة عن نقوش محفورة للحيوانات البرية مثل النعام والوعل النوبى والأبقار تشير إلى أن منطقة الصحراء الغربية خلال 10000 سنة قبل الميلاد كانت تغطيها السافانا وتتعرض للأمطار،أيضاً يوجد بقايا فخار متميز تحكى تاريخ تطور هذه الصناعة خلال فترات ما قبل الميلاد حيث قام المصرى بتسجيل كل مايتعلق بحياته البسيطة من غرائب وحيوانات واساليب الصيد، ثم تلا ذلك تسجيل تاريخه باستخدام الحفر على الصخور، فقام بحفر اشكال الحيوانات والبشر على جدران الكهوف كما ترك أدواته البدائية وأسلحته فى أقصى جنوب الغرب بمنطقة الجلف الكبير وجبل عوينات.
كهفا الجارة والحماية
كما أشار التقرير أيضا إلى أن الكهف يقع فى منطقة نائية وتتطلب الوصول إليه سيارات دفع رباعى وكان أغلب الزائرين من الأجانب وقليل من المصريين وتتم عن طريق مرشدين سياحيين وأدلة لهم خبرة بالطرق الصحراوية.. إلا أن إنشاء الطريق الجديد الذى أصبح قريباً من الكهفين أدى إلى زيادة الضغوط عليهما،كما أن وجود العاملين مما ليس لديهم خبرة ولاوعى بأهمية النفائس الجيولوجية والثروات الطبيعية، ونظراً لعدم وجود رقابة عليها أدت إلى تشوية المناظر الطبيعية بالكتابة على الجدران للكهف واستخدامه كمأوى أثناء تنفيذ أعمال الطريق،كما يقوم بعض الأفراد بقصد أو بغير قصد بالكتابة على الصخور والتى تؤدى إلى تشويه المناظر الطبيعية والتى تمثل مواقع جذب للسياحة الترفيهية والعلمية ـ كما يقوم بعض الأفراد بجمع وتكسير الصواعد والهوابط بهدف استخدامها فى تزيين المنازل أو الاحتفاظ بها كتذكار، كذلك جمع وفقدان الكثير من أدوات إنسان ماقبل التاريخ دون ان يتم دراستها وتؤدى إلى فقد الذاكرة والمعرفة بالماضى حيث إن هذه الصحراء بما تضمه من تراث تاريخى وحضارى تمثل كتابا مفتوحا لحياة المصريين القدماء، كما أن وجود بعض الخامات مثل الحجر الجيرى والألباستر بالمنطقة والتى كان يصعب استغلالها قبل وجود الطريق بمحافظة الوادى الجديد سيجعل منها مناطق جاذبة للأنشطة التحجيرية والتى ربما تؤدى إلى تدمير تلك الموارد الطبيعية بالكهوف والتى لايمكن تعويضها إذا لم يتوافر لها الحماية الكافية والتوعية اللازمة.
رابط دائم: