رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الفلسفة بين إمام عبدالفتاح إمام وزكى نجيب محمود

د. بهاء درويش

لم أكن قد التقيته من قبل حين دعانى لزيارته فى منزله بالجيزة بعد عودته من غيبة طويلة عن مصر. كان انتظارى واشتياقى للقائه مبعث سرور لا يعادله سرور. كيف لا وهو من علَّم كل دارس الفلسفة من أبناء جيلى والأجيال التالية أصعب فلسفة ظهرت فى العصر الحديث وهى فلسفة جورج فيلهلم فريدريش هيجل (1770- 1831) ربيب المثالية الألمانية، إحدى أبدع وأصعب الأنساق الفلسفية فى تاريخ الفكر الإنسانى. لقد قضى الرجل من عمره ردحاً ليس بالقليل يؤلف عن هيجل ويترجم له. لذا كان من الطبيعى أن تختار سلسلة الدراسات الفلسفية التى أصدرتها دار المعارف بمصر كتابه «المنهج الجدلى عند هيجل» لنشره ضمن هذه السلسلة.

دعانى «ليتعرف على» على حسب كلماته- بعد أن رشحنى أستاذى الدكتور حبيب الشارونى أستاذ الفلسفة جامعة الإسكندرية وعضو لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة آنذاك- لأشارك فى ترجمة سلسلة من الكتب الفلسفية هى أقرب للموسوعة منها أن تكون كتاباً- وهى «تاريخ الفلسفة لفريدريك كوبلستون- كانت لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة قد قررت القيام بترجمتها، تحت إشرافه، باعتباره أحد المراجعين لها. استقبلنى فى غرفة مكتبه هاشاً باشاً، وهى الغرفة- أو الصومعة- التى كان لا يكاد يغادرها طالما كان فى المنزل، وهو ما يعرفه عنه كل المقربين منه. أهدانى بعض الكتب التى أنتجها ترجمة أو تأليفاً- واستمع إلى طويلاً. كان يحب الاستماع للآخرين أكثر من حديثه هو. كان فيما قلته له أن اقترحت عليه ترجمة أحد الكتب التى كنت وما زلت- أراها من الكتب المهمة لقارئ العربية، ألا وهو كتاب الفيلسوف الانجليزى ألفريد جولس آير «الفلسفة فى القرن العشرين» الذى صدر بالإنجليزية عام 1982م. كنت ومازلت - أرى أهمية هذا الكتاب تكمن فى أنه عرض رائع يحتاجه قارئ العربية لفلسفات القرن العشرين مكتوباً بيد فيلسوف وليس مؤرخاً. أهمية هذا الأمر أن الكتاب مقدم بطريقة نقدية دخل فيها المؤلف فى حوارات مع الفلسفات المعروضة زادتها عمقا وتشويقاً، يمكن للقارئ المهتم أن يقرأها وأن يدخل معها هو أيضاً فى حوار. وكان أن اقتنع قائلا «على بركة الله» وهو الكتاب أو الترجمة- التى أشرف بأنها رأت النور باسمى كمترجم وباسم أستاذنا د. إمام عبدالفتاح كمراجع وذلك عام 2005م، تسبقها دراسة طويلة عن هذا الفيلسوف. كان هذا الكتاب أحد إنتاجاتى التى حصلت بها على درجة الأستاذية فى الفلسفة.

كتب د. إمام عبدالفتاح عن هيجل « المنهج الجدلى عند هيجل»، « تطور هيجل الروحى»، «دراسات فى الفلسفة السياسية عند هيجل»، « تطور الجدل بعد هيجل». ولم يكتف أستاذنا بهذه الكتب المؤلفة ولكنه ترجم لهيجل «فلسفة التاريخ»، «أصول فلسفة الحق»، « محاضرات فى تاريخ الفلسفة»، «موسوعة العلوم الفلسفية»، كما ترجم مختصرا موجزا لكتابه الأثير الذى قدم فيه فلسفته حول (المطلق)، وهو كتاب «ظاهريات الروح»، وبالتالى كان بحق أفضل من قدم هيجل لقارئ العربية. وبالإضافة إلى هذه الكتب، عُرف د. إمام عبدالفتاح بكتاباته المتنوعة الأخرى وأشهرها وأهمها «الطاغية»الذى نشرته سلسلة عالم المعرفة التى تصدر من الكويت عن المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب.

رغم آراء د. إمام عبدالفتاح المستنيرة والسابقة لعصرها، ورغم أنه من أبرز تلاميذ زكى نجيب محمود، إلا أنه اختلف عن أستاذه فى نقطة أراها جوهرية ألا وهى عدم الخروج إلى المجتمع من خلال الصحف أو المجلات أو وسائل الاعلام. كان زكى نجيب محمود يكتب كل ثلاثاء فى جريدة الأهرام مقاله الأسبوعى، كما كتب مقالات عديدة فى مجلة الهلال والفكر المعاصر، والعربى الكويتية. فلا تكاد تفتح مجلة شهرية، أو جريدة يومية إلا ويطلع عليك زكى نجيب محمود بفكره، فارضاً نفسه على جمهور القراء، ناشراً فكره بين أكبر عدد من القراء. أما د. إمام عبدالفتاح فكان معظم إنتاجه كتباً مؤلفة أو مترجمة- فليس له من الأبحاث إلا القليل، ولا يكاد يعرفه قراء الصحف أو المجلات. من هنا فإنه من الصعب القول إنه كان صاحب تأثير فى الشارع المصرى أو فى المثقف العام، أو يعرفه غير دارسى وقارئى الفلسفة. هذه النقطة على كل حال مثار خلاف معروف بين المتخصصين فى فروع العلوم المختلفة: هناك منهم من يرى أن تبسيط ميدان المعرفة الخاص به والنزول به للقارئ أو المثقف العام ليس إلا تضييعا لوقته والأولى به أن يعطى هذا الوقت لأبحاثه ودراساته التى تفيد أهل التخصص. بينما يرى الفريق الثاني- وأنا منهم- أن جزءاً أساسياً من عمل الأستاذ الأكاديمى هو التأثير فى المجتمع من خلال التخصص العلمى، سواء أكان هذا التأثير من خلال الظهور فى وسائل الإعلام وتوعية الجمهور، أو من خلال المقالات العامة أو الندوات المفتوحة التى تفيد أكبر شريحة ممكنة من القراء. فما بالك وأستاذ الفلسفة هو أستاذ فكر بالدرجة الأولى، إن لم يكن هو من يقوم بتوعية وتبصير الجمهور العام بالفكر المستنير وغير المستنير، وبتعليم الناس كيف تفكر، فمن إذاً يقوم بهذه المهمة.

ربما ما دعا د. إمام لذلك هو أنه عاش عصر تقديم الفلسفة من خلال الكتب، فلم يقصد الابتعاد عن الجمهور، بدليل أنه فى سنواته الأخيرة عندما دُعى لتقديم ندوة من خلال مؤسسة «مؤمنون بلا حدود» يتحدث فيها عن « الفلسفة والعقل العربى»، قبل ذلك على الفور. وكذلك فعل عندما دعاه منتدى العلاقات العربية والدولية للحديث عن تجربته فى الترجمة 2015 وكلاهما منشور على قنوات اليوتيوب. رحم الله الأستاذ الفقيد، لقد أثر فى طلاب ومحبى الفلسفة تأثيراً كبيراً وعميقاً، وموته جعلنا نشعر أن غصناً رئيساً كنا نستظل به قد سقط وأن تعويضه ليس بالأمر الهين.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق