ربما تثير تلك الدراسة التى أعدها الدكتور تامر عبدالعزيز أبو الخير الخبير الاقتصادى وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى، العجب لدينا، حيث تثبت بالأرقام كيف أن إقامة بطولة كأس الأمم الإفريقية على أرض مصر عام،2019 كحدث اقتصادى لا يقل أهمية عن منح صندوق النقد الدولى قرضا لمصر قيمته 12 مليار دولار، فإن كان قرض الصندوق منحنا الثقة فى الاستثمار والتجارة والصناعة وكان بمثابة شهادة منه للاقتصاد المصرى، كذلك فإن إقامة البطولة تعطى الثقة لمصر فى قدرتها على التأمين والتنظيم وتوفير البنية التحتية اللازمة وملاءمة الأجواء للسياحة بالمدن المصرية التى تقام بها البطولة، فضلا عن أن هذا الحدث الرياضى، دل على أن مصر بلد الأمن والأمان ومنح الثقة فى القيادة السياسية، حيث يتزامن مع رئاسة مصر الاتحاد الافريقى بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى.
.......................................
تؤكد الدراسة أن البطولة الحالية تتميز عن البطولات الإفريقية السابقة فى شيئين جديدين، أولهما عدد المنتخبات المشاركة، فلأول مرة تشارك 24 دولة، والأمر الثانى تغيير موعد البطولة، حيث كانت تقام فى يناير وفبراير، إلا أن إقامة البطولة فى يونيو ويوليو، سيكون له عظيم الأثر على الجمهور المصرى، وتمت أول مظاهر النجاح فى آلية حجز التذاكر ونظام FAN ID باستخدام الوسائل التكنولوجية والإنترنت، مما يعنى رفع مستوى ثقافة المشجع المصرى.
واختيار مصر لتنظيم البطولة من CAF لم يأت من فراغ، ولكن لما تتمتع به مصر من مميزات تجعلها قبلة الرياضة الإفريقية مستقبلاً، حيث إن العديد من الدول تسعى لتنظيم البطولات العالمية للاستفادة من إعادة احياء بنيتها التحتية وانشاء الطرق والكبارى الممهمدة للمدن والاستادات التى تستضيف تلك البطولات وإنشاء البنية الرقمية لتلك الأحداث، إلا أن مصر منذ بداية دخولها خطة الإصلاح الاقتصادى فى 2014، قامت بتمهيد وإنشاء ما يقرب من 5000 كم طرق وانشاء 24 مدينة جديدة وتطوير بنية تحتية معلوماتية ورقمية كبيرة تمهيدا لرؤية مصر 2030.
فما قامت به أدى إلى إشادة المنتديات والمحافل الدولية بها، حيث أشار المنتدى الاقتصادى العالمى GCI Index فى تقاريره السنوية إلى تحسن مؤشر تنافسية فى الركائز الثلاثة ومحددات التنافسية الاثنى عشر، فقد تحسن مؤشر المتطلبات الأساسية إلى الترتيب 106 عام 2017/2018، كما تحسن مؤشر محفزات الكفاءة من 100 إلى 87 خلال نفس الفترة وفى نفس العام تحسن مؤشر عوامل وتطوير الأعمال والابتكار من 111 إلى 101. فيما يخص مؤشر البنية التحتية فقد تحسن المؤشر من 96 إلى 71، وكذا مؤشر المؤسسات من 78 إلى 64.
وبمقارنة ما قامت به مصر ذاتيا دون الدخول فى البطولة، فمن المتوقع أن يشمل حجم الإنفاق، صيانة الاستادات وتجهيزها، وتكاليف صيانة الطرق والمناطق المحيطة بها، وتكاليف الأمن والتى تتطلب مجهودا أكبر لحماية الفرق والمشجعين والخطوات الاستباقية لمنع أى محاولات لتعكير صفو هذا الحدث الرياضى القارى، وتكاليف اللجنة المنظمة وما قامت به دول أخرى استعدادا لبطولات عالمية لكرة القدم، فقد أنفقت غينيا والجابون عام 2012 ما يقدر بـنحو 105 ملايين دولار لتنظيم البطولة وفى عام 2017 انفقت الجابون ما يقرب من 569 مليون دولار، وهناك تقديرات بأن فارق الإنفاق بين الفترتين وصل 1٫2 مليار دولار.
أما على المستوى العالمى، فقد أنفقت روسيا قرابة 22 مليار دولار من بنية تحتية وطرق وفنادق وتكنولوجيا رقمية لاستقبال بطولة كأس العالم 2018 وقامت البرازيل بإنفاق نحو 11 مليار دولار 2014، فى حين أن جنوب إفريقيا كانت تتوقع إنفاق 4٫3 مليار دولار لكأس العالم 2010، ويعد كأس العالم من بين الطرق إلى التنمية المستدامة، فقد انتعش الاقتصاد البرازيلى بعد مونديال 2014 بنحو30 مليار دولار، بينما كانت عائدات مونديال 2010 بجنوب إفريقيا 5 مليارات دولار.
وعندما قامت إيطاليا بتنظيم كأس الأمم الأوروبية 2016 كان المتوقع أن تحقق إيطاليا عائدا 326 مليون يورو تقريبا بهامش ربح يصل 56 مليونا بعد خصم التكلفة التى تتحملها الدولة فى التنظيم والتى وصلت 270 مليون يورو تقريبا.
وفيما يخص العائد لدينا فى بطولة كأس الأمم الإفريقية 2019، فمن المتوقع أن تصل عائدات البث الفضائى للمباريات -التى يضمنها كاف لمصر- أن تصل 21 مليون دولار فى حالة وصول المنتخب المصرى لنهائى البطولة، أما فى حالة عدم الوصول، فقد تصل عائدات البث 17 مليون دولار، كما تحصل مصر على 20% من كل العوائد التى يحصل عليها الاتحاد الإفريقى من وراء البطولة، كذلك كسر عقدة البث الفضائى بالبث الأرضى، كان من أهم العائدات، حيث حد البث الأرضى من الاحتكار الذى انتهجته بعض القنوات الفضائية طوال العقود الرياضية السابقة وتعد سابقة فى تاريخ التليفزيون المصرى.
كما يتوقع أن يشهد قطاع السياحة الذى يضم 3 ملايين من العاملين، رواجا خلال فترة وجود المنتخبات الإفريقية وجماهيرها والوفود والشركات الراعية والمشاركة فى البطولة، حيث توقع الخبراء انفاق ما يقرب من 1000 دولار لكل فرد من الجمهور المشارك، فضلا عن انتعاش السياحة الداخلية.
أما عن الاستهلاك والإنتاج، فمن المتوقع زيادة حجم الاستهلاك فى مصر نظير وجود جماهير 24 دولة إفريقية، مما يتطلب زيادة حجم الإنتاج وتغيير أنماطه، ويستفيد من هذا الإنفاق قطاعات الطيران والنقل البرى والسكك الحديدية والمحال والمولات التجارية، بالإضافة لزيادة الحصيلة الضريبية للقيمة المضافة على السلع والخدمات التى تقدم للجماهير الموجودة قبل وأثناء وبعد البطولة.
والمتوقع كذلك خفض معدل البطالة خلال فترة البطولة، نتيجة لارتفاع أعداد العمالة المباشرة وغير المباشرة المشاركة فيها.
وتعد العائدات غير المالية أكبر من العائدات المالية، وأهمها التصديق على الثقة التى منحها المجتمع الدولى لمصر وقيادتها السياسية، كما تعد تنظيم البطولة فى شكلها الجديد لـ24 منتخبا فى 6 مجموعات، فرصة ممتازة لتقديم عرض يليق بمصر لتنظيم كأس العالم بزيادة مجموعتين فقط، ومشاركة الشباب من الجنسين بصفة خاصة فى استقبال الوفود والمشاركة الفعالة فى العملية التنظيمية، تعزز الفخر الوطنى والتماسك الاجتماعى وترفع درجة الانتماء.
رابط دائم: