رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«البرقيات السرية» توتر العلاقات الأمريكية ــ البريطانية

رسالة لندن - منال لطفى
كيم داروش

صفتان لا يعرفهما الرئيس الأمريكى دونالد ترامب هما: النسيان والصفح. فجلده غير سميك وهو لا يتحمل أى انتقاد، وبالتالى لابد وأن السير كيم داروش السفير البريطانى فى أمريكا يدرك الآن أن أيامه فى واشنطن باتت معدودة.

فالرئيس الأمريكى إعتبره عمليا «شخصا غير مرغوب فيه» ولم يعد أمام الحكومة البريطانية سوى تحديد «طريقة أنيقة» لإخراج سفيرها من أمريكا «حماية له» وللمصالح البريطانية من موجات غضب ترامب الذى غرد مهاجما أداء السفير وكفاءته، ومنتقدا بطريقة حادة أيضا رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى التى كان قد أغدق عليها ترامب كل أشكال المدح والثناء قبل أسابيع قليلة خلال زيارة الدولة التى قام بها لبريطانيا.

جاءت العاصفة السياسية التى أطاحت بأهم سفير بريطانى فى الخارج بعد تسريب نص برقيات سرية كتبها داروش للحكومة البريطانية بين عامى 2017 و2019 عن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.

وفى تقييمه السري, المفترض أن يطلع عليه نحو 100 فقط من كبار مسئولى الحكومة البريطانية, يقول داروش إن رئاسة ترامب قد «تتحطم وتحترق» و«تنتهى بوَصمة عار»، و«لا نرى حقا أن هذه الإدارة ستصبح أكثر طبيعية، وأقل اختلالا، وأقل تقلباً، وأقل تمزقا بالخلافات، وأقل حماقة، وانعداما للكفاءة من الناحية الدبلوماسية».

أيضا فى البرقيات يتحدث داروش عن أن التقارير الصحفية حول صراع داخلى بين الأجنحة فى البيت الأبيض «صحيحة فى معظمها». كما تحدث عن «ارتباك» داخل الإدارة الأمريكية بشأن قرار ترامب إلغاء ضربة عسكرية على إيران فى أخر لحظة. أما على الصعيد الشخصى فيصف السفير البريطانى ترامب بأنه «غير مستقر» و«غير كفء».

حرب التسريبات

محتوى ما تم تسريبه من البرقيات أوجد أزمة دبلوماسية بين لندن وواشنطن بسبب الحكم القاسى للسفير البريطانى على الإدارة الأمريكية الحالية. لكن هناك ما هو أفدح من الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، وهو «حرب الأجنحة» داخل الحكومة البريطانية بين أنصار البريكست ومعارضيه، وتسريب أسرار تتعلق بالأمن القومى البريطانى بسبب هذه الحرب الداخلية فى أروقة الحكومة البريطانية.

فقد أقالت ماى قبل شهرين وزير الدفاع جافين وليامسون بعد تسريب مناقشات سرية فى مجلس الأمن القومى عن قرار الحكومة تكليف شركة هواوى الصينية للاتصالات ببناء الجيل الخامس مع شبكة الاتصالات اللاسلكية فى بريطانيا.

وتمت إقالة وليامسون بعدما خلص تحقيق داخلى إلى أنه المسئول عن التسريب فى محاولة منه لإحراج تيريزا ماى وتعزيز صورته وسط أعضاء حزب المحافظين بوصفه الشخص الأكثر قدرة على خلافتها بسبب مواقفه الصارمة من قضايا الأمن القومى.

وبعد تسريب مذكرات داروش بدأ تحقيق داخلى آخر لتحديد المسئول عن ثانى تسريب خطير خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وهناك كثير من نظريات المؤامرة أكثرها قابلية للتصديق أن شخصا من الخارجية أو الحكومة مؤيدا للبريكست انتقم من السفير البريطانى عمدا بتسريب تلك المذكرات السرية، وذلك فى «طعنة ظهر» متعمدة ضد داروش بسبب رفضه للبريكست وعدم الترويج له وللمزايا التى يمكن أن تترتب عليه فى أروقة العاصمة الأمريكية واشنطن وفى مراكز صنع القرار واللوبيات المختلفة.

ومن المعروف أن داروش من المؤيدين الأقوياء للبقاء فى الاتحاد الأوروبى.

فى وجه العاصفة

لم يقل داروش فى برقياته السرية مع حكومته أى شىء غير معروف عن إدارة ترامب. فما قاله هو ما يقوله غالبية الدبلوماسيين حول العالم. وتقييمه السلبى الدامغ كسفير لبريطانيا لإدارة ترامب وشخصية الرئيس هو نفس تقييم من عملوا مع ترامب مثل ريكس تيرلسون وزير الخارجية الأمريكى السابق والعشرات غيره ممن أدلوا بشهادتهم فى عدد كبير من الكتب التى صدرت عن ترامب.

أيضا لم يفعل داروش أى شىء غير مألوف فى الأعراف الدبلوماسية. فقد عبر فى برقياته السرية للحكومة البريطانية عن تقييمه كسفير فى واشنطن لإدارة الرئيس الأمريكى، وهذا هو جوهر عمله كممثل دبلوماسى لبريطانيا. بعبارة أخرى لم يخرق داروش أى قاعدة دبلوماسية، بل قام بعمله وهو تقديم تقييم صريح من وجهة نظره للعاصمة التى يعمل بها.

وحتى الآن تحاول لندن حماية سفيرها من غضب ترامب. لكن هذه الحماية قد لا تطول إذا أصبح وجوده عاملا سلبيا على العلاقات بين لندن وواشنطن. فمن المؤكد أن البيت الأبيض سيحاول قطع كل أشكال التواصل مع السفير البريطانى. فقد شن ترامب هجوما على داروش قائلا إنه «لم يخدم بريطانيا جيدا» وإنه وإدارته «ليسا من كبار المعجبين» به. وتابع «لسنا من كبار المعجبين بذلك الرجل وهو لم يخدم بريطانيا على نحو جيد, ويمكننى أن أقول أشياء عنه لكننى لا أكترث».

وفى وجه العاصفة ضده والتى ليس له فيها ذنب، انبرى مسئولون بريطانيون للدفاع عن داروش كسفير مهنى يقوم بواجبه عبر تقديم تقييمات «صريحة» عن آخر التطورات فى البيت الأبيض. ونددت ماى بالتسريبات وقالت إنها «غير مقبولة على الإطلاق»، دون أن تشير للجهة أو الشخص الذى تعتقد أنه وراء تسريب البرقيات السرية التى أرسلت إلى صحيفة «ديلى ميل» اليمينية.

فيما قال متحدث بإسم الحكومة البريطانية إن «سفراءنا يقدمون تقييمات صريحة ودون تجميل للسياسة فى البلاد التى يخدمون بها». وتابع «كما تتوقعون، تم التواصل مع إدارة ترامب لإيضاح وجهة نظرنا، أننا نعتقد ان التسريب غير مقبول».

بدوره، قال وزير الخارجية البريطانى جيريمى هانت إن مصدر التسريب سيواجه «عواقب وخيمة للغاية»، موضحا:«من المهم حقا أن نقول إن السفير كان يقوم بوظيفته كسفير وهى تقديم تقارير صريحة وآراء شخصية حول ما الذى يدور فى البلد الذى يعمل بها ومن مهام وظيفته إرسال هذه التقارير لكنها آراء شخصية وليست آراء الحكومة البريطانية وليست آرائى».

أما رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس العموم البريطانى توم توجيندهات فوصف التسريب بأنه «خيانة» تسبب «ضررا كبيرا لسلامة بريطانيا». واعتبر وزير التجارة الدولية ليام فوكس فى حديث عبر شبكة «بى بى سى» أن هذه التسريبات «غير مهنية وغير أخلاقية ولا تعكس وطنية» إذ «من شأنها أن تقود نحو إلحاق الضرر بعلاقتنا مع الولايات المتحدة».

خيارات صعبة

ويضع موقف ترامب الحكومة البريطانية الحالية، وحتى المقبلة بعد مغادرة تيريزا ماى خلال أسابيع، فى وضع حرج. فإذا استبدلت ماى أو رئيس الوزراء الذى سيخلفها السفير الحالى بسفير جديد سيبدو وكأن لندن «تنصاع» للضغوط الأمريكية وهذه ستكون ضربة لبريطانيا وصورتها حول العالم, فاختيار السفير حق سيادى للدولة.

كما أن المشكلة الحقيقية ليست فى محتوى التسريب. لكن فى التسريب نفسه. فمن الناحية السياسية هذا شىء محرج جداً، لكن من الناحية القانونية التسريب جريمة يعاقب عليها القانون.

أيضا التوقيت سيئ جدا لبريطانيا. فهو يأتى بعد أسابيع قليلة من زيارة الدولة التى قام بها ترامب إلى بريطانيا والتى أنفقت فيها الحكومة البريطانية عشرات الملايين من الجنيهات فى محاولة لاستمالة ترامب لتوقيع اتفاقية تجارة حرة مع بريطانيا بشكل سريع بعد البريكست. وهى زيارة الدولة التى قضى داروش نحو العام يجهز لها. ووسط تلك الفوضى العارمة يظهر سؤال جوهرى وهو من المستفيد من تلك الأزمة الدبلوماسية بين واشنطن ولندن؟.

الإجابة ربما لا أحد على الاطلاق. فتعكير مزاج ترامب تجاه بريطانيا لن يساعد أنصار البريكست فى تحقيق حلم التوصل لاتفاقية تجارة حرة مع أمريكا.

أيضا تؤثر الأزمة على السمعة الدبلوماسية البريطانية. فكيف يمكن للحرب حول البريكست أن تصل بمسئولين فى الحكومة البريطانية لتسريب برقيات سرية للصحافة لإحراج أهم سفير للندن فى الخارج. هذه الأسئلة وغيرها توضح إلى أى مستنقع يأخذ البريكست بريطانيا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق