كما تم عرض تقديم دعم مادى ودورات تدريبية فى أفغانستان لعدد من المترجمين الآخرين. أما الذين استقالوا من العمل طاعة لعناصر طالبان أو حتى خوفا من بطشهم فتقرر عدم السماح بتوطين أى منهم فى بريطانيا. وكانت بريطانيا قد استعانت بخدمات أكثر من 7 آلاف أفغانى أثناء وجود قواتها فى أفغانستان، عمل ما يقرب من نصفهم كمترجمين، وقد قتل منهم نحو 20 مترجما أثناء تأدية عملهم، بالإضافة لإصابة العشرات منهم بإصابات بالغة.
وبعد نجاحهم فى الحصول على حق اللجوء لبريطانيا، اصطدم المترجمون الأفغان بقيود البيروقراطية والإجراءات الروتينية التى تعوقهم عن الحصول على فرص عمل آمنة تتناسب مع خبراتهم وقدراتهم وتحقق لهم دخلا ماديا مرتفعا، حيث أن أغلبهم يجيدون عدة لغات مما يجعل فرصهم أكبر فى الحصول على وظائف بأجور عالية بالعمل كلغويين أو مستشارين ثقافيين أو تحقيق حلمهم بالعمل فى صفوف قوات حلف شمال الأطلنطى «حلف الناتو».
وطبقا لقرار وزارة الدفاع البريطانية باستكمال الفحص الأمنى الخاص بهؤلاء المترجمين لابد أولا أن يستقروا فى بريطانيا على الأقل 10 سنوات وأن تمر 5 سنوات على حصولهم على الجنسية.
وبالرغم من اعتراف الحكومة البريطانية بالدور المهم الذى قام به المترجمون، ومشاركتهم فى عمليات سرية بالمخابرات العسكرية، خلال المهام القتالية فى افغانستان، إلا أنها ترفض التعجيل بإصدار التصريح الأمنى الخاص بهم.
وفى تقرير نشرته صحيفة «ذا تايمز» البريطانية حول معاناة هؤلاء المترجمين أجرت لقاءات مع عددا من المترجمين الأفغان المقيمين حاليا فى المملكة المتحدة، من بينهم شاب رفض الإفصاح عن اسمه بالكامل واكتفى بتعريف نفسه باسم «محمد»، 32 عاما، قال إنه حصل على حق اللجوء عام 2011، واستخرج جواز السفر البريطانى الخاص به العام الماضي.
وقد كان «محمد» المترجم الخاص الذى رافق الأمير ويليام فى عام 2010 أثناء زيارته لـ (كامب باستيون) أو القاعدة العسكرية للقوات البريطانية فى ولاية هلمند، التى تقع جنوب أفغانستان، وذلك بعدما شهدت اشتباكات دموية.
كما عمل برفقة عدد من ضباط الجيش والمخابرات والدبلوماسيين البريطانيين، أطلقوا عليه لقب «المترجم اللبق الدءوب»، شهدوا بأنه كان يبذل قصارى جهده فى العمل حتى فى أكثر الظروف صعوبة وخطورة.
ويعمل «محمد» حاليا بأحد بيوت الأزياء رغم أنه طبقا لخبرته، التى اكتسبها أثناء عمله، يمكنه العمل مع قوات الناتو مما يؤهله لتقاضى راتب يقدر بـ 67 الفا و345 جنيها إسترلينيا وقابل للزيادة، ولكن رفض الحكومة البريطانية منحه التصريح الأمنى يعرقل تحقيق حلمه ويحرمه من الحصول على فرصة عمل تليق بقدراته، بل وتجبره على العمل فى القطاع الخاص بأجر زهيد مقابل العمل لنحو 16 ساعة يوميا.
كما نقل التقرير تجربة بارفايز مالك زادة، 28 عاما، الذى عمل كمترجم للقوات البريطانية العسكرية لمدة 3 أعوام، أثناء وجودها فى أفغانستان وتعرض خلالها لمخاطر جمة، منها نجاته بأعجوبة من حادث تفجير تسبب له فى حروق بالغة فى مناطق متفرقة من جسده، كما تسببت الشظايا المتناثرة إثر الانفجار فى إصابة أذنه اليسري، والتى مازال يشعر بآلام حادة بها من آن لآخر.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل حاولت عناصر طالبان قتله انتقاما منه، حيث ذهبوا ذات يوم لبيت أسرته، الذى يقع فى مقاطعة باروان شرق أفغانستان، باحثين عنه فخبأته والدته فى «التندور»، أى فرن الخبز، وعقب انصرافهم فر مالك زاده من منزله ليبدأ رحلة الهروب خارج البلاد.
وقد وصل لبريطانيا بعدما نجح فى الحصول على حق اللجوء عام 2012، وأقام فى بيت للاجئين بمدينة ليفربول ثم التقى بزوجته، التى جاءت لبريطانيا لاجئة هى الأخرى.
وبالرغم من إجادة مالك زاده 5 لغات وحصوله على شهادة إجادة علوم الحاسب الآلى من جامعة غرب لندن، إلا أنه لم يجد فرصة عمل فى تخصصه، مما دفعه هو وزوجته للعمل بأحد مطاعم الأكل السريع بعدما انتقلا لمدينة ليستر.
وقد حاولا استخراج جواز سفر لكل منهما، ولكنهما لم يستطيعا توفير النقود المطلوبة، حيث يتكلف الجواز الواحد نحو الف و330 جنيها استرلينيا، ولكنهما فضلا دفع مدخراتهما الضئيلة لاستخراج جواز سفر لنجلهما «زاين».
ويأمل مالك زاده فى العمل كمترجم مع قوات الناتو، ولكن يقف الوقت حائلا أمام تحقيق حلمه حيث إن سياسة الحكومة تجبره على نيل الجنسية البريطانية أولا لمدة 5 سنوات حتى يحصل على تصريح أمنى يؤهله للتقدم للحصول على فرصة العمل التى يرغب بها.
ومن جانبها علقت نيا جريفث، عضوة البرلمان البريطاني، ووزيرة خارجية حكومة الظل سابقا، قائلة: »أولئك الذين جازفوا وخاطروا بحياتهم لمساعدة قواتنا.. يُحرمون اليوم من خدمة بلادنا بسبب البيروقراطية»، وأضافت أنها ستصعد الأمر بعد إجراء مناقشات مع وزيرة الدفاع، بينى مورداونت.
فى حين تعهد عدد من كبار الجنرالات، الذين ساعدهم المترجمون أثناء مهامهم فى أفغانستان، بالتقدم بالتماس للحكومة لتغيير موقفها حيال هؤلاء المترجمين بتخفيف وتعجيل الإجراءات الأمنية الخاصة بهم، فى حين يرى المتحدث بأسم الحكومة البريطانية أن السياسة الأمنية التى يتم إتباعها بمنحهم الجنسية أولا واختبارهم خلال فترة إقامتهم أمر ضرورى للمتقدمين للعمل فى الناتو، وأن عدم القيام بالإجراءات المتبعة يعد نوعا من المجازفة، التى قد لا تحمد عقباها.
رابط دائم: