رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بمناسبة عودتها بعد 30 عاما من الاعتزال..
عزيزة جلال.. لعبة الحب والزمن!

أحمد السماحي

«لا أنت أنت ولا الزمان هو الزمان»، هذا هو مطلع واحدة من أجمل قصائد شاعرنا الكبير «فاروق جويدة»، والذى داعب خيالى فور أن علمت بنية المطربة المعتزلة «عزيزة جلال» العودة مرة أخرى للأضواء وممارسة الغناء بعد وفاة زوجها رجل الأعمال السعودى، والذى تزوجته قبل 33 عاما، واعتزلت بسبب غير معلن الغناء مباشرة، ما جعل الجمهور يربط بين اعتزالها وزواجها فى حينه، رغم أن المطربة نفت صحة هذا الكلام فى برنامج «اللقاء من الصفر» الذى عرض فى شهر رمضان.

عزيزة جلال التى كانت ترى صعوبة شديدة فى الجمع بين الزواج والفن، حيث كانت لديها قناعة بأن الاستقرار فى حياة زوجية موفقة لن يتأتى مع استمرار احترافها الغناء، لهذا عندما طرق بابها العريس المناسب اختارت طريق تكوين أسرة والتفرغ للبيت وتركت الفن وهى فى قمة عطائها الفنى، لكنها لم تعد هى الآن كما كانت من قبل!، صحيح أنها ما زالت تتمتع بالصوت الجميل، والحضور المميز فى الصوت، والاحترام فى أسلوب الغناء، لكن صوتها بحكم سنها الذى يبلغ «61» عاما فقد حدة التوهج واللمعان اللذين كان يتمتع بهما، وإن كان اكتسب الخبرة الحياتية التى كانت تفتقدها وهى شابة صغيرة، ولا ننسى أولا وأخيرا «أن الزمن لم يعد كما كان»!، حيث بدأت مطربتنا المغربية مشوارها فى نهاية السبعينيات عندما كانت الساحة الغنائية المصرية ممتلئة بأساطين الغناء والكلمة والتلحين.

فمن جيل الكبار كانت هناك: «شادية، نجاة الصغيرة، فايزة أحمد، وردة الجزائرية، فايدة كامل، شهر زاد، نجاح سلام، محرم فؤاد، محمد قنديل، محمد رشدى، محمد العزبى وغيرهم»، ومن جيل الوسط «سمير الإسكندرانى، هانى شاكر، عفاف راضى، أميرة سالم، عايدة الشاعر، ليلى نظمى، ياسمين الخيام»، ومن جيل الشباب الذى كان بدأ يتفتح ويمثل جيلها «سوزان عطية، ميادة الحناوى، سميرة سعيد، إيمان الطوخى، نادية مصطفى، محمد الحلو، محمد ثروت، محمد منير، عمر فتحى»، هذا فى مجال الغناء، أما فى مجال الكلمة كان هناك «حسين السيد، مرسى جميل عزيز، صلاح جاهين، عبدالوهاب محمد، صلاح فايز، عمر بطيشة، سمير الطائر» وغيرهم، وفى مجال التلحين كان هناك العمالقة «محمد عبدالوهاب، رياض السنباطى، كمال الطويل، محمد الموجى، بليغ حمدى، سيد مكاوى، منير مراد، محمد سلطان، حلمى بكر، خالد الأمير، عبدالعظيم محمد»، ومن جيل الشباب جمال سلامه، عمار الشريعى، منير الوسيمى.

باختصار شديد وغير مخل، هذا هو المناخ الذى وجدت فيه «عزيزة جلال» عندما بدأت تخطو أولى خطواتها فى مجال الغناء فى مصر، وطبعا يصعب علينا المقارنة بين هذا الزمن الذى وجدت فيه، والزمن الراهن الذى سيطرت عليه الفرقعات الغنائية الكاذبة، وانتشار أغنيات المهرجانات، وخلو الكلمة من الصورة الشعرية، وسيطرة التفاهة على الكلمات والمضمون والأداء المخنث أحيانا، فضلا عن السرقات الغنائية والسطو التلحينى على ألحان الآخر، باستثناء قلة قليلة من المبدعين فى مجال الكلمة واللحن والأداء الذين مازالوا يحافظون على جمال الأغنية المصرية.

نقلت عيونى

ولدت عزيزة جلال فى مدينة «مكناس» بالمغرب، وبدأت مشوارها وهى صبية صغيرة تغنى أغنيات المشاهير من المطربين والمطربات فغنت «أهوى، وليالى الأنس فى فيينا» لأسمهان، «القلب ولا العين» لسعاد محمد، «قلبى دليلى، ويا حبيب الروح» لليلى مراد، وجاءتها الفرصة عبر برنامج «مواهب» الذى كان يعده ويقدمه الموسيقار «عبدالنبى الجيرارى» فى التليفزيون المغربى صاحب الفضل فى اكتشاف العديد من الأصوات الشهيرة مثل «سميرة سعيد، والمرحومة رجاء بلمليح»، حيث شاركت «عزيزة» فى البرنامج عام 1975، وكانت يومها تلميذة فى إحدى المدارس الثانوية بمدينة «مكناس»، حيث حضرت برفقة أمها وأبيها إلى تليفزيون الرباط تتعثر فى خطواتها، يسبق الخجل نظرات عينيها، لكنها خطفت انتباه الجميع بسرعة، حيث وقفت أمام الميكرفون تغنى أولا أغنية شريفة فاضل «الليل موال العشاق»، أعقبتها بأداء أغنية « ليالى الأنس» باقتراح من «الجيرارى» الذى لمس فى حنجرتها كنزا كامنا بين النبرات.

منذ اللحظة الأولى لمشاركتها فى البرنامج كان واضحا أنها مطربة حقيقية بكل المقاييس، وهو ما تأكد بالفعل يوم أنشدت أول لحن وطنى من توقيع مكتشفها «الجيرارى» وكلمات الشاعر «المهدى زريوح» مطلعها: «نقلت عيونى هنا وهناك/ شفت الشرق وشفت الغرب»، واستحسن «الملك الحسن الثانى» صوتها وأداءها فى هذه السن المبكرة، وطلب أن تشارك فى حفلات «عيد الجلوس على العرش»، وكان هذا بمثابة تأشيرة صعود نجم الصبية الصغيرة، بعدها توالت أغنياتها الوطنية فى عيد العرش المغربى فغنت: «غال ياحسن»، كلمات «عمر التلبانى»، تلحين «حسن القدميرى، و«بطل القدس» تلحين «عبدالقادر الراشدى»، و«يغن لعرشك» تلحين «عبدالعاطى آمنا»، و»جهاد دائب» كلمات «عبدالله الفيصل»، تلحين الموسيقار «أحمد البيضاوى» الذى غنت له أيضا «حسن الخصال» كلمات «عبداللطيف خالص» وغنت لـ «عبدالقادر الراشدى» أغنية بعنوان «يا ليل طول».

يا سيدى سيد ساداتى

بعد نجاحها وانتشارها فى المغرب كانت محطتها الأولى سفرها إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث أقامت فترة قصيرة من الزمن هناك، وأعادت عدة أغنيات للمطرب الإماراتى الراحل «جابر جاسم»، وهى «سيدى يا سيد ساداتى/ راعينى وأرفق بحالاتى»، و«غزيل فله»، و«يا شوق هزنى الهوى»، وقد أدت هذه الاغانى باقتدار، وسطع نجمها فى سماء الخليج.

هوليوود الشرق

فى هذه الفترة نصحها بعض المسئولين عن الموسيقى والغناء المصريين الذين سمعوا صوتها أثناء حفلات «عيد العرش» بضرورة الحضور إلى القاهرة لتشق طريقها للغناء من هناك وتلتقى بكبار الشعراء والملحنين، وتشاء الظروف أن يسمع صوتها بالمصادفة المنتج الكبير «عاطف منتصر» صاحب شركة «صوت الحب»، عن طريق شريط كاسيت أحضره أحد الموسيقيين، وغنت فيه أغنية أسمهان «ليالى الأنس» ليوجه إليها الدعوة على الفور بناء على رأى الشاعر «مأمون الشناوى» مستشار الشركة الذى استمع إلى هذا الشريط، وتوقع لها مستقبلا كبيرا فى مجال الغناء، وطلب من «منتصر» تبنى موهبتها والتوقيع معها لحساب شركته.

وبالفعل حضرت «عزيزة» إلى القاهرة وغنت من كلمات «مأمون الشناوى» أولى أغنياتها المصرية بعنوان «إلا أول ما تقابلنا» ألحان الموسيقار «محمد الموجى»، كما غنت للموسيقار «سيد مكاوى» أغنية « يلا بنا نتقابل سوا» التى سبق وتغنت بها المطربة «تغريد البشبيشى» فى فيلم «السكرية»، وبدلا من أن يكون عنوان الأغنية كما جاءت فى الفيلم «يا لا نتمرجح سوا» أصبحت «يلا نتقابل سوا»، كما غنت للموسيقار الراحل «رياض السنباطى» قصيدتى «والتقينا» و» من أنا» من شعر مصطفى عبدالرحمن، و» زى ما أنت» كلمات «عبدالوهاب محمد»، وسافرت بعدها إلى المغرب.

هو الحب لعبة

حققت أغنيات «عزيزة» التى قدمتها مع «السنباطى والموجى ومكاوى» نجاحا كبيرا، وتساءل الجميع عن صاحبة هذه الموهبة الجميلة، مما جعل الشركة تعاود الاتصال بها لسرعة الحضور للقاهرة للغناء فى حفل «مهرجان القاهرة السينمائى الدولى»، وفى هذا الحفل قدمت أغنيتها «بتخاصمنى حبه وتصالحنى حبه» أو «هو الحب لعبة» كلمات «مأمون الشناوى»، وألحان «محمد الموجى» لتصبح الأغنية حديث الشارع المصرى، ففى كل بيت وشارع وحارة كنت تسمع هذه الأغنية، وغطى نجاحها على كل أغنيات الموسم، ولم تصل أغنية فى هذا الموسم لنجاحها، رغم أن السوق كان مليئا بالأغنيات الجميلة مثل «علمناه الحب» لسميرة سعيد، و«سيدى أنا» لميادة الحناوى، «يا حبيبى بحبك صدقنى» لوردة.

مستنياك

بعد النجاح الساحق لأغنية «هو الحب لعبة» تعاونت «عزيزة» مع الموسيقار «بليغ حمدى» فى أغنية «مستنياك» كلمات «عبدالوهاب محمد»، فكانت النقلة الثانية التى حققتها المطربة الشابة، وشجع جمال صوتها ولمعانه والنبرة المميزة فيه الموسيقار «كمال الطويل» لينفض الكسل عن نفسه ويتعاون معها فى أغنية «من حقك تعاتبنى» كلمات «عبدالوهاب محمد»، كما قدم لها «حلمى بكر» لحنه المتميز «منك وإليك»، ثم عاد «بليغ» وتعاون معها فى لحنه الثانى معها «حرمت الحب عليه»، وفتح النجاح الكبير الذى حققته أغنية «من حقك تعاتبنى» شهية «كمال الطويل» ليتعاون معها ثانية فى أغنية «روحى فيك أنا».

وهى فى قمة النجاح رمى كيوبيد سهمه فى قلب المطربة الشابة فلبت نداءه وتركت الساحة بينما عناصر النجاح تتوافر فى صوتها واستمرارية الوجود فى وجدان الناس، لكن ترى بعد ما يزيد على الثلاثة عقود من التوقف عن الغناء، هل يمكن لعزيزة جلال أن تعيد سيرتها الأولى من أغانى الشجن والبهجة والرومانسية الحالمة التى شكلت وجدان جيل من الشباب أصبحوا الآن كهولا لا يستسيغون غناء هذا الزمان من طنين لايغنى ولا يشفى من جوع بعد تجريف الذائقة العربية وحشرها فى براثن الضجيج والمهرجانات التى تخاصم بكارة غناء «عزيزة جلال» وغيرها ممن ذهبوا فى طى الكتمان، عزيزتى مطربتنا الكبيرة إذا كانت عودتك هى «قبلة الحياة» لعودة الطرب الشرقى الأصيل الذى افتقدناه فى السنوات الأخيرة وكنت ومازالت أحد رموزه فأهلا وسهلا بعودتك التى نشتاق إليها ولكن اذا كانت عودتك لتقديم الأغانى الايقاعية التى تمتلئ بها الساحة.. لذا أقول لك بكل ثقة عودى إلى قواعدك سالمة معافاة من المساهمة فى تلوث الغناء الحالى الذى يباعد بينك وبين الطرب الرصين الذى كثيرا ما شدوت به وأحببناك فى حين نذكرك مرة أخرى ببيت الشاعر «فاروق جويدة»: «لا أنت أنت ولا الزمان هو الزمان».. رحمة بك وبفنك الراقى!.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق