رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الفنان التشكيلى من الأصالة إلى التغريب

طلعت رضوان

الفنان والناقد عزالدين نجيب أرّخ فى كتبه العديدة لتاريخ حركة الفن التشكيلى المصرى، ولكنه فى كتابه الأخير(تحولات الفن عند مفصل القرنيْن) هيئة الكتاب المصرية- عام2017، رصد ما طرأ على الفن التشكيلى من تطورفذكرماحدث عام1874حيث رُفضتْ أعمال (كلود مونيه) و(رينوار) و(سيزان) إلخ لأنهم صغارالسن وغيرمعروفين..وتمرالسنوات فإذا بهم من كبارالفنانين العالميين.

والفنان الأصيل هومن يهتم بآثارالشعوب القديمة، التى ضمها (متحف «الأنثروبولوجى» بباريس) وصورالكهوف كما رآها (جوجان) فى (تاهيتي) وفى فنون مصرالقديمة..وآثاراليابان والصين..إلخ و(هكذا قاد جوجان حركة التمرد على قيم الفن الأوروبى..ومبشرًا بالعودة إلى فنون الحضارات القديمة: المصرية، الفارسية والكمبودية..إلخ)

................................

ولعلّ ما انتبه إليه محمد ناجى ومحمود مختاربعد ثورة شعبنا فى مارس1919، أدق دليل على معنى الفنان الأصيل، حيث اهتـمّ الاثنان بالبحث عن الجذورالحضارية لشعبهم، فأبدع مختارتمثاله الخالد (نهضة مصر) وناجى قضى أربع سنوات فى أكاديمية الفن بفلورنسا، من عام 1914 - 1918 فلم يـُـقلد الفن الأوروبى واستحضرقيم الفن المصرى القديم.. ولم تكن مصادفة أنْ تكون لوحته الشهيرة (النهضة المصرية) الموجودة بمجلس الشورى..كأنها متتالية موسيقية لتمثال مختار(نهضة مصر) وفى رسالة لشقيقته كتب ناجى (إنك لاتعرفين الحلم الذى أصبولتحقيقه..أريد أنْ أصيرالفنان القومى لبلادي).

ربط نجيب ذلك بمحاولات تصدير مذاهب التجريد ونزع أى رسالة وطنية أواجتماعية عن اللوحة..وهوالمذهب الذى روّجتْ له الدوائرالأمريكية..وبهدف أنْ تصير(نيويورك عاصمة الفن العالمي) فيحج فنانوالمجتمعات الفقيرة إلى هناك..وبالتالى كما ذكرالكاتب الأمريكى (فرانسيس سوندرز) فى كتابه (الحرب الباردة الثقافية) إنّ إستراتيجية الإدارة الأمريكية (خلخلة الانتماء للمثقفين المناوئين للسياسة الأمريكية وجذبهم للعمل وفق المذاهب الخالية من أى مضمون).

ولكن الفنان الأصيل لم ينخدع بالأيديولوجيا الأمريكية، مثلما فعل بيكاسو فى لوحته الخالدة (جيرنيكا) التى عبـّـر فيها عن جريمة ألمانيا وإيطاليا لمساندة نظام فرانكوالفاشى..وذكر نجيب معلومة مهمة عن العلاقة بين الفنان والمؤسسة الدينية (فقد تنافس البابوات على تكليف أعظم الفنانين لتصويرمشاهد صلب المسيح واستشهاده.. وبالرغم من ذلك حدث الاختلاف والتوتر بين الفنان والفاتيكان.. وهو ما جسّـده الفيلم الكلاسيكى الخالد والنادر(العذاب والمتعة) الذى كشف عن تلك العلاقة غيرالمتكافئة بين الفاتيكان والفنان مايكل أنجلو أثناء رسمه مشهد القيامة على سقف كنيسة السيستينا بالفاتيكان.. ثـمّ انتشرذلك النوع من الفن فى معظم كنائس أوروبا، وتساءل نجيب: لماذا رُفض التصويرالدينى فى الإسلام؟ ولماذا شمل الرفض مبدأ التصوير فى حد ذاته؟ ورُفض فن النحت بحجة أنه (يـُـعيد عبادة الأوثان) وذكر أنه من بين الاستثناءات النادرة مشروع تخرج الفنان أحمد نوار عام 1965 وموضوعها: (يوم الحساب وتصويرأهوال الجحيم بأسلوب تعبيري/ أسطورى.. ونال درجة الامتياز وعـُـين معيدًا بقسم الحفر..وأضاف نجيب: ولاشك أننا فى مصر ندين لفنانى الحملة الفرنسيةعام 1798 التعرف على فن الحفر من خلال رسوماتهم الرائعة لمظاهرالحياة المصرية فى كتابهم الخالد (وصف مصر)
....................

ذكرنجيب الكثيرمن الأمثلة على اعتزاز جيل العشرينيات وحتى الستينيات من القرن العشرين، بالفن المصرى (فاستلهم راغب عياد فى لوحاته روح التصويرالمصري) وعن محاولات التغريب فى عصرالسادات.. فلا يعنى ذلك أنها اكتسحتْ المذاهب ومدارس الجماليات.. وهو ما عبـّـرعنه الفنانون المؤمنون بقيم الحضارة المصرية) وإذا كان مختار نال أكبر شهرة بأعماله النحتية العديدة، وإذا كان ناجى نال الشهرة بلوحته (النهضة المصرية) فإنه استلهم من الحياة الشعبية طابع البيئة الريفية من الفن المصرى، كما عبـّـر عن ذلك بلوحته (وفاء النيل) و(موكب إيزيس) وصوّرمظاهرالواقع على خلفية من الفن المصرى..أما الفنان سيد عبدالرسول فهومن أكثرالمصورين غوصًـا فى جماليات المنظومة الشعبية بأبعادها المصرية القديمة خاصة فى التصويرالجدارى..وفى أبريل 1996 عند افتتاح سيموزيوم للنحت بأسوان سمع نجيب فنانى النحت من جنسيات مختلفة وهم يؤكدون لبعضهم إنّ (مصرمهد النحت فى العالم أجمع.. والفنان المصرى قهر أعتى الأحجار وأصلبها: الجرانيت..ومازالت آثارمصرساطعة وهى بمنزلة (متاحف مفتوحة) عامرة بإبداع عبقرى..هزم الزمن وحقق الخلود)

وإذا كانت أمجاد النحت المصرى الحديث بدأتْ مع مختار فقد تواصلتْ مع الأجيال التالية، مثل (جابرحجازي) و(عبده سليم) الذى عكستْ أعماله الروح الأسطورية فى التراث الشعبى، وهذه الروح مستمدة من الحضارة المصرية..وتغلغلتْ فى أعمال الكثيرمن الفنانين الأجانب. ومن النحاتين المتميزين (عفت حسني) فجعل من المرأة الرامزة لمصر قدس أقداسه.. وبطلة مطلقة فى كل معارضه.. و(نبيل درويش) استند على التراث العريق لفن الخزف المصرى القديم..والفنان الكبير(الوشاحي) فإنّ نجيب يعتبره (أحد أساتذة النحت المصرى المعاصر) ولأنّ النحت يتطلب قوة العضلات لمكابدة صلابة الحجر.. فإنّ الفنانة (سمرأحمد علي) نجحتْ فى بنائها الصرحى وبحسها المعمارى..كما أنّ فن النحت تجاوز خريجى كليات الفنون الجميلة إلى الفنانين بالفطرة الذين لم يدرسوا أصول (فن النحت) وأشهرهم الفنان عبدالبديع عبدالحى.

وذكرنجيب أنّ الفنان (محمود موسي) (كى يختط مساره المستقل فى الفن بعيدًا عن القواعد الأكاديمية، أدرك أنه لن يستطيع الإضافة بعد مختار فآثرالعزف المنفرد على قطع جرانيتية صغيرة، شكلها بحس يميل إلى التكعيب مستلهمًـا جماليات النحت المصرى القديم.

وفى ترينالى الجرافيك الدولة (مايو2003) لاحظ نجيب اهتمام فنانى المكسيك والإكوادور باستخدامهم الرموزالمصرية فى النحت المصرى القديم فى أعمالهم.
....................

ومع بداية عصرالسادات بدأ التخلى التدريجى عن أى أصالة، ثم كانت ذروة الانهيار مع عصر مبارك.. ومن أمثلة ذلك (صالون الشباب) الذى يـُـقام سنويـًـا منذ عام 1989 وتــُـخصص له وزارة الثقافة الجوائزالمالية السخية، التى كانت من نصيب جيل من الشباب كل همهم (محاكاة البدع الأوروبية تحت شعارالحداثة.. وليست المشكلة فى الشباب، بل فى أعضاء اللجان المختارين بعناية بهدف الترويج للتغريب) وكانت النتيجة كما ذكرنجيب أنّ ذلك التيارالحداثى المُـغترب عن الواقع المصرى، سيطرعلى الحركة الفنية، بدعم وزارة الثقافة، بهدف اجتثاث أى (جذورمصرية) والترويج لبضاعة الغرب.. ووصل الأمر لدرجة سخرية الشباب من القيم التى تربـّـتْ عليها الأجيال (القديمة) مثل (الهـُـوية المصرية) و(الحضارة المصرية) وأنها (شعارات جوفاء) و(من مخلفات الماضي) وتبجـّـح أحد الشباب وردّ على أستاذ كبير قائلا (أى عيب فى أنْ نكون تابعين للثقافة الغربية) وكان تعقيب نجيب: الكارثة أنّ الراعى الرسمى لاتجاهات التغريب هى الدولة..ودخلتْ (مؤسسة تاون هاوس) ورئيسها بريطانى لتكون راعية للشباب (المؤمنين) بالغرب لنبذ (الجذورالمصرية) وهؤلاء الرعاة كانوا (حريصين على تفريغ أعمال الشباب من أى ملامح مصرية) وفى بينالى الإسكندرية عام 2008 فاز (وائل شوقي) بالجائزة الكبرى فى عمل كله سخرية من الأفارقة.. فكتب نجيب (كانت الإغراءات فوق ما يستطيع الشباب مقاومته.. خاصة وأنهم لم يهضموا حضارة مصر وتاريخها وقيمها.. ولم يفهموا معنى الفن وأهدافه..فارتموا تحت أقدام الغرب للفوزبالجوائز..و(فى صالون الشباب السنوي) فإنّ انتاج الشباب راح يضرب فى أساس الهـُـوية المصرية.

وفى صالون الشباب رقم 57 بدا كأنّ الشعار هو انسف بنيانك القديم..فقد اختفتْ منه أى ملامح للهـُـوية المصرية..ومع إنّ عدد المشاركين 70 فقد ظهرتْ فى أعمالهم (حالة هيولة خارج الزمان والمكان..وظهرالإنسان فى حالة غيبوبة..مع وجود استثناءات ظهرتْ فيها إشارات مصرية مثل عمل الفنان أيمن السمرى..بينما القاعدة هى التغريب..وبذلك (تنتقل القيادة الفنية من مستوى المشاركة التكتيكية فى توجيه الشباب..إلى مرحلة الانسلاخ من الهوية..فينتقل الشباب من التغريب إلى الغيبوبة..وأنّ ماحدث فى مصر حدث مثله للفنانين العرب..وبتكثيف لخـّـص نجيب الظاهرة/ الكارثة فكتب: هل يمكن الاعتراف بأنّ المشروع الثقافى المُـغترب الذى أتى به فاروق حسنى إلى الوزارة عام1988قد نجح بتبنى جهازالدولة له..وزرعه فى أعرق الجمعيات الفنية التى حملتْ لواء الأصالة المصرية أجيالا متتالية (ص289، 310)

ولأننى أتابع كتابات نجيب النقدية باستمرار فأشهد بأنّ ما كتبه فى كتابه الأخير سبق أنْ كتبه فى عهد فاروق حسنى فى بعض الصحف والمجلات المصرية..مثل جريدة الأهالى ومجلة (أدب ونقد) و(مجلة الهلال) إلخ..حتى لايـُـقال عنه أنه يـُـمثــل (بطولة متأخرة) والمثال الشهيرعلى ذلك مقال نجيب فى (مجلة أدب ونقد- عدد إبريل1998) الذى ردّ فيه على مقال الناقد أحمد فؤاد سليم (أحد أتباع وزيرالثقافة) وركــّـز على (فض أى ارتباط بين المُـبدع ومجتمعه) وأنّ سليم وافق على عرض عمل (رغم اعتراض معظم أعضاء لجنة التقييم) يتشكل من أجزاء حية للطيور، فانتشرالعفن وجلبتْ الرائحة الثعابين.. وفى عمل آخرتقدم شاب بأجزاء آدمية انتزعها من المقابر.. وانتهى أمره إلى القضاء بعد افتضاحه (من ص328- 338).

وبينما هذا هوحال مصر فإنّ الأمم العريقة مثل الهند واليابان..فإنّ الوضع مختلف فمثلا الصين التى استفادتْ من أساليب الفن الغربى.. فإنها لم تفقد جذورها الحضارية..ولذلك فإنّ المسئولين عن ترينالى الجرافيك الدولى الرابع.. ضنوا عليها بأى جائزة ولاحتى شهادة تقدير.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق