رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حصاد الرضا

بريد الجمعة

استوقفتنى فى بريدك رسائل عديدة عن دموع أمهات تعرض أبناؤهن لمتاعب صحية، وتألمت لحالة السيدة التى تعرضت للمرض بعد وفاة ابنها بسبب شدة حزنها عليه, وتعلمت من كلماتها درسا مهما فى الحياة خصوصا الآية الكريمة التى يقول فيها الحق تبارك وتعالي: «لا يسأل عما يفعل وهم يسألون» (الأنبياء 23).. نعم هذا ما يجب أن نؤمن به حتى نتقبل أقدارنا ونرضى بما قسمه الله لنا حتى ننال ثواب المؤمنين الذين وصفهم عز وجل بقوله: «الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون» (البقرة 156) .. وهذا ما حدث معى فأنا أرملة توفى زوجى منذ عدة سنوات وترك لى أربعة أطفال فى أعمار مختلفة ومعاشا بسيطا يلبى متطلبات أسرتى الضرورية بالكاد وكانت شقيقتى الصغرى تساعدنى على تربية أبنائى وتسهم بجزء من دخلها فى نفقات تعليمهم، وظلت حريصة على أن توفر لى احتياجاتنا حتى قبل أن أفكر فيها ولا أبالغ إذا قلت إنها كانت بمثابة الأم الحنون التى نلجأ إليها فى كل المواقف التى تواجهنا لرجاحة عقلها ورقة قلبها وقدرتها الهائلة على بث الراحة والطمأنينة فى قلوب من حولها وقد لاحظنا أنها تشعر ببعض التعب والآلام, فعرضناها على طبيب أجرى لها الفحوص وقال لنا إنها مريضة بالسكر وعندما تقدم لها شاب يطلبها للزواج نصحناها بألا تعترف له بمرضها لأنه مرض بسيط وهناك الكثيرون الذين يعيشون حياة طبيعية به لكنها رفضت بإصرار وصارحت فتاها بحقيقة مرضها, فازداد تمسكا بها وتهلل وجهه فرحا وسرورا لأمانتها معه وقوة إيمانها بالله وتم زفاف شقيقتى إلى هذا الشاب الطيب بين أفراحنا لسعادتها وخوفنا عليها من مضاعفات هذا المرض بالنسبة للحمل والولادة إلا أن الطبيب الذى كان يتابع حالتها طمأننا جميعا بأن كل هذه الأمور أصبحت تحت السيطرة الطبية فى ظل تقدم الطب وأنه ليس هناك أدنى خوف على حياتها.. وانتقلت أختى إلى عش الزوجية وعاشت قمة سعادتها مع أسرتها الجديدة وأحسسنا بأن الحياة تبتسم لنا جميعا ابتهاجا بأختى التى أسعدتنا فى أحلك الظروف وزادت صلة زوجها بكل فرد فى أسرتنا خلال فترة قصيرة جدا فاكتسب حبنا جميعا, وأصبح واحدا منا.

ومرت الأيام وظهرت بوادر الحمل على شقيقتى فطارت فرحا, وحرصت على الذهاب إلى طبيبها مرتين فى الشهر فنظم لها غذاءها ووصف لها نظاما خاصا تسير عليه وجاء موعد الولادة ووضعت شقيقتى بنتا كالقمر مثل أمها فطافت بها أرجاء المستشفى والسعادة تكسو وجهها، ولم يمر أسبوع واحد حتى لاحظت أختى وجود لون أزرق باهت يكسو وجه طفلتها الجميلة وأنها تتنفس بصعوبة فى بعض الأوقات، فأسرعت إلى طبيب الأطفال وعلمت أن ابنتها مولودة بعيب فى القلب، وأنها تحتاج إلى عدة جراحات عاجلة لكى تستقيم حالتها وقبل ذلك يجب إجراء بعض الأشعات على القلب, وبدأت أختى وزوجها رحلة العلاج مع الطفلة الجميلة منذ أن كان عمرها شهرا واحدا وانطفأت فرحة أختى التى كانت تضيء وجهها دائما وتشع بهجة على كل من حولها وصارت حزينة شاردة ولا تسمع حديث من يحادثها ولا تكاد تنطق بكلمة واحدة.

وذات يوم تركت أختى طفلتها عندى وذهبت بمفردها إلى الطبيب لمعرفة نتائج بعض الفحوص الخاصة بطفلتها فصدمتها سيارة وهى فى طريقها للطبيب ونقلها بعض الكرماء إلى المستشفي، ولكنها قبل أن تصل إليه لقيت وجه ربها، ولن أنسى هذا اليوم ما حييت فقد ظللنا نسأل بعضنا البعض من فرط ذهولنا, هل ماتت حقا؟.. وخيّم الحزن على الجميع ووصل زوجها إلى المستشفى وكان يعتقد أنها مازالت على قيد الحياة وعندما عرف بما حدث سقط على الأرض ولم يغادر فراش المرض ثلاثة أشهر حتى توفى هو الآخر، وهكذا توالت الابتلاءات على أسرتنا, ونحن راضون بقضاء الله وكثيرا ما رددت الآية الكريمة التى ذكرتها كاتبة رسالة «دموع أم»: «لا يسأل عما يفعل وهم يسألون». ونحن جميعا علينا الطاعة والرضا والامتثال لأوامره.

لقد ضممت الطفلة إلى أولادي، وأبذل قصارى جهدى نحوها وأردت أن أقول للجميع أن الرضا بقضاء الله فيه الإنقاذ من حياة قاسية، وبذكر الله تطمئن القلوب.

 

> ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لقد رضيت أختك الراحلة بأقدارها وتحملت مسئولية أسرتك بالرغم من مرضها وقلة دخلها، فأسعدها الله بزوج فاضل أحبها وأخلص لها وخاض معها رحلة قصيرة أثمرت عن طفلة بريئة, ثم شاء القدر أن ترحل عن الدنيا وهى فى عز الشباب ثم يلحق بها زوجها بعد ثلاثة شهور فقط، وجاء الدور عليك لكى تردى بعض الجميل إلى أختك فى ابنتها المريضة

لقد قال الإمام عمر بن عبد العزيز: «ما كنتُ على حال من حالات الدنيا فيسرنى أنى على غيرها»، ومما حُفظ عنه قوله: «أصبحت وما لى سرورٌ إلا فى مواضع القضاء والقدر»، واشتُهرت عنه دعواتٍ كان يُكثر من ترديدها منها: «اللهم ارضنى بقضائك، وبارك لى فى قدرك، حتى لا أُحب تعجيل شىء أخّرته، ولا تأخير شئ عجّلته»، ويقول خلف بن إسماعيل: «سمعتُ رجلاً مبتلى من هؤلاء «الزمنى» - أى من كان مرضهم مزمناً- يقول: وعزتك لو أمرت الهوام فقسمتنى مُضَغاً ما ازددت لك بتوفيقك إلا صبراً، وعنك بمنّك ونعمتك إلا رضاً»، وكان الجُذام قد قطّع يديه ورجليه، وعامّة بدنه.

وفى قوله تعالى: وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (التغابن 11)، يقول علقمة: «هى المصيبة تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله، فيسلّم لها ويرضى»، ورأى على بن أبى طالب رضى الله عنه أحد المبتلين فقال له: «يا عدى إنه من رضى بقضاء الله جرى عليه فكان له أجر، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه فحبط عمله» وروى أبو هارون المدينى عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال: «إن الله تبارك وتعالى بقسطه وعلمه جعل الرَوح والفرج فى اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن فى الشك والسخط»، وروى مكحول أن ابن عمر رضى الله عنه كان يقول: «إن الرجل ليستخير الله فيختار له، فيتسخّط على ربه، ولا يلبث أن ينظر فى العاقبة فإذا هو قد خِير له»

وفى تفسير قوله تعالى: «وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ» [الحج: 35] جاء عن سفيان قوله: «المطمئنين الراضين بقضائه، المستسلمين له».

وقال أحد العبّاد: «إن أنت رضيت بما أُعطيت؛ خفّ الحساب عليك فيما أوتيت»، وقريباً من هذا قول الحسن: «من رضى من الله بالرزق اليسير؛ رضى الله منه بالعمل القليل»، وروى عن ابن أبى الحوارى أن أبا عبد الله النباجى كان يقول: «إن أعطاك أغناك، وإن منعك أرضاك

وأُثر عن الإمام ابن عون قوله: «ارض بقضاء الله على ما كان من عسر ويسر؛ فإن ذلك أقل لهمّك، وأبلغ فيما تطلب من آخرتك، واعلم أن العبد لن يصيب حقيقة الرضا حتى يكون رضاه عند الفقر والبؤس كرضاه عند الغناء والرخاء، كيف تستقضى الله فى أمرك ثم تسخط إن رأيت قضاءه مخالفاً لهواك؟

واستنصح بشر بن بشّار المجاشعى ثلاثةً من الصالحين فقال الأوّل: «ألق نفسك مع القدر حيث ألقاك؛ فهو أحرى أن تُفرغ قلبك، ويقل همّك، وإياك أن تسخط ذلك فيحل بك السخط وأنت عنه فى غفلة لا تشعر به»، وقال الثاني: «التمس رضوانه فى ترك مناهيه فهو أوصل لك إلى الزلفى لديه»، وقال الثالث: «لا تبتغِ فى أمرك تدبيراً غير تدبيره؛ فتهلك فيمن هلك، وتضلّ فيمن ضلّ»، وعن عامر بن عبد قيس قال: «ما أبالى ما فاتنى من الدنيا بعد آيات فى كتاب الله» يعنى قوله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِى الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُبِينٍ[هود: 6]، وقوله تعالى: مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ [فاطر: 2]، وقوله تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (الأنعام: 17)

أسأل الله أن يهبك الصبر والرضا، وأن يثيبك من فضله وكرمه.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق
  • 5
    مصرى حر
    2019/06/21 15:26
    0-
    0+

    فضلا: تكملة محتملة للتعليق المطول على مشكلة"الخطأ الفادح"
    فربما لا تسمح المساحة بنشر التعليق كاملا وها أنذا ارسل الثلث الاخير منه[تتبقى جزئية الزعم الكاذب عن نسب الأبناء وأرى أن الدافع الاول لذلك هو الطمع ثم الكيد والغيرة العمياء بين الضرائر ولكن يدحض ذلك كله ثقة الزوجة فى نفسها اولا ثم ثقة وحسن سمعتها بين اهلها ومعارفها وجيرانها ولا يتبقى عليها بعد ذلك سوى طمأنة اولادها بصحة نسبهم لأبيهم الذى قام بتسجيلهم بنفسه كأبناء شرعيين له ولم يشكك هو أو غيره فى ذلك طيلة حياته ،،أخيرا نصيحة من قبيل المروءة والايثار والكرم: أرى أنه ليس هناك مايمنع منح الزوجة الاولى الطامعة بعضا من المال الزائد عن حقها طواعية "نصف الثمن" لتنتهى المسألة لأننى أرجح بان الميراث هو السبب الجوهرى فى مزاعمها ...وزيادة فى الفضل حبذا لو قامت صاحبة المشكلة بحث ابنائها على صلة زوجة ابيهم حسبة لوجه الله وصلة الرحم وهذا قد يؤدى للاعتراف بالخطأ والاعتذار ،،وبالله التوفيق]
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 4
    Wael
    2019/06/21 14:06
    0-
    0+

    برجاء ارسال عنوان السيدة الفاضلة أو رقم التليفون
    برجاء ارسال عنوان السيدة الفاضلة أو رقم التليفون
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 3
    ^^HR
    2019/06/21 09:29
    0-
    0+

    إنا لله وانا اليه راجعون...إنما الصبر عند الصدمة الاولى
    "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" كما قال المولى عز وجل..."إنما الصبر عند الصدمة الاولى" كما قال رسولنا عليه الصلاة والسلام،،أبدى تعاطفى مع هذه السيدة المكلومة وأواسيها وأشاطرها أحزانها فى مصابها الجلل فالموت مصيبة كما ورد نصا فى القرآن الكريم"فأصابتكم مصيبة الموت" والمصيبة لم تقتصر على واحدة،،وفى ذات الوقت أحيى هذه السيدة على حسن صبرها ورضائها بقضاء ربها وقدره ووفائها واعترافها بفضل شقيقتها عليها وحسن اخلاق زوجها الراحل،،أدعو للشقيقة الراحلة وزوجها بواسع الرحمة والمغفرة وأن يجعل ما سردته الشقيقة أعلاه عن حسن خصالهما ومعدنهما الطيب فى ميزان حسناتهم يوم القيامة
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 2
    ^^HR
    2019/06/21 09:04
    0-
    0+

    فضلا وسماحا: رأى فى المشكلة الاولى"الخطأ الفادح"
    هذه المشكلة تتكون من شقين كالتالى: الأول قبل وفاة الزوج وأرى أنه لا محل لتحامل هذه السيدة على الأبوين والزوج المتوفى بالبحث عما تعتقده أخطاء لهم لإلقاء التبعات عليهم فجميعهم كانوا مدفوعين بحسن النوايا وعزز ذلك موافقة صاحبة المشكلة منذ اللحظة الاولى على الزواج بلا تردد رغم ما أشارت إليه عن تردد ابيها فى البداية يضاف لذلك إعترافها بكرم وحسن اخلاق زوجها الراحل الذى وفر لها حياة مرفهة كما ذكرت،، أما الشق الثانى المتعلق بإكتشاف زواج زوجها بأخرى والتشكيك الكاذب فى نسب الابناء بعد وفاة الزوج: أرى أن هذه السيدة تبالغ فى تضخيم مشكلتها وندب حظها وإجترار ما تعتقد أنه اخطاء لأهلها رغم أنهم أخذوا مشورتها كما ذكرت فضلا عن تقديم النصائح لغيرها عن حتمية كذا وكذا وأتفق مع أخانا أ. البرى المحترم فى جزئية سلامة الزواج من الوجهة الشرعية والقانونية من حيث الاشهار والعلانية وموافقة ولى الأمر والاسرة وشهادة الشهود وأنه اصبح زواجا مستقرا ومعروفا لدى الجميع بلا ثمة شبهة وصولا لإنجاب الابناء وقيام الأب بتسجيلهم بإسمه ولا يقدح فى جميع ما سبق أنه الاجراءات تمت بمعرفة محامى،،تتبقى جزئية الزعم الكاذب عن نسب الأبنا
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 1
    مسن
    2019/06/21 02:13
    0-
    0+

    سبحان الله العظيم
    سبحانك ربى تعددت الاسباب والموت واحد ظننت ان سبب وفاة شقيقتك هو مرض السكر وسبحان الله تموت بسبب حادث وزوجها السليم المعاف يموت كمدا وحزنا عليها ويتركون صغيرتهم امانة بين يديكم سبحان الله ...
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق