رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الطاهر بن جلون..
يعالج «الأرق» بالقتل لينام!

من منا لا يعرف هذا الشعور.. أن تقلب رأسك على الوسادة مع العلم أنك لن تغفو قبل الفجر؟.. ركض طوال اليوم على أمل راحة بالليل طال انتظارها ولكنها عزيزة مفقودة.. فقد هرب النوم وحل محله الأرق. فى روايته الجديدة وبحس فكاهي؛ يقترح الكاتب المغربى الفائز بجائزة جونكور الطاهر بن جلون وصفة سحرية وحلا جذريا لمشكلة الأرق وهرب النوم، جربها بطل روايته الذى يعانى لفترة طويلة من الأرق ولكنه اكتشف علاجًا مكنه من البدء فى النوم كطفل رضيع مرة آخري..قتل الأشخاص هو سره للحصول على نوم جيد ليلا، فكل جريمة قتل جديدة تجلب له نقاط ائتمان للنوم!.

الأرق يمكن أن يؤدى إلى الجنون. هذه هى مشكلة الشخصية التى صنعها بن جلون فى روايته الأحدث التى تحمل اسم «الأرق». فهو كاتب سيناريو مغربى يعيش فى طنجة ، لم يعد يحلم لأنه لا يعرف النوم ويطلبه دوما بيأس «من فضلك... قليلاً من النوم... قليلاً من هذا الغياب اللطيف والممتع... ملاذ بسيط، مهرب قصير ، نزهة مع النجوم فى الظلام».ولكن النعاس يهرب منه مهما فعل كما يقول «فى غرفتى، كانت الستائر سميكة ومزينة. لقد جهزت نفسى حتى لا يزعجنى شيء خلال نومي. الزجاج ثلاثى. سرير عالى الجودة - صفائح من القطن الممتاز. تم اختيار الوسائد بعناية وتتكيف تمامًا مع وضع الرأس. زجاجة ماء على طاولة الليل. ترانزستور صغير. جهاز iPod للاستماع إلى الموسيقي. حصائر أرضية للقيام بتمارين التنفس الاسترخائية أثناء الليل. ولكن لا شىء يعمل». وهو بحاجة شديدة له كى تستقيم حياته وينصلح حال عمله «عدم النوم هو حرمانك من الأحلام. لكننى بحاجة إلى أحلام لإطعام مخيلتى».

بالمصادفة يكتشف حلا لأزمته عبر قتل والدته المريضة والمتألمة دوما من أجل تخليصها من عذابها بناء على طلبها ليشعر بتأنيب الضمير بعدها، ويظن أنه لن ينام وسيقضى ليلة مروعة جراء ما فعل ولكنه يفاجأ بالعكس! «قتلت أمى. وسادة على الوجه. ضغطت قليلا.جسدها لم يقاوم . توقفت عن التنفس. هذا كل ما فى الأمر. بعدها نمت. ذهبت فى ثبات عميق وطويل لساعات. حلمت بأحلام كثيرة ومشرقة. كانت هذه أول مرة أقضى فيها ليلة كاملة فى نوم عميق هادئ». إلا أن استمتاعه بالنوم لم يمتد لوقت طويل فقد عاد الأرق يهاجمه مرة آخرى كما يقول، «الأرق لا يتخلى عن فرائسه، التعب يدمر الذاكرة، ويجعلها محمومة ومليئة بالثقوب». يتبين أن عليه إيجاد ضحية آخرى ليقتلها كى ينام ويحلم فيصبح قتل الأشخاص بمثابة أقراصه المنومة السحرية. كلما تكاثر الموتى تكاثرت نقاط ائتمان النوم وتزايدت فرصه فى النوم الهادئ والأحلام السعيدة.

وبرغم ذلك لا يزال لديه القليل من الأخلاق والضمير فهو يختار القضاء بشكل مفضل على الأشرار وأفراد العصابات والمرضى فالعدالة هنا شرط أساسى كى ينجح الأمر فكلما كانت ضحيته أكثر شرا ونفوذا كلما نام أطول وأفضل «بقتل الأوغاد ، سوف تكون قادرًا على النوم جيدًا» فيعمل على تعجيل وفاة السياسيين الأوغاد الذين نقلوا إلى المستشفى على وجه السرعة أو يساعد المعذبين والمتألمين على الموت بكرامة. ولا يعتبر نفسه قاتلا بقدر ما يعتبر نفسه «معالج» يساعد الآخرين على الموت كما يرى نفسه: «لم أكن قاتلًا بل معالج شفاء بالموت». لذا يبدأ الراوى الأرٍق بفحص عائلته ومعارفه من أجل تحديد المسنين الذين يعانون، والذين يمكن أن يتعجل موتهم دون التعرض لخطر لفت انتباه الشرطة ويصبح محترفا بفضل كونه جيدًا فى كتابة وتنفيذ سيناريوهات القتل السينمائية المتقنة التى تجنبه السجن. الضمير سيدفعه أيضًا إلى مهاجمة أغنى المصرفيين فى المغرب. فهو ينتقم من تلك الشخصيات كعقاب رمزى من الشعب لهم على أنانيتهم، كما الحال عندما يقتل زعيم تجارة المخدرات على يخته الخاص، فإن هذا النوع من القتل يمكن أن يجلب له المزيد من النقاط الائتمانية للنوم.

تعتبر «الأرق» أول رواية للطاهر بن جلون يستخدم فيها هذا القدر من السخرية فعبر تلك الكوميديا السوداء يبرز بن جلون كلاً من هشاشة الحياة والموت، وأيضًا كل الأسباب التى يمكن العثور عليها لتبرير القتل وإنهاء حياة شخص ما. تقدم الرواية نقدا ساخرا للحالة الاجتماعية بالمغرب عبر تناول قضايا شائكة مثل القتل الرحيم والفساد وتردى الصحة والتعليم ومشاكل المجتمع المغربى الأخرى المتعلقة بالدين أو السياسة أو النشاط الجنسى فى البلاد.

الطاهر بن جلون روائى وشاعر ومفكر مغربى يقيم فى فرنسا من الجيل الثانى للكتاب المغاربة ، الذين يكتبون باللغة الفرنسية عن قضايا العرب والمسلمين فى بلدانهم وفى أوروبا ، و له أعمال كثيرة فى الشعر و الرواية و القصة أبرزها «طفل الرمال»، «يوم صامت فى طنجة»، «تلك العتمة الباهرة»، وتتميز كتاباته بالطابع الفولكلورى و العجائبى، وهو حاصل أيضا على جائزة جونكور الفرنسية عن رواية «ليلة القدر» كما توج بجوائز آخرى، منها جائزة إيمباك الأدبية سنة 2000، وجائزة دبلن للآداب سنة 2004، وجائزة إيريك ماريا ريمارك للسلام سنة 2011، وترجمت أعماله إلى 47 لغة. 

 

  •  L'insomnie.Tahar Ben Jelloun. Gallimard Publishing. 2019

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق