أعادت أزمة طلاء تمثال الخديو إسماعيل باللون الأسود، إلى الأذهان العديد من الوقائع المماثلة التى شهدتها ميادين مختلفة بالمدينة، حيث تم التعامل بشكل مماثل مع تمثال سعد زغلول بالإضافة إلى وضع منحوتات بعيدة تمامًا عن شكل شخصياتها الحقيقية، وهو ما يثير القلق حول طرق التعامل مع التماثيل التاريخية التى يمتد عمرها لعقود وصنعت بيد أمهر الفنانين والنحاتين العالميين.
ففى سبتمبر الماضي، فوجئ السكندريون بطلاء تمثال سعد زغلول الذى يتوسط ميدان محطة الرمل باللون الذهبي، فى إطار أعمال تطوير الميدان ، وهو ما آثار موجة من الانتقادات، بينما أكدت إدارة آثار الإسكندرية، أن الأعمال تمت دون الرجوع إليها، وانتهت الأزمة بتشكيل لجنة متخصصة من أساتذة فنون جميلة للإشراف ولتقييم عملية الترميم.
وقبل ما يزيد على عامين، تم وضع تماثيل لعدة شخصيات تاريخية من بينها الإسكندر الأكبر وكليوباترا ويوسف شاهين وسيد درويش، فى ميدان محطة الرمل، إلا أنها تسببت فى موجه واسعة من الاستياء من قبل المواطنين، الذين وصفوها بالمشوه والبعيدة عن ملامح شخصياتها الأصلية، وطالبوا بإزالتها من الميدان، وعلى الرغم من ذلك فهى لاتزال قائمة كما هي.
أزمة مماثلة؛ أثارها تمثال صنع تخليدًا لذكرى صفية زغلول، وضع فى نهاية شارع صفية زغلول الشهير وسط المدينة، ومع الهجوم عليه إضطر الدكتور أحمد بركات، أستاذ النحت بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية لإجراء تعديلات فنية عليه.
ومن جانبه، يقول الدكتور هشام سعودي، نقيب المهندسين بالإسكندرية عميد كلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية السابق، إن التعامل مع الميادين والتماثيل الأثرية التى تمثل أهمية تاريخية كبيرة، لابد أن يتم بأسلوب علمى وليس اجتهاديا من قبل غير المتخصصين أو الدارسين.
ويؤكد سعودي» إن هذه الأعمال تخضع لقرارات صادرة من رئيس مجلس الوزراء والجهاز القومى للتنسيق الحضاري، بحظر ترميم أو وضع تماثيل بالميادين العامة؛ إلا بعد الرجوع إلى وزارتى الثقافة والآثار، مشيرًا إلى أنه كان لابد من الرجوع إلى جهات الاختصاص واللجان المتخصصة للتعامل مع التراث والآثار، قبل الشروع فى تجديده.
ويوضح «سعودي» إن الإسكندرية شهدت أعمال تطوير وتجديد لميادين وتماثيل مهمة بشكل علمى للمحافظة على أصلها لما تمثلها من علامات فى تراث الأعمال الفنية، مثلما حدث مع تمثال وميدان محمد على بمنطقة المنشية، إضافة إلى تمثال الخديو إسماعيل الذى نقل من ميدان الجندى المجهول ثم حديقة متحف الفنون الجميلة، وأخيرًا إلى الميدان المجاور لسينما أمير بمنطقة محطة الرمل، المكان الحالي.
ويضيف «سعودي» إن آخر ترميم للتمثال تم منذ سنوات كان على يد الدكتور أحمد السطوحي، أحد النحاتين الكِبار بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، بشكل مُتخصص وعلمى ساعد على الحفاظ عليه لسنوات، بعد الأضرار البسيطة التى كان قد تعرض لها نتيجة عوامل الجو ونقله أكثر من مرة.
واقترح الدكتور إسلام عاصم، نقيب المرشدين السياحيين السابق، أستاذ التراث بالمعهد العالى للسياحة، تخصيص جهة واحدة للتعامل مع ما يعتبر تراثا أو فنونا فى المدينة، تصدر بقرار من المحافظ وتكون تحت إشرافه، وذلك من خلال وجود لجنة متخصصة يعرض عليها أى مقترح يمس التماثيل والحدائق التراثية، على أن تتكون من ممثلين عن الآثار والسياحة والتراث والفنون الجميلة.
وطالب «عاصم» بمحاسبة المسئولين عن تشويه التماثيل التراثية، خاصة أنها تكررت عدة مرات مع تماثيل تمتلك أهمية تاريخية وتراثية كبيرة، حيث تقوم الأجهزة التنفيذية بمثل هذه الممارسات دون الرجوع إلى لجنة التراث أو الآثار أو متخصصين لأخذ رأيهم فيما يتم.
من جانبه، يؤكد محمد متولي، مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالإسكندرية والساحل الشمالي، إن هناك قرارا يلزم الأجهزة التنفيذية بالمحافظة بالرجوع إلى «الآثار» للإشراف على جميع أعمال التطوير التى تتم فى التماثيل والمبانى الأثرية والتراثية، وهو ما لم يتم حيث تُنفذ أعمال التجديد دون علم «الآثار» قبل وفى أثناء العمل.
ويوضح متولي» إن أعمال التجديد تُنفذ عن طريق متخصصين للمحافظة على هذه الأعمال الفنية التاريخية التى تمثل أهمية قصوى فى التراث السكندرى والمصري، مما يستلزم التعامل معها بمواد وطرق مدروسة، مشيرًا إلى أنه عقب هذا التعامل الذى يتم مع التماثيل، يقع على «الآثار» عاتق بذل مجهود أكبر لإعادة الشيء لأصله.
جدير بالذكر، أن وزارة الآثار بصدد تسجيل خمسة تماثيل موجودة بميادين الإسكندرية بمجلد الآثار، وهى محمد على باشا والخديو إسماعيل ونوبار باشا والإسكندر الأكبر وسعد زغلول.
كانت المدينة قد شهدت أزمة الأسبوع الماضي،عقب إعلان حى وسط الانتهاء من أعمال رش ودهان تمثال الخديو إسماعيل وذلك فى إطار أعمال التطوير الجارية بالميدان الكائن به التمثال، ليفاجأ السكندريون بطلائه باللون الأسود، وهو ما أثار غضبهم واستياءهم، إلا أن المحافظة تدخلت وأوكلت الأمر لمتخصصين.
رابط دائم: