رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

سايس الآنسة يووال

روديارد كبلنج ترجمة: عبدالسلام إبراهيم

يرى بعض الناس أن الرومانسية معدومة فى الهند. هؤلاء الناس مخطئون تماماً. فحياتنا مليئة بقصص رومانسية مفيدة لنا. وأحيانا تفعل المعجزات.

كان ستريكلاند يعمل فى الشرطة، لم يفهمه الناس، قالوا عنه إنه رجلٌ يثير الشكوك، لذا كانوا يتجنبوه. كان على ستريكلاند أن يتلقى الشكر على ذلك أيضاً. لأنه كان صاحب نظرية خارقة، وهى أن الشرطى فى الهند يجب أن يحاول معرفة الكثير عن بنى وطنه أكثر مما يعرفون عن أنفسهم. إنه رجل واحد فى شمال الهند كله يمكن أن يتحرك بين الهندوس وبين المسلمين، بملابس الهنود أو بملابس المسلمين كلما يروق له. كان المواطنون يخشونه ويحترمونه بدءً من خور كاثرى إلى مسجد جوما، ومن المفترض أن لديه القدرة على التخفى، وأوتى السيطرة على شياطين الإنس. لكن أى فائدة عادت على الحكومة من تلك القدرات؟ لا شىء البتة. لم يأخذ أى رشوة، واسمه غير معروف حتى للانجليز أنفسهم.

كان ستريكلاند أحمقاً حتى يصبح هذا المثال، وأن يتبنى نظريته السخيفة، فتجول فى مناطق عشوائية، فأى رجل محترم لا يفكر فى التجول فى مناطق يوجد بها شرذمة من البشر. علَّم نفسه هذه الطريقة الغريبة طوال سبع سنوات، ولم يُقدر الناس هذا التعليم. اشتهر بأنه يبيع الوهم للناس، وهو الشيء الذى كان يرفضه أى إنسان لديه إحساس عميق. استهل نشاطه بحى سات باهى فى منطقة الآباد، عندما كان على وشك الرحيل من هذا المكان، عرف أغنية السحلية الخاصة بقبيلة سانيس، ورقصة هيلا هوك، والتى كانت رقصة دينية مذهلة. عندما يعرف الرجل الذى يرقص رقصة هيلا هوك، ويعرف كيف ومتى وأين يرقصها، فهو يعرف شيئاً يفخر به. بل يعرف أكثر مما يعتقد. لكن ستريكلاند لم يكن فخوراً، على الرغم من أنها ساعدته فى إحدى القضايا فى احتفال كبير، والتى لا يستطيع أى مواطن انجليزى أن يشاهدها، قد سيطر على لصوص فى حى شانجارى، وقبض على أوسفازى لص الحصان الذى كان يقف تحت منبر المسجد، بعد أن تخفى فى ملابس شيخ وصلى فى المسجد.

كان إنجازه الكبير فى قضاء أحد عشر يوماً كمسلم فى حدائق بابا أتال فى منطقة أمريستار فكان يجمع خيوط قضية مقتل ناسيبان الكبرى. لكن قال الناس حينئذ «لماذا لا يجلس ستريكلاند فى مكتبه، ويكتب مذكراته ويوظف شخصاً ما ويلتزم بالهدوء، بدلاً من أن يُظهر عجز قواده الكبار»؟ هكذا لم تعد قضية ناسيبان الكبرى له بنتيجة إدارية، لكن بعد مشاعر الغضب الأولى التى انتابته، عاد إلى عادته الغريبة فى الاندماج فى الحياة اليومية. عندما يتذوق شخصٌ ما متعته الخاصة، فإنها تتقيد به طيلة أيامه. إنها أكثر الأشياء سحراً فى العالم، الحب يباغتك أينما كنت. فعندما يأخذ بعض الناس عشرة أيام فوق الجبال للتنزه، فإن ستريكلاند يرحل من أجل ما يسميه الصيد، فقام بالتنكر المناسب فى هذا الوقت، واختفى بين الحشود التى ابتلعته لبرهة. فأصبح حينئذ رجلاً أسمر البشرة هادئاً، وافر الجسد، عيناه سوداوان، عندما لا يفكر فى أمر ما، يكون مواطناً رائعاً. كره المواطنون ستريكلاند، لكنهم كانوا يخشونه. فقد كان يعرف الكثير.

عندما وصلت عائلة يوال إلى المحطة، وقع ستريكلاند فى غرام الآنسة يوال، أما هى فبعد فترة وقعت فى غرامه، لأنها وجدت فيه غموضا رومانسيا. طلب ستريكلاند خطبتها من والديها، لكن السيدة يوال قالت إنها لن تلقى بها للتهلكة فى أسوأ مكان فى الإمبراطورية، ولخَّص يوال الهَرِم رأيه بعدة كلمات: إنه لا يثق فى أفعال وكلمات ستريكلاند، ويشكره على عدم محاولته أن يكلم أو يرسل خطابات لابنته. «حسنا» هكذا قال ستريكلاند، لأنه لم يشأ أن يوقع حبيبته فى متاعب، فبعد محادثة طويلة مع الآنسة يوال توقف تماماً.

ذهبت عائلة يوال إلى سيملا فى شهر إبريل.

فى شهر يوليو كان ستريكلاند قد ادخر ثلاثة أشهر من إجازته من أجل القيام بشئون خاصة. أوصد أبواب منزلة، على الرغم من أنه لا يستطيع مواطن محلى فى المنطقة أن يلمسه، وذهب ليقابل صديقاً له، يعمل صبَّاغا فى تارن تاران.

خابت كل المساعى التى قمت بها للعثور عليه، حتى قابلنى سايس فى مكتب بريد سيملا بقصاصة ورق عجيبة.

صديقى القديم

من فضلك أعط حاملها علبة سيجار من نوع شيروت الممتاز، ستجد أفضل الأنواع فى النادى. سأدفع ثمنها عندما نتقابل مرة ثانية، لكن فى هذا الحين أنا بعيد عن الأنظار.

صديقك المخلص

ستريكلاند

اشتريت علبتين وأعطيتهما للسايس وأبلغته تحياتى.. ستريكلاند كان هذا السايس، وكان يعمل لدى يوال المسن لكى يرافق الآنسة يوال..كان الرفيق المسكين يعانى فى البحث عن الدخان الانجليزى، وتيقنت أنه مهما حدث، فكان يجب أن أضع لسانى فى فمى حتى تنتهى المهمة.

بعد ذلك، اندمجت السيدة يوال فى إصدار الأوامر لخدمها، بدأت تتباهى بين الناس فى المنازل التى كانت تُدعى إليها بخدمها. لم يكن الرجل، الذى كان مشغولاً جداً، يحب أن يستيقظ فى الصباح ليقطف الأزهار التى توضع على مائدة الإفطار، لكنه طلى حوافر حصانه باللون الأسود مثل حوذى لندني! ما حدث للآنسة يوال كان عجب العجاب. ستريكلاند- أقصد دوللو، هذا اسمه الجديد، وجد مكافأته فى الكلمات الجميلة التى كانت تقولها الآنسة يوال له عندما كانت تخرج لكى تمتطى جواداً. كان والداها مسرورين لكى يجدا أنها نسيت كل حماقاتها الخاصة بستريكلاند الشاب، وقالا إنها فتاة صالحة.

أَقْسَم ستريكلاند إن الشهرين اللذين قضاهما فى الخدمة كانا أكثر الأنظمة صرامة على الذهن. وبغض النظر عما حدث له عندما وقعت زوجة سايس آخر فى غرامه، وحاولت بعد ذلك أن تدس له سم الزرنيخ، لأنه رفض أن يفعل معها شيئاً. اضطر أن يظل هادئاً عندما خرجت الآنسة يوال لامتطاء الجياد مع أحد الرجال الذى حاول أن يغازلها، أُجبره أن يركض فى الخلف. كان عليه أيضا أن يضبط أعصابه عندما شتمه شرطى فى ساحة بينيمور، خصوصاً عندما أساء معاملة تاكى الذى قام هو نفسه بتوظيفه من قرية أيسر جانج. أو تسوء الأمور أكثر عندما نعته ملازم أول شاب بالخنزير لأنه لم يسرع فى ركضه خلف الجواد.

لكن الحياة لديها التعويض المناسب. اكتسب فهماً عميقاً فى طرق ووسائل السرقة من خلال مهنة السُيَّاس، مما جعله يقرر ضرورة إدانة نصف سكان إقليم البنجاب. لو كان فى الخدمة فى الوقت الحالى، لأصبح واحداً من اللاعبين المهرة فى لعبة مصارعة الرسغين، والتى يلعبها الكثير من السُيّاس عند انتظارهم أمام مبنى الحكومة، أو أمام مسرح المنوعات فى الليالى التى تعلم فيها أن يدخن التبغ، سمع عن حكمة جاماندر من سُيّاس مبنى الحكومة صاحب الكلمات القيمة. رأى أشياء كثيرة أمتعته، وقال حينئذ إنه ليس هناك رجل يمكن أن يقدر حى سيملا بشكل صحيح حتى يراه من وجهة نظر السُيّاس. يقول أيضا إنه لو اختار أن يكتب كل ما رآه، فيمكن أن يتهشم رأسه إلى عدة أجزاء.

المعاناة التى جابهها ستريكلاند فى الليالى الممطرة وهو يسمع الموسيقى ويرى الأضواء فى بينيمور، وقدماه تدغدغهما رقصة الفالس الممتعة جدا، ورأسه يهتز كرأس الحصان. فى يوم من تلك الأيام كان ستريكلاند سيكتب كتاباً عن خبرته. سيستحق هذا الكتاب أن يُشترى، ويستحق أن يخمد الأهواء.

هكذا خدم بإخلاص، وكان على وشك الرحيل عندما حدث المحظور. فعل كل ما فى وسعه ليحافظ على هدوئه عند سماعه كلمات الغزل الذى سمعها بأذنيه من قبل، لكنه انفجر فى النهاية. أخذ جنرالاً كبيراً بارزاً الآنسة يوال لنزهة، وبدأت بذاءته الخاصة مثل «إنك فتاة صغيرة جدا». نوع من الغزل – صعب على المرأة أن تشيح بوجهها بدهاء، ومن المثير للجنون الإنصات لذلك الغزل. كانت الآنسة يوال ترتعد خوفاً من العبارات التى قالها على مرآى ومسمع من السايس. دوللو، ستريكلاند، كان يوقف ذلك كلما استطاع. ثم كبح جماح الجنرال، وبلغة انجليزية فصيحة دعاه لأن ينزل وأن يصعد فوق الجرف. خلال دقيقة بدأت الآنسة يوال تنتحب، لذا رأى ستريكلاند أن يتركه وشأنه، ثم انتهى كل شىء.

كان الجنرال منسجماً، بينما كانت الآنسة يوال تبكى، بغض النظر عن مسألة التنكر، أو موضوع الخطوبة التى لم يقبلها الأبوان. كان ستريكلاند يستشيط غضباً من نفسه ومن الجنرال الذى اضطر أن يمسك يده، لذا لم يقل شيئاً، لكنه أمسك برأس الحصان، وتأهب لأن يضرب الجنرال كنوع من الارتياح. لكن عندما استوعب الجنرال القصة، وعرف شخصية ستريكلاند، بدأ ينفخ فى السرج، انفجر ضاحكا. قال إن ستريكلاند يستحق أن يكون نائباً لرئيس الشرطة، حتى لو كان الأمر يقتصر على ارتداء ملفحة السايس. أطلق على نفسه عدة ألقاب بذيئة، أقسم أنه يستحق أن يُضرب، لكنه كان متقدماً فى السن فلن يحتمل ذلك من ستريكلاند. أثنى على حبيب الآنسة يوال. فضيحة المهنة لم تلفت نظره، لأنه كان رجلاً هرماً وضعيفاً أمام الغزل. ثم ضحك مرة أخرى، وقال إن يوال الهرم كان أحمقً. ترك ستريكلاند رأس الحصان، واقترح أن يساعدهما الجنرال، لو وافق على ذلك. كان ستريكلاند يعرف نقطة ضعف يوال، وهى أنه يخشى الرجال ذوى الألقاب والذين يضعون بعض الحروف بعد أسمائهم أو ذوى المناصب الرسمية العليا. «إنها مسرحية كوميدية ينهيها خلال أربعين دقيقة.» هكذا قال الجنرال، ثم أضاف «لكن حقيقة سأساعدكم، حتى لو كان الهروب من الضرب الشديد الذى أستحقه. عُد لبيتك أيها الشرطى السايس، والبس ملابس مناسبة، وسأهاجم السيد يوال. آنسة يوال هل يمكن أن تذهبى للبيت وتنتظرى»؟.

بعد سبع دقائق كان هناك اضطراب فى النادى. كان هناك سايس يضع ملفحة على رأسه يستجدى كل الذين يعرفهم: «من فضلكم أعطونى ملابس لائقة». لكن الرجال لم يعرفوه، كانت هناك مشاهد غريبة أمام ستريكلاند، يستطيع أن يحصل على حمام ساخن فى إحدى الغرف، ويجد قميصاً هنا، وياقة هناك، بنطلونا فى مكان ما، وهكذا. خرج ركضاً ونصف دولاب النادى على ظهره، يمتطى مهرة شخص غريب، منطلقاً إلى منزل السيد يوال. كان الجنرال الذى يرتدى ملابس أرجوانية قد وصل قبله. ما قاله الجنرال لم يعرفه ستريكلاند، لكن يوال استقبل ستريكلاند بترحيب، أما السيدة يوال فقد تأثرت بسبب ولاء دوللو المتحول، فقد كانت عطوفا. كان وجهها يشع بالضحك، ثم دخلت الآنسة يوال، وربما قبل أن يعرف يوال أين كانت.، كانت الموافقة الأبوية قد قُدمت، وغادر ستريكلاند مع الآنسة يوال إلى مكتب التلغراف ليبرق تلغرافا ليُعد نفسه. الإحراج الأخير الذى تعرض له كان عندما هاجمه شخص غريب عند مكتب التلغراف وطالبه بالمهرة المسروقة.

لذا فى النهاية تزوج ستريكلاند والآنسة يوال، على شرط أن يتخلى ستريكلاند عن وسائله القديمة وأن يعود للنظام الإدارى الذى يدفع له مرتباً أفضل، ويؤدى إلى الوصول إلى حى سيملا. ستريكلاند كان مغرماً جداً بزوجته، فلا يستطيع أن يخلف وعده، لكنها كانت محاولة مؤلمة له، لأن الشوارع والبازارات والأصوات التى يسمعها فيها كانت تحتوى على معان بالنسبة لستريكلاند، وتلك المعانى كانت تناديه بأن يعود ويقوم بجولاته فى الاكتشافات. يوم ما سأقول لكم كيف حنث بوعده لكى يساعد صديقا. حدث ذلك منذ وقت طويل، كان فى ذلك الوقت مدللاً. كان ينسى اللهجة وأسلوب المتسول، والعلامات والإشارات، والانسياق وراء الشعور الدفين، وهو أنه لو أراد الإنسان أن يسود، فلابد أن يستمر فى التعلم دائما.

لكنه عاد لأسلوبه الجديد بشكل جميل.
 

روديارد كبلنج
« 1865-1936»

كاتب وشاعر وقاص بريطانى. حصل على جائزة نوبل فى الأدب عام 1907. وبهذا يُعتبر أصغر من حاز على جائزة نوبل، وأول من حصل عليها من كتاب اللغة الانجليزية. كان كبلنج من أعظم الروائيين فى الأدب الانجليزى. وُلد فى الهند. من أهم أعماله «كتاب الأدغال» 1894، وهو مجموعة من القصص القصيرة، تحتوى على أهم قصصة القصيرة، وكتاب «الرجل الذى أصبح ملكا» 1888. له العديد من القصائد مثل قصيدة «مندالى» 1890 وقصيدة «جانجا دين» 1890، وقصيدة «إذا».

يُعتبر كبلنج من أكبر مؤلفى القصص القصيرة، وتعتبر رواياته من كلاسيكيات وروائع الأدب العالمى. تبرز فى رواياته موهبته السردية المضيئة. قال عنه الروائى هنرى جيمس «لقد هالنى كبلنج بعبقريته الفياضه التى لم أشهد لها فى الحياة مثيلا.» أطلق عليه الروائى جورج أورويل لقب «نبى الامبراطورية اليريطانية». من أهم أعماله «النور الذى خبا» 1890، و«قصص للأطفال مثل كيم» 1901، و«كتاب الأدغال» 1894، و«القواد الشجعان» 1897، و«البحار السبعة» 1896، و«عمل اليوم» 1898.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق