ورطة ثقافية ونفسية يواجهها الشاب المسلم الأمريكى و كيف يمكن أن يكون مسلما يحترم التزاماته الدينية دون أن يفقد البهجة التى يعيشها المراهق الأمريكي؟معادلة صعبة ولكنها ممكنة وهى تحقيق الإندماج المرح بطريقة حلال والموازنة بين «الأصالة» و«المعاصرة» والتى تحتاج الى بذل الجهد لمواجهة التحديات التى تعترضه ليكون مسلما جيدا ومراهقا أمريكيا عاديا هذا ما حاول تحقيقة الكاتب الأمريكى وعالم الإجتماع «جون أوبراين» فى كتابه «الحفاظ على الحلال :الحياة اليومية للمراهقين المسلمين الأمريكيين».
تدور أحداث الكتاب فى ستة فصول أولها يصور الصراع الذى يعيشه الشباب المسلمون فى ظل اختلافات الثقافات وصراعهم مابين كونهم مسلمين ومابين الحياة الاجتماعية والثقافية المتوقع أن يعيشها المراهقون الأمريكيون ومحاولتهم إيجاد حل لتحقيق المعادلة الصعبة ما بين كونهم مسلمين وأمريكيين فى الوقت نفسه .
ويوضح أوبراين محاولة الشباب الأخذ من الثقافة الأمريكية حتى يكونوا مقبولين فى المجتمع الأمريكى ولكن تطويعها بما يتناسب مع كونهم مسلمين.ويبرز حرص الشباب على أداء الصلوات الخمس ولكن بطريقتهم أى ليس شرطا بعد سماع الأذان مباشرة موضحا قدرتهم على حل صراعهم مابين كونهم مسلمين وعليهم التزامات وكونهم أمريكيين يعيشون حياة مستقلة. ويصور الكاتب علاقاتهم الغرامية بطريقة شرعية كما يتناول مواهبهم وهوايتهم معتبرا أن هؤلاء الشباب الذين ينشأون ويعيشون فى أمريكا ليسوا مسلمين ولا أمريكيين بشكل كاف .
يتناول أوبراين طريقة المراهق فى تقديم وتعريف نفسه كمسلم فى مناخ يحتمل أن يكون متحرشا ضده وكيف يسعى جاهدا لتكون هويته الموروثة غير مرئية وكيف يترددون فى إظهار هويتهم الإسلامية عن طريق الملبس أو الكلام أو الفضاءات العامة كى يتجنبوا المضايقات المحتملة، لذلك يقومون بتعديلات إستراتيجية للتوافق مع الثقافة المهيمنة .
ويؤدى الشباب كل الطقوس الإسلامية من الصلوات الخمس وصوم رمضان والبعد عن العلاقات خارج إطار الزواج والابتعاد عن تناول الكحول والمخدرات .
يرصد أوبراين تعقيدات نمو الشباب كمسلمين فى أمريكا وتجنبهم الثقافة الشعبية المبتذلة فهم مثلا لا يفوتون صلاتهم ولم يسبق لهم إقامة علاقات مع فتيات قبل الزواج وكيف يراهم الكثير من الامريكيين الذين لم يتعودوا على مبادئ الإسلام مثل هؤلاء المجندين فى صفوف داعش رغم أن الشاغل الرئيسى لهؤلاء الشباب هو التفاعل مع المطالب الثقافية التى تشكل حياتهم اليومية.
يتتبع أوبراين هؤلاء الشباب عن قرب وهم ينتقلون معا فى سن المراهقة ويسلط الضوء على جهودهم فى إدارة حياتهم اليومية حيث يكتسبون أنماطا جديدة وديناميكية للهوية الأمريكية. ويستنتج عالم الإجتماع أن ما يضمن سعادتهم هو تطوير أسلوب حياة جديد يختلف عن أسلوب أقرانهم غير المسلمين حيث يحاول هؤلاء الشباب الانخراط فى متطلبات حياة من هم فى سنهم وبدلا من أن يعيشوا وضعهم كمأزق دخلوا فى الممارسات الثقافية نفسها الملازمة لنمط حياة مراهق حديث يعيش فى المدينة ولكن مع الإبقاء على هوية دينية خفية ومستترة .وحاولوا التفاعل مع الثقافة من خلال إستراتيجيات خفية ومبتكرة مثل الاستماع الى موسيقى «الهيب الهوب» البذيئة وتغييرها بطرق إسلامية مقبولة فهم تبنوا استماعا إسلاميا واعيا ومسئولا وليس ذلك الذى يمجد المخدرات والعنف والجنس. ويمنح هذا النوع من الموسيقى الشبابية فرصة التلاقى مع الشباب الأمريكيين ويؤدى الى اندماج أوسع للشباب المسلمين ورغم بحثهم عن الاندماج المرح عبر رغبتهم بهذا النوع من الموسيقى غير الإسلامية ولكن بطريقة «حلال».
وفى الوقت نفسه، صور الكاتب حرص الشباب على بذل الجهد لجعل المجتمع ينظر اليهم ويقيمهم على قدراتهم ومهاراتهم الفردية كالبراعة فى لعب كرة السلة أو التفوق فى التزحلق المائى وليس بناء على انتمائهم الدينى .
وانتهى أوبراين الى رغبة الشباب المسلمين الأمريكيين فى أن يكونوا شبابا أمريكيين عاديين يشاركون اهتمامات باقى شباب جيلهم كالشغف بالموسيقى وإقامة علاقات غرامية والدفاع عن استقلاليتهم وإعادة اختراع الممارسات الدينية لتتناسب مع التطورات مع الوفاء فى الوقت نفسه لعقيدتهم الإسلامية وقواعد ضوابط جماعتهم الدينية.
رابط دائم: