رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

يرى الفن فعل مقاومة يواجه أمواج الحياة..
عصمت داوستاشى: الإنسان لا يكون مبدعا إلا إذا شعر بالشغف فى الحياة

حوار - منى عارف

  • دخلت الثانوية الزخرفية ضد رغبة والدى

  • عندما رأى ناظر المدرسة رسوماتى قال: هنا مكانك




بستانه مليء بالالوان.. يسجل الواقع بدقائقه.. يؤمن بأن الحقيقة والجمال يكمنان فى العقل.. خاطب بلوحاته وجدان المشاهد.. وطرح أفكاره.. وسعى وراء عوالم جديدة براقة ومشرقة.. مثلما هناك لغة إبداعية تعبر عن الفن بمفردات وكلمات.. هناك لغة اخرى بصرية.. تعبر عن اللوحات والصور.. بما تعكسه من خطوط والوان وتراكيب.. وصيغ تأخذ من رحيق الأشياء.. وسحر الأزمنة والأمكنة.. بقايا عناصر من روح الحياة.. تأتى اللوحات لتختزل لنا زمنا بعينه بل وأزمنة متلاحقة.. يتربع نجم كبير فى تاريخ الفن المعاصر.

أستمدت خطوط فرشاته من الطاقة الدرامية المعاشة وهجاً متفرداً وامتزجت بربط من التعبيريةوالتجريدية مع ومضات رمزية.. تسعى خطوطه جاهدة للبحث الحقيقى عن جوهر الأشياء.. بعد أن عانقت رموزه الأساطير الشعبية: يخرج إلينا كل يوم متجدداً مصقولا بمحطات إبداعية متنوعة.. إنه: المستنير «داداً».. الفنان القدير عصمت داوستاشى.. نبدأ معه هذا الحوار.

كيف كانت هذه البدايات؟
الفن موهبة.. لا نتعلمها، هو عطية من عند الله.. وأعتبر بدايتى الحقيقية فى طريق الفن كانت وأنا عمرى 10 سنوات، عندما رسمت لوحة البراق النبوى.. ورسمتها وأنا أتطلع إلى سجادة معلقة من الجوبلان عمرها 500 عام تخص جدتي: سنة 1953 ومن يومها وانا لم أتوقف عن الرسم وشعرت بأنه هذا هو طريقى وسعادتى.

كيف جاءت التحولات فى حياتك.. ومن هم الذين أثروا تلك الموهبة الفنية لديك؟.

فى حقيقة الأمر كان يشجعنى فى الرسم عمى كمال الذى كان يعتبرنى مشروع فنان وكان يوجهنى كثيراً: لان أى موهبة فى بدايتها تحتاج إلى توجيه وكذلك المناخ الذى نشأت فيه والمنطقة التى ولدت فيها كانت منطقة ثرية جداً.. حى بحرى.. حى الترك أميز ما فيه الجو الصوفى لانه مليء بالاضرحة والمشايخ: أبو العباس والأباصيرى، فى كل مكان تجد فيه مقامات وتقام فيه الموالد والاحتفالات: منطقة تجمع ما بين الجو الدينى وملتقى الصوفيين.. الذين يأتون من المغرب و يستقرون فيه وميناء الأسكندرية الذى كان يعد ميناءا عالمياً،وكذلك مدينة الإسكندرية،مكان يطوف بها العديد من الأجناس، والأجانب فى شوارعها العريقة ومنطقة غنية جداً.. ترك ويونانيين وطليان تشبعت روحى.. بحى حى.. وبكل ذلك الزخم.. كتبت عن ذلك فى كتابى الأول الرملة البيضاء.. الموالد والاحتفالات النسيج الشعبى الاوروبى كون خيالى الإبداعى.. ليس الرسم فقط والنحت ولكن الكتابة أيضاً.. وأهم الفنانين الذين تأثرت بهم كثيراً: كان الفنان سيف وانلى.. وكنت أذهب اليه لاتدرب فى مرسمه.. وقبل ذلك كنت أجلس لدى الخطاط الذى يسكن تحت بتنا: اسمه الحج الوحش: كان رساما وخطاطا،وطلبت من جدى ان أجلس اساعده واتعلم منه.. ومازالت استخدم بعض من مهاراته وبعضا من التقنيات الفنية التى أمارسها حتى الآن اتقنتها عنده.. حتى دخلت مدرسة الإسكندرية الزخرفية الفنية،مدرسة محمد على باشا.. وكان لهذه الواقعة: قصة طريفة: حيث قلت لوالدى الذى كان يريدنى ان ادخل الثانوى العام: ان هذا ليس طريقى،ولن افلح فيه ابداً.. وذهبت بنفسى الى مدرسة محمد على الزخرفية وقابلت الناظر وقدمت له رسوماتي: قائلاً له: ان هذا هو مكانى الحقيقى.. وقلت له بالحرف: «هنا مستقبلى وغير هذا انا ضايع».

وقبلنى على الفور.. وكنت على مر السنوات من المتفوقين عاماً بعد الآخر.. وفى مرحلة المدرسة عرفت ان للفن ابعادا اخرى وانه اى الفن حياة كاملة.. وانه اتجاه عالمى.. علمت أن هناك مدرسة لتحسين الخطوط فذهبت وتعلمت على يد الأستاذ الكبير / محمد ابراهيم ومن ثم ذهبت الى قصر الفنون.. وكان مقره سنترال التليفونات بالمنشية،وذهبت لمرسم سيف وانلى،والذى تأثرت به كثيراً واشتركت باول معرض لاتحاد طلاب الإسكندرية من جميع المدارس، وكان رئيس لجنة التحكيم هو الفنان سيف وانلى.. وحصلت على الجائزة الأولى،مما دلنى بقوة أن طريق الفن هو الطريق الذى لابد ان امشى فيه.. بل فتحت الجائزة امامى آفاقا كبيرة: وقبل الانتهاء من العام الدراسى الأخير: عملت معرض للوحاتى وجاء الفنان سيف وانلى لافتتاحه.. بل وتكرر نفس الأمر قبل تخرجى كلية الفنون الجميلة التى تفوقت فيها سنة بعد اخرى وعملت معرضا آخر للوحاتى فى اتيليه الإسكندرية وافتتحه لى الأستاذ الدكتور / محمود موسى الذى آزرنى بدوره.. وكذلك العديد والعديد من الأساتذة والفنانين كانوا يشعرون بأنه هناك فنانا مختلفاً قادماً قاموا بدورهم بدعمه وتشجيعه.

أضفت إلى تجربتك الفنية تجربة أخرى إبداعية.. متى شعرت بهذا الميل الشديد الى الكتابة؟
»كما ترين.. يحوى مرسمى الخاص ألف عمل فنى.. وشقتى التى حولتها الى مكتب اخر خاص.. بها 200 لوحة لفنانين معاصرين،وامتلك مكتبة شاملة عامرة بالكتب،وبها قسم خاص حجرة كاملة عن الفن التشكيلى.. وأعشق القراءة جدا ً.. انبهرت بقصص نجيب محفوظ: «همس الجنون» وبمجموعة يوسف إدريس: «لغة الا أى - أى لوى هنرى وكثير من الكتاب العاملين والمصريين، ومازلت احتفظ بشكل خاص، بهذين العملين اللذين ابهرانى وانا فى مرحلة الشباب الأولى.. وكذلك.. شجعتنى فيما بعد على الكتابة تلك الحكايات التى كانت تقصها على جدتى «خديجة هانم شبرا» نينا خديجة، وكانت موحيه لى كثيراً وفتحت أمامى براحاً للخيال.. والتأمل.. كتبت ثلاث روايات.. الرملة البيضاء.. وهى تحكى عن مدينة الأسكندرية المدينة الكوزمبوليتانية.. وفترة وجود الأجانب بها..

وكتبت رواية: فى ظل جبل النور.. وتحوى الكثير من التجديد حكاية ونصا ورؤية ولكننى لم انشرها بعد.. ولكن رواية النيل والبحر: التى كتبت اثناء الثورة ونشرت كانت فيها تصور لمستقبل مصر وخاصة عن تلك الفترة من حكم الإخوان.. تحكى ان هناك مافيا جاءت لتحكم البلاد.. منذ عهد محمد على حتى الثورة.. بطريقة السخرية والفانتزيا.. والثالثة التى أكتبها حالياً وهى الجسور المنهارة: وهى تحكى عن فترة التكيات فى مصر والدراويش وكيف يتم تغير المفاهيم وهى أيضاً رواية خيالية لها أبعاد.. ورمز.. تحكى عن التغيرات التى حدثت فى مصر وتأكدت انه أصبح لى لغة واسلوب واحاول ان اجتهد فى ذلك كثيراً وازعم ان الكتابة مثل الرسم متعة جميلة وأحدث ما اكتبه: هو كتاب رحلات داوستاشى.. وحقيقة أكتب فيه عن أسفارى إلى أوروبا والهند.. فى الداخل والخارج،لانى أعتدت كتابة مذكراتى ويومياتى منذ 40 عاماً.. وسافرت كثيراً والتقيت بالعديد من الناس ورسمت عنهم وتحمل بعض المعارض أسماء رحلاتى.. بالفعل.. ولكنى أعتبر ان الكتابة جميلة لان القراءة كانت اجمل انت تفتح كتابا فتشاهد العالم امامك.

هل بالفعل تشعر بأنك قد أضفت جديدا بل خلقت منهجا على ساحة الفن الحديث؟
أحب أن أشير إلى ان فن الرسم يتطلب قدراً من الذكاء بلا شك والموهبة ولكن يتطلب قدراً كبيراً من المعرفة أيضاً.. يرتبط بقدرة المبدع وإدراكه ومتابعته للحركات الفنية الحديثة وخلقه نظريات جديدة.. من الاختزال.. والتجديد.. وتفجير طاقات كامنة داخله وتوصيلها.. فتحظى أعماله اولا بالقبول وتستمد روحه تلك الطاقة الإيجابية.. التى تعبر عن تلك الأحاسيس المتأثرة بالأحداث الداخلية والخارجية: فيبث فى لوحاته روح الحياة والتناغم التام.

تحمل رموزا احياناً محددة الملامح.. مزخرفة بالالوان الصريحة والواضحة.. تتنوع فيها الأستخدمات البارعة للخامات المختلفة تحمل عناوين كل مرحلة.. وحقيقة انى اعد من الفنانين الشاملين: لانى أرسم واكتب، وقد مارست كل الفنون: التصوير والنحت وصناعة الأفلام السينمائية.. الفن عندى منظومة واحدة مثل كل الفنانين فى عصور النهضة وما بعدها: ليوناردو دافنشى ومونيه.. وسلفادور والى، ومحمود سعيد، حسن سليمان، يحيى حقى، دكتور يوسف إدريس كان هؤلاء فنانين وأطباء وعلماء وأعتقد أن الرسام و الكاتب لابد ان يعرف علوما كثيرة: علم النفس وخاصة عن الشخصيات التى يكتب عنها.

هل يتأثر حقيقة فنك بالاحداث التى تمر به اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً؟.
بلاشك فإن الأحداث التى نمر بها ومررنا فيها ايضاً شكلت مصدر الهام.. تؤثر فى المبدع تجعله احياناً يشع ويتوهج.. وتجعله فى احيان أخرى.. يكتئب وينطفئ.. فى عهد النكسة تأثرت كثيراً: كان لدى أحلام كبيرة.. تأثرت بالهزيمة ويظهر ذلك فى الإبداع.. والاستمرار يعتمد على قوة إرادة الإنسان.. كل واحد على حدة.. الظروف الاقتصادية لم تمنعنى ابداً كنت استفيد من كل الأشياء البسيطة: ورق الكرتون،وورق الجرائد.. العبوات البلاستيكية الفارغة والأشياء القديمة التى كنت أشتريتها من سوق الخميس.. معرض فى كتاب كان له قيمة كل عام.. مرة ضد الغلاء.. فاهدى الفنانين والمهتمين ورق لحمه احمر اللون يرسمون عليه ما يشاءون او يكتبون نصوصاً تخصهم، وقت الثورة 25 يناير أهديت المبدعين كراسة بيضاء يحمل غلافها لوحاتى التى رسمتها وانا تحت هذا التحدى الكبير.. الفن فعل مقاومة والفنان الحقيقى ليس فقط مكافحاً ولكنه الفنان المناضل.. له تركيبة خاصة.. يلاطم ويكافح أمواج السياسة والمجتمع والاقتصاد يواجه امواج الحياة.. يطفو وينجو.. ولا يمكن ان يكون الفنان موسيقياً.. او أدبياً.. او رساماً او كاتباً الا إذ شعر بالشغف والبهجة فى الحياة.. أيضاً.

هل لعبت الكتب التى نشرتها عن المبدعين والفنانين التشكيليين دوراً مهما فى تأسيس أرشيف ذاكرة الفن الحديث ومجلاته؟.
»أعتبر ما كتبته والذى يتعدى أربعين كتاباً.. فى هذا المجال تأريخ لسيرة الفن فى مصر كسيرة بينالى الاسكندرية فى خمسين عاماً, سيرة اتيلية الأسكندرية، سيرة محمود سعيد ومحمد ناجى وعفت ناجى ومحمود موسى والاخوين سيف وادهم وانلى ومطاوع، مرجريت نخلة وسعيد العدوى وشنودة وغيرهم وسجلت تاريخ الفنون الجميلة فى مصر فى 100 سنة فى موسوعة مهمة.

انها كانت احد احلامى.. ان أعبر بدورى عن شكرى واعجابى بتلك الشخصيات التى صادفتها وكان لها بالغ الأثر.. كنت ابنا لفنانين كبار.. اذهب اليهم برضا.. لانى كنت احب ان اتعلم.. واكرمنى الله بتلاميذ واصدقاء اعلمهم بدورى.. ان التلمذة ان تتعلم الأخلاق من كبار الفنانين وكانوا حقيقة يتمتعون بتلك الروح الصادقة كان عندهم.. الحب.. والصدق والاخلاص.. عشت فى مناخ اجتماعى ايجابى ساعدنى كثيراً ولا انسى ابداً الفنان الكبير بيكار الذى كتب عنى فى بداياتى وكذلك يحيى حقى وتأثرت جداً بمقولة الفنان حسن سليمان فى مقدمة كتابه: «حرية الفنان» الذى قال فيها «على منضدة بجانبى توجد كتب يحيى حقى.. وهو من الجيل الذى قبلى.. وعلى كل منها اهداء يحمل مودة وذكرى.. وبجانبها توجد رسوم فنان من الجيل الذى بعدى.. هو «عصمت داوستاشى».

تعلمت من كل هؤلاء ان الفنان لابد ان يكون ايضاً قدوة لمن بعده.. وان الحفاظ على التراث والجمال والفن من اهم أهداف الفنان.

ما أحدث معارضك؟
اعمل منذ 2018 على معرض جديد اسمه «برسم اللى يعجبنى» يعنى ارسم الموضوعات التى أحبها.. ممكن أعيد رسمه، كنت أحبها بااسلوب جديد وستبقى دعوة للفنانين ان يرسموا ويبدعوا فيما يرضيهم،وشعورى ان الفنان يرسم ما هو مقتنع به ويواجه الناس بأفكاره.. ولا يخشى منها مثلما حدث معى تماماً. ووجدت من يآزرنى ويقف معى دوماً،لولا زوجتى الفنانة فاطمة مدكور التى آزرتنى على مدى السنوات وكانت دوما تقول لي: طول ما انت بتشتغل كأنى انا بشتغل وترافق اعمالها اعمالى فى المتحف كما رافقتنى فى الحياة.. وهاهى فى مجال آخر تبدع فى كتابتها واحدث كتاب لها قراءة فنية لآثار مصرية،بعيون فنانة تشكيلية محترفة، تعلم ان الإبداع من امتع المهن التى وهبنا الله اياها، مهنة تجمع ما بين العذاب والنجاح والمعاناة والصبر والفرج ايضاً.. فى زيارتى لمكة المكرمة.. شكرت الله سبحانه وتعالى على انه اهدانى تلك الموهبة، خرج المستنير «دادا» الى النور واتمنى ان اكشف دوما للعالم فى لوحاتى ومجسماتى معجزة الخالق فى الكون: فى هذا الفن الرائع العظيم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق