رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

رواية «المشاء».. مرثية جيل

شعبان يوسف

فرّاج فتح الله كاتب من أسيوط، ربما لم يطرق اسمه آذان «السادة»! نقّاد القاهرة، لا يملك من الحياة الثقافية والأدبية سوى إبداعه، وسرده وصدقه، ولا يجيد طرق الأبواب ليلا ونهارا، مثلما يحترف آخرون، ربما تكون أسيوط أبعد جغرافيا عن القاهرة المرفهة بمؤسساتها ونقادها وصحفها ودور نشرها ومنتدياتها العامرة وغير العامرة وانشغالاتها فى «الفاضية والمليانة»، كما كان يكتب عمنا صلاح جاهين، لكنها كذلك بعيدة عن العين والقلب والاهتمام والصخب والإعلام المرئى والمكتوب والمسموع، رغم أنها تنطوى على حركة ثقافية موّارة.
.................................

صدرت لـ فرّاج روايته «المشّاء» بعد كتابين سرديين ورحلة مثمرة مع المسرح، وهو آثر أن يضمّن الرواية بعضا من مشاهد حياته الثقافية والإبداعية، فبطل الرواية «جلال عبدالواحد»، والذى ولد بعد كارثة 1967 بعام أو عامين، ودخل مدارس أسيوط، والتحق بكلية «العلوم» فيها، يطلّ علينا فى أول مشهد فى الرواية، وهو فى الميكروباص الذاهب إلى «بنى مزار»، ويدور حوار سريع وعصبى بينه وبين زوجته «حياة»، والتى كانت على وشك ولادة، وتقول له:»اتوكل على الله، لا تقلق»، وبعد أن يتحرك الميكروباص، ويشق طريقه إلى شمال أسيوط، تهاتفه حياة مرة أخرى، لتقول له بأنها على وشك الولادة الفعلية، وعليه أن يعود لها على الفور، لكى يستطيع أن يكون معها وبجوارها، فهو السند الأساسى لها فى هذا العالم.

فى تلك اللحظات يستعيد «جلال عبدالواحد» حياته كاملة مع «حياة»، ومن خلال تلك الاستعادة، يطرح أحلامه وأحلام جيله المغدورة والمقصوفة، ذلك الجيل الذى تناثرت عناصره بين الصحافة والوظائف التقليدية البائسة، فهو على سبيل المثال، تخرّج فى كلية العلوم، ورغم ذلك جاء تعيينه كأمين مكتبة فى إحدى المدارس، وعندما يذهب لاستلام العمل، يقابله «عم مزيد»، ويشرح له أسرار الوظيفة، ويكشف له ألا يجتهد كثيرا، ولا يتفانى فى خدمة وظيفته، لأن ذلك سوف يعرّضه لأخطاء من الممكن أن تقصيه عن الوظيفة نفسها.

يظلّ الكاتب/الراوي/البطل، يحرّك شخوصه الكثيرة بمهارة فى رواية قصيرة، فنعرف أن «حياة» مسيحية، وأنها ذهبت لجلال عام 1991 عندما كان أمينا للجنة الثقافية فى الكلية، «حياة» تكتب المسرح، ولديها مسرحية للأطفال، وتطلب من جلال أن تنتج اللجنة لها المسرحية، فيكتشف أن براءتها تصل إلى حد السذاجة، تلك البراءة جعلت قلب «جلال» يدق بقوة تجاه «حياة»، فيعيش معها قصة حب عنيفة، ويتزوجها.

«جلال» يشهد بدايات اشتداد عود «الجماعات المتطرفة» فى أسيوط، تلك الجماعات التى كانت تفرض قوانينها ودستورها على الطلّاب فى الجامعة، وكذلك على المواطنين، ويتعرض «جلال» نفسه لمضايقات هؤلاء المتطرفين، فى الوقت الذى كان يشارك فى مظاهرات ترفع شعارات كثيرة، أبرزها كانت ضد الصهاينة، ويكرر كثيرا فى الرواية بأن جيله، هو آخر الأجيال التى رفعت شعارات ضد الصهاينة فى جامعة أسيوط.

هذا التكرار الذى يتكرر فى الرواية، لا يعنى سوى أن الجيل تم تصفية أحلامه بشكل تعسفى، فكل الذين كانوا يحلمون فى تلك الفترة، تم التنكيل بهم عبر آليات شبه منظمة، فنادر هاجر تماما، ولم يكن خروجه من مصر مجرد إعارة مؤقتة، ولكنه هاجر إلى الأبد، وتظل مصر بالنسبة له، مجرد أصول وجذور ستذوب فى الهوية الجديدة، وكذلك أحمد عارف الذى تحول إلى صحفى بالقطعة، لأن الصحافة نفسها لم تصبح مهنة كريمة، فعندما راح جلال يجرّى الصحافة، انكسرت جديته تحت سنابك الملامح الجديدة للعصر، فبعد أن أراد تقديم شىء جديد، وأجرى بالفعل حوارا صحفيا مع «عاهرة»، واعتبر أن ذلك الحوار سيصبح خبطة لها وزن، تم تسخيف الحوار، وبالطبع تم رفضه، ليصبح علامة بارزة على تصفية الأحلام، واستبدال ملامح العصر بملامح أخرى، ذلك الجيل الذى كانت علامته ومضمونه ذلك الرفض البرىء لكل ماهو فاسد وعميل. شخوص كثيرة تتناولهم الرواية، الأب الذى رحل، وأصرّت العائلة أن يتم دفنه فى البلد، وتخلّت الأم عن ابنها حينما وافقت العائلة على ذلك، وعلى غير رغبة جلال، وبالتالى حضر الدفنة والجنازة، ولكنه لم يحضر العزاء، كنوع من الاحتجاج السلبى، ثم تزوجت تلك الأم تحت ذرائع معينة، اعتبرها جلال ذرائع واهية، ذرائع لتبرير الخيانة، ثم الأصدقاء الذين تسللت إليهم جحافل الإحباط المريرة، لتنتج جيلا تتقلص خياراته، ثم تنعدم كل عناصر تحققه.

ورغم أن السارد يبدأ المشهد الأول باستغاثة حياة، وتتخلل الرواية كمية استغاثات فرعية بالدكتور محمود، ومجموعة أطباء آخرين، وذلك لإنقاذ حياة من ولادة متعسرة، من الممكن أن تؤدى إلى فقد الأم أو جنينها، ثم تنتهى الرواية ونحن مازلنا نتابع حالة الولادة المتعسرة، أى أن الكاتب يضعنا فى سياق زمنى له بداية ونهاية، وهذا مايشكل بنية زمنية شبه مستقيمة، إلا أنه يحرّك الأحداث داخل الرواية فى بنية زمنية مترددة، أى أنه يتخذ من السنوات عناوين لفصول الرواية، مثل 1991،1986، 2001 وهكذا، ويظلّ يكرر بعض السنوات، ولا يشغل نفسه بتقديم الشخصيات تقديما تقليديا، فكل شخصياته تتبدى عبر الحوارات التى تتم فى الرواية.

ولا يفلت الكاتب من مطاردة المسرح، وهذا_فى ظنّي_ أعطى الشخصيات حيوية وزخما، ولم يغرقنا فى تدخلات الراوى لوصف الشخصية، لذلك كانت الحوارات متنا من البناء الفنى للرواية، كما أن امتزاج العامية بالفصحى، خلّص الرواية من سمات الجهامة، فالقارئ الذى يقرأ، لن يشعر بانتقالات فجائية أو فجّة، وهذا ينتج قدرا من المتعة التى أراها عنصرا مهما فى العمل الأدبى، ويجعل من رواية «المشّاء» تجربة إبداعية تضاف إلى رصيد الروايات الجميلة بامتياز.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق