-
ملاءات تتثنّى كالأفاعى
فى آب،
فى سُرَّةِ النهارِ وأسرارِ الرغبات الذائبة
تبتهلُ أشياؤنا لِزُلال المياه -
أشياؤنا الصغيرة والخجولة.
نكادُ نُنصِتُ، بأرواحٍ تئنُّ وعيونٍ تغمِضُ،
لهفيفِ شِفاهٍ تتذرّى
لحظةَ تلامُسِها
مثل فراشاتٍ من قُبَلٍ ميتة.
مثل شِفاهٍ كانت لنا.
مثل شِفاهٍ تُشبِهُ شِفاهنا، تقريباً.
فى آب،
فى سُرَّةِ النهارِ الذائبِ وخفايا عَرَق الآباط،
نكادُ نُقْسِمُ أنَّ الأَسِرَّةَ يبابٌ
والتناومَ حيلةٌ ناقصة
وأمواجَ الحكاية،
تلك الحكاية المألوفة حَدَّ البهوت،
ملاءاتُ قِماشٍ حائل تتثنّى كالأفاعى،
وأننا
إثرَ اللدغة الأخيرة
مَحْضُ سَراب.
2- اصوت عمياء
لم يَقُلْ: انتظرتُكِ كثيراً إلى أن جاءت العَتمةُ، فَنِمْتُ.
لم تَقُلْ: نسَيتُكَ طويلاً إلى أن طَفَوتَ فى حُلمى، فأفقتُ.
كانا رَجُلاً وامرأة.
وكانا كُلٌّ فى مدينة. وكُلُّ مدينةٍ فى وقت. وكُلُّ وقتٍ فى لون. الأسودُ وقتُهُ والأبيضُ وقتُها. لكنهما، فى لحظةِ أن نامَ هو وأفاقت هى، فاضَ الكلامُ منهما جارياً على عواهنه بين المدينتين: فاضَ الكلامُ طائشاً، رغماً عنهما، بلا رُشْدٍ أوخرائط.
غير أنى، لأننى أعرفُ ما أكتبُ. وأعرفُ تماماً ما سوفَ أكتبُ؛ أختصرُ لأُكْمِلَ:
كانا رَجُلاً وامرأة.
كانا كُلٌّ فى مدينة. وكُلُّ مدينةٍ، كما تعرفون، تغرقُ فى سديمِ لُغةٍ تآكَلَت أبجدياتُها فامنّحَت معانيها. غير أنَّ الصوتَ الطائش لا يكترث. الصوت غير المسلَّح ببوصلة الهدايةِ لا يَعْبأ بما يحملُ من رسائل. الصوت الأعمى لا يعرفُ إنْ كان هولوعةُ آهة الذى نامَ، أم شهقةُ سهوة التى أفاقت.
لكننا، يا لسخرية الكتابة وهُزء القراءة،
نحنُ الذين نعرف.
◘ ليلة الأربعاء/فجر الخميس، 28 أيار 2009
3- اهكذا يكون الامر
تَنَبَّهَ، «مع حِراك قَلْبٍ مشاكس مجاور»، إلى أنهُ باتَ فى قلب العاصفة وعَين مرصدها.
تَنَبَّهَ إلى أنَّ الريحَ قد تؤجِّلُ هبوبَها عاماً، أوعشرة أعوام. لكنها، مثلما يتنبَّهُ الآن، حين تجيءُ، إنما تعصفُ فى قرارته وسِرِّهِ ناغلةً، ومحتشدةً باكتنازها المشاغب الوقور، لِتُجْبِرَهُ على إعادةِ قراءة اسمه!
مؤمنٌ هو، إلى حَدِّ الكتابةِ وشرطها، أنَّ الإسمَ هوالرَجَلُ.
نعم؛ الإسمُ هوصاحبُهُ. غير أنَّ يقينَهُ يهمسُ، فى الوقت نفسه، بأنَّ «إلياس» بالآلاف، لكنَّ الطالع من بطن الحوت واحدٌ، وهوليس هو. تماماً مثلما هى جواهرُ البحر ولآلئ المحيطات بالملايين، بينما «فيروزة» واحدةٌ فى الليإلى الألف ولن تتكرر، حتّى ولوعادَت الخليقةُ إلى غَمْرِها الأوّل.
إذَن: عليه، منذ الآن، أن يقرأ الرَجُلَ فى إسمه من جديد.
أهومَن كان، طوال العُمْر، يَرى أنه ذاك الرجل الملفوف بأقمطةِ الغموض الركيكة، والالتباس المفضوح؟ أهو مَن كان، رغم نأيهِ المدروس عن الأمكنة، الذى يُرى مكشوفاً واضحاً ويُقرأ كِتاباً مفتوحاً، فى حين لا يَرى من شخصه سوى تلك الظِلال التى يسحبها معه أينما أحَبَّ، وحيثما نَزَقَ، وكيفما تأدَّبَ، ومتى أجهشَ بِخَرَسٍ مخنوق وأبكم على صَدْرٍ يعومُ وإيّاهُ على رغوةِ أحلامهِ والتياعاتها؟ يعومُ ويفردُ ذراعيهِ على امتدادهما، لكنه لا يغوصُ أويغرقُ؛ إذ تنتشلهُ ساعةُ سريرهِ؟
ساعةُ سريرهِ التى يرنُّ جَرَسُ منبّهها، فيتنبّهُ إلى أنَّ القلبَ الذى تحرّكَ مشاكساً قلبَهُ ليس بعيداً. إنه فى جِوار الجِوار!
عندها؛ يَصيرُ له أن يفيق.
أعاشِقاً كانَ طوال الوقت، طوال عامٍ أوعشرة أعوام، أم هومشروعُ عاشِقٍ لم يَحِنْ ميعادُ اشتعاله بعد، لكنَّ جمراته تتوهجُ فى الخَفاء؟
إنه الخَفاءُ. والخَفاءُ فى القلبِ. والقلبُ لا يُفصِحُ إلاّ لقلبٍ آخر، وتحديداً لهذا القلب الذى، لوالتَفَتَ قليلاً ولِبُرْهَةٍ واحدة، لرآهُ لصيقاً ودافئاً. ليس من مسافةٍ، ولا ضَرَرَ من لَمْحةٍ واحدةٍ لتندلعَ الرومانسيّةُ بأزرقها السماوى، لتغشاهما هناك!
وإنها البُرْهَةُ. تلكَ النُتْفَةُ الصغيرةُ جداً من وقتٍ سريع الذوبان والزوال. وكان، عند اصطدامه بها، أوبالأحرى عندما اصطدمَت البُرْهَةُ به ومَسَّتْ شفتيه بريشةٍ فى جَناحِ حمامة، أنْ شُجَّت دهشتُهُ فسالَ الالتياعُ من قلبهِ، وفى قلبه، وعلى قلبه، ولَوَّنَ الدُنيا!
أهكذا يكونُ الأمرُ!
أهكذا يتداعى بدوره، هوأيضاً، ولا يخشى المَلامةَ أوالحَرَجَ، لأنه كان محتقناً؟ لأنه كانَ محتقناً.. ولا يزال؟ يتداعى دون أن يُدركَ أنَّ ثمّة الريحُ العاصفةُ ستخلعُ عنه أقفالَهُ، لِتُشْرِعَهُ على نبض القلب الذى كلّما تحرّكَ شاكسَ بُرودَهَ البليد، وأحرقَ لباقتَهُ المتطرفة؟
أهكذا يكونُ الأمرُ إذَن، حين يكتبُ حكايةً تليقُ بقلبٍ يُشاكِسُ لأنه لا يكذبُ عندما يعشقُ؟
أوليسَ العِشْقُ مشاكَسَةُ الجسدِ للروح الهانئة، أومشَاغَبَةُُ الروحِ للجسدِ المستكين إلى غفوتهِ الفاترة؟
أهكذا يكونُ الأمرُ فى حقيقته، بعيداً عن أيّ ادّعاء؟
ربما.
ليلة الخميس/فجر الجمعة، 29 أيار 2009
رابط دائم: