رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

القصة المجهولة للمقاومة الشعبية للاحتلال البريطانى فى سنواته الأولى

إبراهيم عبدالعزيز
مصطفى كامل - الخديو توفيق - العقاد

  • الاحتلال يقوم بتعطيل «الأهرام» شهرا لمطالبته الإنجليز بتنفيذ وعودهم الزائفة بالجلاء عن مصر

  • جمعيات سرية حاولت اعتقال الخديو والضباط الإنجليز فى السنة الأولى من الاحتلال

قرأنا ومازلنا نقرأ فى كتب التاريخ المدرسية أن الزعيم مصطفى كامل هو باعث النهضة الوطنية فى مصر، بعد سنوات من الاحتلال البريطانى، وهذه النتيجة المسلم بها هى انعكاس لما يشبه الإجماع بين كثير من المؤرخين والكتاب المصريين والأجانب على أن سقوط مصر بين يدى قوات الاحتلال 1882قد أصاب الشعب المصرى بما يشبه الذهول، وأنه قد سرت فى نفوس المصريين روح اليأس والخنوع والاستسلام!

وأبدى الجميع اندهاشهم لعدم ظهور أية بادرة لمقاومة شعبية ضد الاحتلال! بل إن مؤرخا ادعى أنه بمجرد دخول الاحتلال « ركن الناس إلى حياة فقدوا فيها الأمل فى الخلاص من الاحتلال، بعد أن أصبح سبيل النجاح سواء فى المناصب أو الحياة الاجتماعية هو فى الولاء للاحتلال والزراية بالمبادئ الوطنية وقلة الإخلاص للبلاد، وأن الناس تنكروا لمعانى الشهامة والبطولة والاستمساك بالحق والواجب، ونشأت عن كل ذلك حالة نفسية هى أبعد ما تكون عن الوطنية».

ولكن د. فاروق أبوزيد يكشف زيف هذه الادعاءات فى دراسته «القصة المجهولة للمقاومة الشعبية للاحتلال البريطانى فى سنواته الأولى» موضحا أن شيوع مثل هذه الآراء التى لا تستند إلى الحقيقة عن مصر والمصريين، كانت تجسيدا لرغبة رجال الاحتلال البريطانى فى إقناع المصريين بأنهم شعب مستكين ضعيف يحتاج دائما إلى شعب آخر أكثر تحضرا يحكمه! ولكن المسئول الحقيقى عن هذه المغالطات والأكاذيب ذلك النوع من المؤرخين والكتاب الذين تعمدوا أن يقللوا، بل يطمسوا نضال وكفاح الجيل الذى سبقهم.

فانظر مثلا إلى بعض المؤرخين والكتاب الذين ينتمون إلى الحزب الوطنى القديم تراهم يشوهون تاريخ الثورة العرابية ويعاملون الزعيم عرابى معاملة الخائن لبلاده مما دفع أحد الشبان من أعضاء الحزب الوطنى أن يبصق على وجه عرابى حين عودته إلى بلاده بعد غيبة طويلة منفيا فى جزيرة سيلان، ومن أسف أن يقع مثقف كبير كأمير الشعراء أحمد شوقى، ضحية لهذا التشويه لعرابى، فأساء استقباله بقصيدة تعتبر من سقطاته قال فيها: صغار فى الذهاب وفى الإياب.. أهذا كل شأنك ياعرابى.

كذلك تراهم يصورون البلاد بعد الاحتلال وكأنها أصيبت بحالة سكون أقرب إلى الموت حتى ظهر الزعيم مصطفى كامل ليبث الشعور الوطنى فى مصر، وانظر لبعض مؤرخى حزب الوفد وكتابه، تراهم يقللون من دور مصطفى كامل فى الحركة الوطنية وكأن هذه الحركة الوطنية لم تبدأ إلا بظهور الوفد وتحت زعامة سعد زغلول، وسعد زغلول نفسه هو من قال للعقاد مشبها خروج المصريين لوداع مصطفى كامل بعد وفاته «إنها فورة فى كازوزة»، ولكنه طلب من العقاد ألا ينشر ذلك، وإن كان فيما بعد قد اعترف فى مذكراته بالدور الذى لعبه مصطفى كامل فى الحركة الوطنية.

ثم كان مارأيناه بعد ثورة يوليو من محاولة البعض التقليل من شأن من عملوا بالحركة الوطنية قبلها، وتصوير سعد زغلول على أنه ركب موجة الثورة، وأتذكر تعليق نجيب محفوظ عندما قال لى ساخرا: «كلهم بيعوموا»!

ويبدو أنه ميراث فرعونى يجعل كل من يأتى يمسح إنجاز سابقيه، وخطورة هذه اللعنة كما يرى د. فاروق أبوزيد أنها تصورنا فى النهاية وكأننا شعب بلا تاريخ ولا نضال، مما يعطى الفرصة لكل من يحاول تشويه الشخصية المصرية والطعن فى قدرة الشعب المصرى على الصمود فى وجه الأخطار التى تحيط به.



سعد زغلول


وعلى هذا الأساس يؤكد أبو زيد أنه ليس صحيحا أن مصطفى كامل هو باعث الشعور الوطنى فى مصر وموقظه بعد أن ظل فى سبات طويل بعد الاحتلال، فالشعور الوطنى فى مصر كان قائما قبل ظهور مصطفى كامل، ولم يكن مصطفى كامل نفسه سوى ثمرة لهذا الشعور المتأجج، وهذا لا يقلل من دور مصطفى كامل، ولكنه الوقت نفسه لا يطمس نضال من سبقوه فى مقاومة الاحتلال البريطانى.

ويبدو أن هناك خلطا كبيرا وقع فيه الذين قالوا إن المصريين استسلموا للاحتلال ولم يقاوموه، فهم لم ينتبهوا إلى أن هناك اختلافا بين الموقف من الاحتلال والموقف من الثورة العرابية، واعتبروا كل من هاجم الثورة العرابية بعد الهزيمة هو بالضرورة عميل للاحتلال أو راض عنه، وعلى ذلك فقد فسروا الحملة العنيفة التى شنتها صحف ما بعد الاحتلال على الثورة العرابية وقادتها، بأنها انهيار فى الشعور الوطنى واستكانة ورضا بالاحتلال، ولكن الأمر لم يكن فى الحقيقة على هذه الصورة بالمرة فقد تبين من دراسة صحف تلك الفترة أن الهجوم على العرابيين لم يكن يعنى دائما العمالة للاحتلال أو الرضا به أو الاستكانة إليه، ولتفسير ذلك لا بد أن نعرف أن كثيرا من الصحف التى كانت تصدر أثناء سيطرة العرابيين على مقاليد الحكم فى البلاد لم تكن كلها فى صف الثورة أو راضية عنها، فقد اتخذت أكثر الصحف التى كان يصدرها الشوام موقفا متحفظا من الثورة، مما دفع الصحف المؤيدة للثورة مثل «الطائف» لعبد الله النديم، و«المفيد» لحسن الشمسى أن تهاجم هذه الصحف الشامية وتتهمها بالعمل ضد الثورة، مما اضطر أصحاب تلك الصحف إلى العودة إلى بلادهم، كذلك وقفت بعض الصحف الوطنية التى يصدرها مصريون موقفا مشابها للصحف الشامية تجاه الثورة العرابية، بل إن بعضها اتخذ موقفا صريحا فى معارضة الثورة مثل صحيفة «الوطن» وصحيفة «الزمان»،وهو موقف كان يعبر عن قطاع من المثقفين المصريين «الليبراليين» المتخوفين من عواقب الثورة،وهو ماجعل هذه الصحف بعد هزيمة الثورة وزعمائها والقبض عليهم تحملهم مسئولية وقوع الاحتلال، كذلك كان طبيعيا أيضا أن تشاركها فى هذا الهجوم الصحف الشامية بعد أن عادت إلى الصدور.

كل هذه الحقائق كانت تحتم قيام حملة عنيفة ضد الثورة العرابية وزعمائها والمشتركين فيها أو المتعاطفين معها، عقب هزيمة الثورة، ولكن هذا لم يكن أبدا يعنى أن الشعور الوطنى فى مصر قد انهار لدرجة أن الناس هللت للاحتلال أو رحبت به أوحتى رضيت عنه، والذى يؤكد هذه الحقيقة أن الهجوم على الاحتلال الإنجليزى بدأ قبل أن يستكمل الإنجليز عاما واحدا على وجودهم فى مصر. وإذا تتبعنا بدقة ماكتبته الصحف المصرية فى السنوات الأولى التى أعقبت هزيمة العرابيين ووقوع الاحتلال سوف يؤكد صحة هذا الرأى، فرغم الهجوم العنيف الذى شنه ميخائيل عبد السيد فى صحيفة «الوطن» ضد العرابيين، نراه فى الوقت نفسه يهاجم انجلترا ويهاجم الجرائد الإنجليزية بأنها «تخدم أغراض فريق من الإنجليز الذين يريدون الاستيلاء على مصر» ويعلن أنه لابد أن تجلو إنجلترا عن مصر و أن تترك البلاد فى يد كبار المصريين الذين اشتهروا بالنزاهة والحزم ومعرفة المصريين وعاداتهم ولغتهم وما ينفعهم وما يضرهم، ثم هو يدعو المصريين إلى «عدم الاعتراف بأية سلطة شرعية للاحتلال فى البلاد»، وقد كتب ميخائيل عبد السيد هذا الكلام فى 25 أغسطس 1883، أى قبل أن يمر عام واحد على احتلال انجلترا لمصر. فإذا ماانتقلنا لصحيفة «الأهرام» فسوف نجدها تمتلئ بالعديد من المقالات التى تهاجم الاحتلال، وكان ذلك فى عام 1884 أى قبل أن يمر عامان على وجود الاحتلال، وأخذت الحكومة العميلة للاحتلال تتصيد للأهرام الأخطاء إلى درجة أن مجلس النظار أصدر قرارا بتعطيل «الأهرام» شهرا فى أغسطس 1884 وذلك «لإخلاله بالنظام العمومى» كما جاء بصحيفة «الوقائع المصرية» الرسمية، ورغم ذلك ظل «الأهرام» يطالب الإنجليز بتنفيذ وعودهم بالجلاء عن البلاد، ولطالما كشف عن زيف ادعاءاتهم ووعود حكوماتهم بالجلاء عن مصر، إذ يكتب سليم تقلا على سبيل المثال مقالا فى 12 مارس 1892 يقول فيه «أعلن المحتلون أن ليس لهم إلا غاية واحدة هى توطيد النظام.. فمتى وصلوا إلى هذه النتيجة ارتحلوا، فوثقنا وصبرنا حتى تم المرام.. فلما طولبوا بالإنجاز انتحلوا العلل من خوف ورود الطوارئ فى الداخل والخارج.. فوثقنا وصبرنا حتى انتفى الخوف، وطولبوا فتمهلوا بعلل الإصلاح المالى، ولما شهدوا هم أنفسهم بتقاريرهم بالحصول عليه.. وطولبوا، فانتقلوا إلى علل الإصلاح الإدارى، وكان ذلك آخر العهد فى بيان بالأعذار، ولا وجه للاشكال فى ملاءمة ذلك لانجلترا التى تريد الحصول على مصر لنفسها.. والسلام على شرف الوعود».

أما صحيفة «الزمان» لحسن حسنى باشا، وهى من أهم صحف تلك الفترة فسنجدها تقف ضد العرابيين فى البداية، ولكنها تطالب فيما بعد بالعفو عنهم، وجلاء الاحتلال فبدأت تدخل فى مناوشات مع سلطات الاحتلال، ثم بدأت تهاجم الاحتلال هجوما غير مباشر عن طريق هجومها على التدخل الأوروبى فى شئون الشرق، ثم انقلبت الصحيفة لتقود حملة عنيفة ضد الاحتلال، وتطالب بعدم التعاون معه، والنضال من أجل جلاء قوات الاحتلال، فتقول: «لقد مضى على الإنجليز حول فى مصر فاقشعرت الأبدان وارتاعت الأفئدة، وبكل يقين نقول لابد من انجلاء عساكرهم من وادى النيل»، وكان ذلك المقال فى 9 أكتوبر 1883 أى بمناسبة مرور عام واحد فقط على وجود الإنجليز فى مصر، ثم تدعو الصحيفة إلى الوحدة الوطنية بين المصريين لمواجهة الاحتلال، فتقول: «فيا أيها المصريون هذا زمن الاتحاد ووقت اجتماع الكلمة ويوم نبذ الأغراض، والاستمساك بعرى الصداقة والعقيدة الوطنية والمحبة، فبغير ذلك لن يخرج الإنجليز»، وبعد عشرة أيام فقط من مطالبة «الزمان» بجلاء الاحتلال عن مصر إذا بها تنشر رسالة مفتوحة إلى الخديو تطالبه بالعفو عن العرابيين المنفيين والمسجونين والمحجوزين فى قراهم، فقالت: «إن جريدتنا هذه عربية اللسان، فإذا كتبنا شيئا فإنما نحن نأخذ بناصر أبناء الوطن والنطق بأفواههم.. ونقول إننا أتينا بذم العصاة العرابيين والتمسنا لهم العقوبات الزاجرة بما جنت أيديهم، ولكننا ما وجدنا ذنبا بلا كفارة، وما نخال أنه يعاقب المرء أبد أيامه، وعلى ذلك نقول إنه قد حان أوان العفو عنهم». وإذا علمنا أن هذا المطلب الخطير بالعفو عن العرابيين يأتى فى وقت لم تنقض فيه سوى عدة أيام على مرور عام واحد على الاحتلال، لأدركنا أن الشعور الوطنى فى مصر ظل قويا ومتأججا رغم وجود الاحتلال، ولقد بلغت قوة هذا الشعور الوطنى حدا احتاج فيه الخديو إلى العفو عن العرابيين أنفسهم كوسيلة لتهدئة هذا الشعور الوطنى الرافض للاحتلال، والدليل على قوة هذا الشعور الوطنى المعادى للاحتلال، البيان الذى نشرته صحيفة «الوقائع المصرية» الرسمية عن إغلاق صحف: الوطن، مرآة الشرق، البرهان..

وذلك لأنها نشرت «بضعة أسطر نهجت فيها منهج الحدة بالنسبة للدولة البريطانية، حيث إن تلك الجرائد تعلم أن مثل هذه الكلمات لا تعتبر شيئا سوى إثارة الخواطر.. لذا وجب تنبيه الجرائد بلزوم خطة الاعتدال، ولتعتبر الجرائد المحلية أن هذا بلاغ عمومى لها، فمن تجاوزته عوملت بما تقضى به نظامات المطبوعات فى البلاد»، وكان ذلك فى 14أغسطس 1883أى قبل مرور عام واحد على الاحتلال. وعندما لم تنفذ الصحف الوطنية أوامر الحكومة بالسكوت عن الاحتلال، تعددت لها قرارات التعطيل والإلغاء، ففى 24 أكتوبر 1883 صدر قرار بتعطيل «الزمان» لمدة ثلاثة أشهر، وفى 5نوفمبر 1883 صدر قرار بتعطيل جريدة «البرهان» نهائيا، وفى 12مارس 1884 صدر قرار بتعطيل جريدة «الوطن» نهائيا، ثم ظهرت بعد يومين، وفى 9 فبراير صدر قرار بتعطيل جريدة «مرآة الشرق» لمدة شهر، وفى 1886 صدر قرار بتعطيلها نهائيا، وفى 29 أغسطس 1886 صدر قرار بتعطيل «الزمان» نهائيا، وفى 2ديسمبر 1886 صدر قرار بتعطيل صحيفة «القاهرة» نهائيا..

ولم تحو قرارات الإلغاء والتعطيل سوى العبارة التقليدية بأن ما ينشر «يشوش الأفكار ويخدش الأذهان»!!. ورغم كل هذا الإرهاب الذى واجهته الصحف الوطنية، فقد ظلت الصحف المصرية تعبر بأمانة عن تأجج الشعور الوطنى المعادى للاحتلال فى مصر، فصحيفة «المؤيد» للشيخ على يوسف تنشر فى 28 يونيو 1891 خبرا تقول فيه: «أنه صدر قرار عطوفتلو رئيس مجلس النظار أمس بإلغاء جريدة «الفلاح» إلغاء مؤبدا بسبب ما نشرته فى عددها الأخير من أن الضباط المصريين تواطأوا فى الجيش مع العساكر على ضرب الضباط الإنجليز بالرصاص عند عمل مناورة». ولعل أكبر دليل على أن الشعور الوطنى فى مصر ظل مشتعلا بعد الاحتلال ذلك الخبر الذى نشرته الصحف المصرية فى 5 يونيو 1883، أى بعد أقل من تسعة أشهر على مجيء الاحتلال عن «الإشاعات الصادرة عن القاهرة بإرسال تحارير تهديدية للجناب الخديو ونظاره، ورجال الاحتلال..

تبين على مايظهر أنه قد بدئ بإحداث دسائس لتوقع البلاد مرة أخرى فى الأمور التى تستغنى عنها». وهذا الخبر يكشف عن سر مازال مجهولا فى تاريخنا الحديث، فهو يقدم لنا مفتاحا للبحث عن حركة المقاومة السرية للخديو والاحتلال عقب الاحتلال وعقب القبض على رجال الثورة العرابية ونفيهم خارج البلاد وهو الأمر الذى يؤكد وجود مقاومة مسلحة للاحتلال عكس ما يدعى كل المؤرخين الذين كتبوا عن هذه الفترة.

فإذا تتبعنا بدقة أخبار هذه المقاومة السرية للاحتلال فى الصحف المصرية فسوف نفاجأ بهذه الصحف تنشر فى 20 يونيو 1883 خبر القبض على جمعية وطنية سرية تعمل لمقاومة الاحتلال الإنجليزى وعملائه فى مصر من أمثال الخديو توفيق ونظاره وأعوانه، فتكتب «الوقائع المصرية الرسمية» قائلة: ذكرنا سابقا مرة بعد مرة أن بعض الجهلة والطفيليين قد تجاسروا من صغر عقولهم على إرسال بعض التحارير التهديدية للجناب الخديو ونظاره الكرام وبعض رجال الحكومة الإنجليزية..

ولم يكن من نية الحكومة السنية أن تعيرهم نظر الأهمية إلا أنه لما كثرت حركتهم اضطرت همة الهمام سعادة عثمان باشا غالب مأمور الضبطية إلى البحث عليهم، فكشف مخبأتهم، وكان مركز هذه الجمعية الخبيثة بيت عبد الرازق بك درويش، ومديرها وكاتبها رجل فرنساوى تسمى باسم محمد سعد منذ تشرفه بالدين الإسلامى من ثلاثة أو أربعة أشهر، ومن أعضائها مصطفى بك صدقى وأخوه حسين بك فهمى، ومحمد بك الجبابى، وقد قبض على هؤلاء ليلة أمس». ويلاحظ أن بعض من قبض عليهم كانوا من أنصار عرابى أو المتعاطفين معه، كذلك يلاحظ أن الحكومة حاولت أن تزج بأحد الفرنسيين فى القضية، وذلك لتشويه التنظيم واتهامه بأنه يعمل لحساب فرنسا.

ولم تكن هذه الجمعية هى الوحيدة التى تعمل فى مجال المقاومة الوطنية ضد الاحتلال وعملائه، فقد ذكرت الصحيفة فى نفس المقال بعد أن أوردت خبر القبض على الجمعية السابقة، أن أعضاءها بعد أن قبض عليهم «ألحقوا بالذين أوقفوا من مدة» وهذا يدل على وجود منظمات وطنية أخرى وعناصر مقاومة ألقى القبض على بعضها قبل اكتشاف هذه الجمعية، وقد أعلنت الصحف بعد ذلك أن «عدد المقبوض عليهم الآن بلغ مابين العشرين والسبعين»، وفى اليوم التالى مباشرة اعترفت صحيفة الوقائع المصرية بمدى تأثير هذه الجمعيات الوطنية السرية على الرأى العام المصرى فقالت «أخذت الأفكار العمومية بادئ بدء أهمية كبرى لهذه الجمعيات التهديدية، وعبرت عنها بعض الألسن بتأويلات لا أصل لها ولا طائل تحتها»، ثم طمأنت الصحيفة الأهالى فقالت: «هذا وكان قد تقلقل بعض أفراد الأهالى خشية عاقبة لا تنتظر، فنحن نؤمن العموم بكل صراحة أنه لايمكن أن يخشى وقوع الاعتساف بحق أحد فى أيام رئاسة العادل القادر حضرة رئيس النظار دولة شريف باشا، وما مقصد الحكومة السنية إلا تأديب أرباب المفاسد، حفظا لراحة البلاد وطمأنينة العباد»، وبعدها بيومين نشرت الصحف أسماء المقبوض عليهم من أعضاء الجمعية السرية وكان من بينهم «سعد أفندى زغلول»، ورغم القبض على هذه الجمعية السرية، فلم تمر سوى عدة أشهر حتى نشرت الصحف فى فبراير 1884 أى بعد سنتين من الاحتلال نبأ اكتشاف «الضبطية» «37 كيسا من البارود مهربة إلى بولاق، ويعتقد أن ذلك من فعل جمعية سرية».

والنتيجة الأخيرة لهذا كله أنه يقدم دليلا على خطأ من قالوا سواء بقصد أو بحسن نية أن الشعب المصرى استقبل الاحتلال البريطانى بما يشبه الذهول، وبحالة تجمع ببن اليأس والخنوع والاستسلام! ويكذب من ادعوا بعدم ظهور مقاومة شعبية للاحتلال! أو بانهيار الشعور الوطنى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق