رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عميد الرواية بعيون روسية

أحمد الخميسى

فى 11 ديسمبر الحالى، من كل عام تحل ذكرى ميلاد نجيب محفوظ المائة والسابعة، وهى مناسبة لتجديد محبة ذلك الكاتب العظيم الذى قدر أنه لم يقم بشيء سوى أنه «أخلص لعمله» حسب قوله فى رسالته التى رد بها على تهنئة الملك حسين بمناسبة جائزة نوبل. وقد فتح محفوظ بحصوله على نوبل الأبواب أمام الأدب العربى ليصبح جزءا حيويا من حركة الأدب العالمى. وكان محفوظ قبل الجائزة قد لفت بالفعل الأنظار إلى إبداعه فى الغرب، خاصة فى دوائر المستشرقين والمهتمين بالأدب العربى، كما أن عددا غير قليل من رواياته كانت قد ترجمت لأكثر من لغة.

وقد اعتنى المستشرقون الروس مبكرا بأعمال محفوظ، وأجمعوا على أهمية إبداعه وأنه يقف على قدم المساواة مع أعظم الروائيين فى العالم، وكتبت الصحف الثقافية عنه كثيرا، من ذلك ما نشرته «ليتراتورنايا جازيتا» فى 4 يناير 1989، تحت عنوان «بلزاك المصرى». وفى المقدمة التى كتبها أناتولى أجارشييف لترجمة رواية «المرايا» إلى الروسية يصف لقاءه بمحفوظ فى القاهرة قائلا: حين شاهدت نجيب محفوظ ذكرنى على الفور بقامته المديدة وجسمه وسمرة وجهه بالكاتب المصرى القديم.. كان موعدنا فى الثامنة صباحا فى احد مقاهى القاهرة، ووصل نجيب محفوظ مبكرا عن موعدنا ببضع دقائق، وراح محفوظ ينصت إلى وقد مال برأسه ناحيتى وهو يحتسى القهوة بجرعات صغيرة، وقال لى: نحن نعانى أزمة اقتصادية حادة، ونعانى أيضا نقص المدارس والجامعات، والحصول على عمل ليس بالأمر السهل، وإذا كان المستقبل رائعا فإنه مازال يلوح بعيدا». ويضيف أجارشييف: «ولقد تناولنا بالحديث موضوع العدوان الاسرائيلى فى الأدب العربى فتكلم نجيب محفوظ بحرارة وانفعال قائلا: إن الأدب المصرى لم يستطع إلى الآن أن يعكس هذه القضية بجدية وعمق». ويستعرض الكاتب بعد ذلك بعض روايات محفوظ الأخرى وعلاقتها بالمجتمع والتاريخ المصرى. وبشكل عام أجمع المستشرقون الروس على عظمة دور نجيب محفوظ، لكنهم اختلفوا على طبيعة المحتوى الأدبى لأعماله وعلى اتجاهه الفكرى، ومع أن الجميع وجد فى رواياته كلها انتصارا لقيم الحرية والعدل والمساواة والعلم، إلا أن بعضهم مثل المستشرق «يورى روشين» اعتبره كاتبا ديمقراطيا ينتمى فى الأغلب لجيل لحق عليه وهو جيل يوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوى أكثر مما ينتمى للجيل الذى سبقه بريادة طه حسين وتوفيق الحكيم، وفى ذلك يقول روشين إن نجيب محفوظ: «واصل تطوير النزعة الواقعية التى تميزت بها أعمال كتاب الجيل السابق: طه حسين ومحمود تيمور وتوفيق الحكيم، لكنه استطاع فى نفس الوقت أن يشبع الشكل الروائى بمضامين أكثر ديمقراطية تتجاوز كل ما حققه السابقون من كتاب الليبرالية المصرية فى إطار الرواية، ولهذا السبب بالذات فإن محفوظ من هذه الزاوية أقرب إلى كتاب الجيل اللاحق عليه مثل الشرقاوى وإدريس منه إلى الجيل السابق». ودفع البعض محفوظ إلى أبعد من «الكاتب الديمقراطى» نحو «الكاتب الماركسى» كما فعل «على زادة زاردوشت» عام 1986 حين قدم لنا نجيب محفوظ بصفته الكاتب الذى يتنبأ: «بمستقبل مصر الاشتراكى». آخرون انطلقوا فى تقديرهم لابداع محفوظ من النظرة التى سادت فى صفوف اليسار من أنه كاتب البرجوازية الصغيرة. أيضا شهدت ساحة الاستشراق خلافا خصبا وجدلا حول طبيعة المدرسة الأدبية التى تنسب إليها أعمال الكاتب العظيم، وقال بعضهم: إنه ينتسب للمدرسة «الطبيعية»، واعتبره آخرون ابنا مخلصا لمدرسة الواقعية النقدية، وحسبه البعض أديبا من أدباء «الواقعية الوجودية»، وقد تعددت تلك الرؤى بسبب ثراء أعمال محفوظ الفكرى والفنى فى المقام الأول، إلا أن الاستشراق الروسى لاحقا أجمع على أن محفوظ هو روائى مدرسة الواقعية النقدية التى قدمت للعالم الروائى أعظم الأسماء مثل بلزاك وديكنز وتولستوى وغيرهم، وأنه لا يقل قامة عن أى من الأدباء العالميين.

وتبقى الدراسات التى كتبتها المستشرقة د. فاليريا كيربتشنكو من أهم ما كتب عن محفوظ فى اللغة الروسية، وقد تناولت فيها رواياته الست التى أعقبت الثلاثية بدءا من 1961، وهى اللص والكلاب، السمان و الخريف، الطريق، الشحاذ، ثرثرة فوق النيل، ميرامارا. وتعتبر كيربتشنكو أن تلك الروايات الست تمثل مرحلة خاصة فى إبداع عميد الرواية العربية، إذ أنه يواصل فيها ويطور: «تأمله العميق فى طبيعة العدل الاجتماعى وسبل تجسيده، وجواز العنف من عدمه فى النضال من أجل قضية عادلة ونبيلة، دور العمل فى حياة الانسان، العلاقة بين العلم والدين. وتمثل هذه الرؤى التى برزت من قبل فى أولاد حارتنا، المضمون الفكرى للروايات الست، ومن ثم نقول: إن هناك وحدة داخلية تجمع هذه الروايات وتدفعنا للحديث عنها باعتبارها سلسلة من الروايات المترابطة مثلها مثل روايات محفوظ القاهرية التى بدأها بـ «القاهرة الجديدة» 1945 وصولا إلى الثلاثية 1957». وتضيف الدكتورة كيربتشنكو: «تنشأ الصعوبة التى يواجهها النقد عند محاولة تقييم تلك الروايات من التضافر المعقد لمختلف الوسائل الأدبية والتعبيرية فيها. لكن هناك أمرا واحدا مؤكدا فى هذا المضمار ألا وهو تأثير دوستيوفسكى فى نجيب محفوظ وخاصة فى رواية «اللص والكلاب»، و«السمان والخريف»، حيث نتبين فى الروايتين قضية: الايمان من عدمه، والحلم بتجسيد الاشتراكية الطوباوية، ومواقف الصراع الصدامية الناجمة عن افكار مثالية، وارتكاب جريمة قتل بدوافع فكرية، والطابع الرمزى لبعض الشخصيات.. وفى «اللص والكلاب» تتعرض للتحوير إحدى أفكار «أولاد حارتنا» الفلسفية الأساسية، ففى أولاد حارتنا لم يعارض نجيب محفوظ العنف إذا كان باسم العدالة ومن أجلها.. أما فى اللص والكلاب فإن الكاتب يتحفظ بوضوح على العنف وينبذه، بينما تمتد من أولاد حارتنا إلى اللص والكلاب فكرة نجيب محفوظ الأساسية ألا وهى أن لكل شيء دورة يعود بعدها إلى أصله، وتعود الثروة إلى أيدى القلة، ويظل الشعب صفر اليدين». هذه لمحات من وجود نجيب محفوظ فى عيون روسية، أجمعت على النظر إليه بصفته أديبا عظيما لا يتكرر. فى «الثلاثية» على ما أذكر، أو رواية أخرى لمحفوظ جاء على لسان إحدى الشخصيات: «إن الرجل القوى العذب أسطورة»، وأظن أن هذه العبارة توجز حياة وإبداع نجيب محفوظ، الأديب، الأسطورة، الذى أخلص لعمله كما لم يفعل أحد من قبل.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق