-
مليون متر مكعب فاقد يومى فى القاهرة
-
تهالك الشبكات وتوصيلات المنشآت والمدارس .. أبرز قنوات الإهدار
ما بين نسبة إهدار مياه الشرب التي تقدرها الدولة بنحو 23% من حجم الاستهلاك، وما يقدره الخبراء والمختصون بنحو 33%، لم تتخذ الأجهزة المعنية حتى الآن خطوات جدية وملموسة لمواجهة إهدار هذه المياه.. وبين قانون حائر لتنظيم مرفق المياه بين مجلس النواب والحكومة، مرة بتقديمه، وأخرى بسحبه لخلافات بين الوزارات والجهات المعنية حول دور كل منها في القانون الجديد، وبين مبادرات لوقف الإهدار وتوقيع برتوكولات لتصنيع حنفيات مياه مرشدة للاستهلاك، ما بين هذا وذاك تفقد مصر يوميا ملايين الأمتار المكعبة من المياه الصالحة للشرب، سواء عبر شبكات متهالكة أو غير مطابقة للمواصفات، أو عبر سرقات للمياه من مواطنين، أو إهدار بلا داع في دور العبادة والمدارس والمنشآت والمصالح الحكومية، فضلا عما نراه يوميا من استخدام غير رشيد برش الشوارع أو غسل السيارات.
فـ«قطرة المياه» التي تساوى «حياة» كما يُقال، أصبح الكثير في مصر لا يدرك أهميتها وقيمتها، ربما لأنهم يرون ماء النيل ينساب أمامهم، وكأن الدولة لم تتكلف مليما في جلبه، وعليه يسرفون بلا وعي، غير مدركين أننا وصلنا إلى مرحلة الشُح المائي، التي تهدد وجودنا في الحياة.
مشروع قانون
المهندس مصطفى الشيمي، رئيس مجلس إدارة شركة مياه الشرب بالقاهرة الكبرى، كشف عن أن «مشروع قانون تنظيم مرفق المياه» عاد مرة أخرى إلى مجلس النواب، بعد إعادة دراسته، وسوف تتم مناقشته وإدخال التعديلات المطلوبة عليه ومن ثمّ إقراره، ومن أهم ملامحه تحديد العلاقة بين المنتج والمستهلك بصورة أوضح على أسس جديدة، وسوف يكون للقطاع الخاص دور في المشاركة في محطات المياه، وإدارتها وإنتاج المياه، على أن تحدد الدولة أسعار الاستهلاك.
أما عن دورنا في ترشيد المياه فقد قامت الشركة بحملة إعلانات كبيرة، وأعدت خطط توعية للمساجد والكنائس والمدارس والمصالح الحكومية، إضافة إلى ندوات تثقيفية لربات البيوت والأسر، من أجل الاستخدام الصحيح وعدم إهدار المياه، وهذا الأمر تقوم به كل شركات المياه في الجمهورية.
وأضاف: على مستوى تنفيذ القانون قمنا بالتعاون مع محافظ القاهرة السابق اللواء عاطف عبدالحميد الذي كلف رؤساء الأحياء جميعا بتوقيع غرامات على من يقوم باستخدام خرطوم المياه في غسل السيارات، وذلك بتصوير السيارة وإرسال المخالفة إلى وحدة المرور لتوقيع غرامة عليه.
إسراف بلا وعي
لكننا - كما يضيف المهندس مصطفي الشيمى - ما زلنا لا نعى قيمة المياه في مصر، ونسرف في استهلاكها بلا وعى، ولا ندرك أننا الآن في مرحلة الشح المائي، فمتوسط استهلاك المواطن عالميا فوق ألف متر سنويا، وهذه الحصة تشمل الزراعة والصناعة والغسيل والاستحمام وكل استخداماته من المياه، هذه النسبة في مصر تصل للفرد بنحو 600 متر مكعب، وهذه النسبة تندرج تحت «الشح المائي»، وتقل عما يسمى بالفقر المائي الذي يصل إلى 700 متر مكعب سنويا، ونرفض التهويل بأن إهدار المياه في مصر يصل إلى نحو 35%، حيث إن النسبة الصحيحة هي 23 % على مستوى مصر، 99% من هذه النسبة سرقات.
ويعترف رئيس الشركة القابضة بأن هناك بالفعل إهدارا للمياه في القاهرة يقدر بمليون متر مكعب يوميا، لكنه لا يرجع ذلك إلى تسريب من مواسير المياه التي تستقبل يوميا 13 مليون متر مكعب، بل إلى سرقة المياه من جانب بعض المواطنين، وعلى سبيل المثال اكتشفنا أن هناك 30 فدانا بعرب الوالدة بحلوان يتم ريها بمياه الشرب، أما الشبكات فمن الصعب أن يتم تسريب لها ولا نعلم به، لأن المياه في حال التسريب قادرة علي الظهور بسرعة وبالتالي يسهل معالجتها، لكن هناك تسريبا قليلا يتم من الشبكات ويصل إلى الصرف الصحي وهذا قليل.
ولحل مشكلة الإهدار والتسريب، أكد الشيمي أن هناك اتجاها من وزارة الإنتاج الحربي لإنتاج حنفيات مرشدة للمياه، حيث تم الاتفاق مع الوزارة على تسويق هذه المنتجات على المساجد والكنائس والجامعات والوزارات والمستشفيات، بحيث تتحمل هذه الجهات تكلفة المنتج، بينما ستقوم الشركة بتركيبها مجانا، حيث يصل عدد هذه الحنفيات إلى نحو 300 ألف حنفية، حيث إن تكلفة الواحدة منها نحو 40 جنيها فقط.
سحب المشروع
النائب محمد عبد الغنى عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب، قال إن مشروع قانون تنظيم مرفق المياه تم سحبه من اللجنة منذ عامين بمعرفة الحكومة، ولم يتم تقديمه إلى الآن، وأسباب سحب القانون ليست لخلاف مع البرلمان، بل لخلاف بين الجهات الحكومية المعنية بالمياه، على أدوارها داخل القانون، وليس لخلاف في التوجه، وهو خصخصة شركات المياه، وحتى تتم معالجة هذه الخلافات أو الاختلافات فسيعود القانون إلى البرلمان، وأري أنه سيتم الموافقة عليه كما حدث مع سوابق عديدة قبل ذلك مثل قانون تنظيم الاتصالات وقانون تنظيم النقل والغاز وغيرها، لكننى ما زلت ضد هذه الخصخصة، كما أن سعر تكلفة المياه كبير ولا يحتاج إلى خصخصة، فقد حدثت له ارتفاعات كبيرة خلال السنوات الماضية، وأصبح المواطنون يشكون من ارتفاع أسعارها مثل الكهرباء تماما.
الإهدار الأكبر
لكن النائب يرى أن إهدار المياه الأكبر يأتي من شبكات المياه، حيث يتم إهدار ما يقرب من 32 % من المياه التي يتم إنتاجها، وهى نسبة كبيرة، تتم بأيدي القائمين على إنتاج المياه في مصر، وهى أكبر مما يتم إهداره في الشارع، وعليه يجب محاسبة هؤلاء، كما تتم محاسبة من يهدر المياه في الشارع، والإهدار في الشبكات ليس فقط بسبب التهالك والبنية التحتية وعدم الصيانة الدورية، بل أيضا بسبب سرقة المياه وعدم محاسبة من يسرقها.
سوء التنفيذ
د. سامح أرمانيوس أستاذ الموارد المائية بكلية الهندسة جامعة عين شمس قال إن معدل تسرب مياه الشرب فى مصر من الشبكات يسجل نسبة كبيرة، وذلك بسبب سوء التنفيذ بالأساس، كما أن وزارة الإسكان حين تسند إنشاء الشبكات فإنها تسندها لعدة شركات، وحين يتم تسلم الأعمال يكون من خلال كل شركة بمفردها، وبالتالي نفتقد الترابط العام بين أعمال هذه الشركات، وهى صورة من صور الإهدار، كما أننا نتعامل بطريقة تكشف عن عدم الإحساس بأهمية نقطة المياه.
أزمة ثقافية
وأضاف أننا نستهلك ما يقرب من 5 إلى 7 مليارات متر مكعب سنويا، نهدر منها ما يقارب الـ 30%، وأزمة الإهدار في مصر أزمة ثقافية، فنسبة الأمية والفقر لها دور كبير، فالكثيرون يرون أننا لا نتكلف شيئا في إنتاج هذه المياه وبالتالي يتم الإهدار، وعلينا الاتجاه إلى الحنفيات الموفرة، أو التي تعمل بالكهرباء وهى موجودة الآن في الفنادق والمطارات وبعض المساجد، وبرغم أسعارها المرتفعة فإن لها دورا في التوفير.
ري زراعي قديم
د. سامح العلايلي عميد كلية التخطيط العمراني السابق، أكد أن الاستهلاك المنزلي من المياه لا يزيد علي 10% من إجمالي المياه الموجودة في مصر، والباقي ري زراعي قديم وبدائي جدا وله دور كبير في الإهدار، ويحتاج إلى إعادة نظر بشكل كامل، إضافة إلى ذلك يوجد إهدار للمياه بعيدا عما سبق مثل إهدار مياه السيول في جبال البحر الأحمر وجبال سيناء، وهى كبيرة جدا سنويا.
الحفاظ على قطرة المياه.. واجب قومى «صورة أرشيفية»
رابط دائم: