أتابع ما تكتبه إليك العديد من الفتيات حول حكاياتهن لغرض المشورة والنصح، حتى وجدتنى بعد تردد دام فترة أعرض عليك موضوعا مس خواطرى وعواطفى بالشكل الذى جسدته ربما سمات ومفردات لفظية، ودواع شعورية، فثمة لقاء ارتبط فى تقديرى بما ساهم فى إزاحة الستار حول خفايا كامنة داخل كل فتاة فى مرحلة الدراسة الثانوية العامة مثلي، وهى مرحلة عمرية تلاشت حولها أسباب وأدبيات وسلوكيات ساهمت فى تشكيل بيئة حاضنة من الممكن أن تنشأ عنها أمور دقيقة وذات أهمية خاصة.. لقد بدأت حكايتى فى «كافيه» بوسط العاصمة، حيث النشوة تحتضن المشاعر والخواطر والأحاسيس، وقد عشت فصولها دون أن أدرك المغزى الذى دفعنى للقاء جاء بترتيب مسبق مع أحد مدرسى مادة علمية، عندما أردت التغلب على ضعف مستواى، وشاءت دوافعى أن يتطرق الحديث بيننا فى ركن هذا «الكافيه» إلى أمور رتبتها ربما قدرة فائقة على حبك لغة الجسد بأكثر من كلمات يمكن أن تشير إلى المستوى التحصيلى للمادة التى أعانى ضعفا فيها.
لقد أحسست فى لقائى مع هذا المدرس بأهمية التأمل عبر جدران حجرتى بمنزل أسرتى، وبين دنيا تتسع لمجريات حديث ناعم أتاحته بالضرورة ظروف حاجتى للتقوية فى أصول هذه المادة؛ فما بين ملاطفة ولحظات سادتها فى بعض الأحيان فترات ارتبطت ربما فى كثير من ثناياها بإشارات وجدتنى على إثرها أنتشى نسمات حرية العيش خارج إطار حجرتى بمنزل الأسرة، ليس طلباً لمغازلة أو استلطاف، بقدر حاجتى إلى أمور تصلح للبناء عليها، فى إطار هدفه ارتباط قد ينتهى بزواج، وظل القاسم المشترك كامناً تبطنه رغبة تحتاج فى تقديرى من يأخذ بأبعادها لتهتدى إلى غايتها التى لم تعد قادرة على أن تفصل بين حديث حول أمور عاطفية أتاحه طلبى تقوية فى إحدى المواد الدراسية، ونشأت على خلفياته وأسبابه معالم وأمور، وتلاشت بين ثناياه خفايا أحاديث تفاوتت ما بين ثقافية وأدبية ومعرفية وامتدت إلى خصائص أدركت لتوها حاجتى إلى إطار تحفظى، وإن كنت فى كثير من ثنايا الحديث لم استطع اقتناص المعنى الذى تخفيه دوافع وتقتضيه أمور ذهبت فى غالبيتها إلى ضرورة عدم الخلط بين ذرائعى ودوافعى.
والدى يمتلك مجموعة من محلات لبيع السيارات وسط البلد، ووالدتى موظفة بإحدى إدارات الجامعات الأجنبية، أما شقيقتى التى تكبرنى بعامين فهى طالبة بالجامعة نفسها، أما شقيقى الأصغر فمازال تلميذا بالمرحلة الإعدادية، ويغلب على حياتى ترف العيش، وقد ارتبطت بهاتفى المحمول بشكل شبه جنوني، وتحولت كل خواطرى إلى رنين لم يكف عن تلبية زيارات إلى «الكافيه» للقاء فلقاء، حتى صارت هذه اللقاءات ترسم لوحة دراماتيكية شملت الخطوط والظلال والأبعاد المرئية والطبيعة الساحرة للمكان الذى يتخلله جندول يضفى نسمة تحمل فى طياتها اريج عطر حبيبى الذى يجلس أمامى أستاذ المادة.. لقاءات تحوّلت إلى حب شبه اسطورى عشت فصوله منتشية أرق المعانى التى غالباً ما أحتاج إليها معنوياً وجسدياً بلا حدود أو تحفظ أو مجرد لحظة التقط فيها انفاسى، التى باتت ترتبط بما تحكى عنه سطور أجمل روايات الحب عبر رحلة عاطفية انتهت فى غالبيتها على نحو تراجيدى اقتضته دواعى لحظة قاربت فيها اقدارى وتحولت فيها دوافعى ازاء طلب العون من مدرس مادة وحسب.. ماذا لو لم أكن على هذه «الوضعية العاطفية» التى ذهبت إلى حد أنها انطوت على إعادة رسم خطوط تتصل فى سياقها بدوائر شعورية لها طابعها الخاص يرتسم عند محيطها مشهد كلاسيكى غاية فى الدقة، وقد تحوّلت حياتى من لغة تداخلت فيها وتنوعت الرؤى والخواطر إلى حالة حب لم استطع مفارقته لحظة واحدة؟.. هل هى رحلة أو مرحلة تنتهى بعدها ثنايا أمور ما تلبث أن تأخذنا إلى دوائر وخطوط اتصال لتحدد من جديد ملامح مرحلة عمرية لها استحقاقاتها الجسدية، وربما أيضاً لها مناطق نفوذ، من الممكن أن يمتد تأثيرها إلى آفاق أرحب مع «توك شو» وبرمجيات العلوم الكلاسيكية؟
يمر العام الدراسى وخفقات قلبى تعيش أجمل مرحلة حب أتجاوز من خلاله رغبة ملحة فى نجاحى بالمرحلة الثانوية، ولم اكترث لحظة إزاء غموض بات يلف عواطفى أتاحته الاقدار على غير توقع.. إننى أعرف سلفاً طبيعة مرحلتى العمرية، لكنى بطبيعة الغرائز أستطيع أن استشرف الأفق، وبطبائع الأمور يمكننى أن استشف ما يحقق لى توازناً أراه إلى حد بعيد مفقودا، إلا أننى بالحب أحيا حياتى التى باتت بمثابة عنوان عند مفترق الطرق، فماذا يمكن أن تقدمه لى من نصح وإرشاد؟.
< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
أغلب ظنى أنك صاحبة رسالة «الاندفاع العاطفى» التى تحمل نفس أسلوب هذه الرسالة، والذى حافظت عليه قدر الإمكان لكى تخرج كلمات الرسالة بمفرداتك، التى تتسق مع ما قلته من قبل بأن ترتبطى عاطفيا بأى شاب يقابلك، ورددت عليك بما يناسب طريقة تفكيرك، وأعتقد أن رسالتك هذه لن تكون الأخيرة حول قضية الزواج والارتباط، وأنك سوف تحكين مغامرات أخرى بالطريقة نفسها، فاحذرى «الفلسفة غير المبررة»، ومحاولة استعراض كلمات ومفردات تبررين بها أخطاءك، فمجرد لقاء تلميذة بالمرحلة الثانوية مع مدرس مادة فى «كافيه» أو غيره من الأماكن دون وجود الأب أو الأم فيه مخاطرة كبيرة، ولا أدرى كيف سمحا لك بذلك، وهل يعلم والدك الثرى بصنيعك هذا، وماذا كان رد فعله؟، وأين والدتك وإخوتك؟.
أن مشاعرك تجاه أستاذك، بصرف النظر عن سنه، ربما يكون سببها الحرمان العاطفي، الذى دفعك إلى التفكير فى أن تكونى طرفاً فى قصص الحب بحثاً عن «قلب حنون» بديلا عن أبيك الذى تلهيه تجارته، أو فارس أحلامك تقليداً لما ترينه فى الأفلام الرومانسية، وهذه المشاعر قد تكون بريئة، وتبحث عن بر الأمان من خلال الإعجاب والحب، ولكنها ليست مشاعر حقيقية، وفى بعض الحالات تكون مجرد أوهام عابرة حتى لو أن ظاهرها هو تعلق طالبة بأستاذها إلى حد العشق، ولذلك أحذرك أنت ومن يعشن هذه التجربة من أنها مشاعر زائفة، ويجب التعامل معها بحكمة، وتفهم لطبيعة المرحلة العمرية التى تعيشنها، مع مراعاة أن بعض الأساتذة للأسف يستغلونها فى إقامة علاقات خاطئة مع تلميذاتهم، ويكونون سبباً فى لجوء بعض المراهقات إلى العيادات النفسية، بسبب معاناتهن من اضطرابات نفسية نتيجة تعلقهن بهم، ومن الضرورى وجود مراكز للخدمة النفسية فى كل مدرسة وجامعة لعلاج مثل هذه الحالات عن طريق الإرشاد النفسى، ويجب أن يهتم الأهل بابنتهم خلال فترة المراهقة، وعليهم ألا يتجاهلوا هذه المرحلة بأعبائها حتى تعبرها الفتاة بسلام، وذلك عن طريق شمولها بالرعاية والحب والتقدير، وأن تكون الأم هى القلب الحنون، فتستمع بإنصات لها، وعلى كل مدرس أن يوضح باستمرار للفتيات اللاتى يدرّس لهن طبيعة العلاقة بينه وبينهن، وأن يبتعد عن التعمق على المستوى الشخصى فى علاقته بهن، وفى حالة إبداء أى طالبة اهتماما خاصا به أو تلفظها ببعض كلمات الحب والغرام، عليه أن يوقف هذا العبث بالتوضيح لها بصورة أبوية دون جرحها أن هذا السلوك غير مقبول، أما من ينساق إلى مشاعر طالباته وينسى حدود دوره كأستاذ ويخلطها بدوره كحبيب فهو مريض نفسيا ويحتاج إلى العلاج هو الآخر، لأنه يشبع مشاعره وأحاسيسه ممن لا تصلح لهذا الغرض، كما أنه يعرض نفسه لأزمات ومواقف لا تليق به كمدرس.. فمن هذا المنطلق أرجو أن تتوقفى عن لقاء أستاذك، وأن تركزى فى مستقبلك، وسوف تدركين عندما تكبرين أن مشاعرك السابقة لم تكن مشاعر حب، وأن الحب الحقيقى الذى يؤدى إلى تكوين أسرة ناجحة له مرحلته العمرية، وشروطه من التوافق مع شريك الحياة المنتظر فى كل الوجوه.
رابط دائم: