«لو أصبحت رئيسا سأخرج البلاد من الأمم المتحدة، فهى مؤسسة عديمة الفائدة»..»أحب شعب إسرائيل، وهى دولة ذات سيادة، فقرروا عاصمتكم وسنسير وراءكم»! ..
عينة بسيطة من تصريحات رئيس البرازيل الجديد ومرشح أقصى اليمين جايير بولسونارو الذى فاز فى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التى جرت نهاية أكتوبر الماضى، وحصل على ٥٥٫٧٪ من الأصوات مقابل ٤٣٫٣٪ لمرشح اليسار فيرناندو حدّاد.
وتعبر أقوال بولسونارو الحادة والتى تنطق بالعنصرية والتطرف عن مستقبل مظلم ينتظر المهاجرين الأجانب والأقليات، فضلا عن تدفق وعوده بتغيير الأوضاع الحالية فى البرازيل وإخراجها من اتفاقية باريس للمناخ. وبالنظر إلى صعود اليمين المتطرف فى الولايات المتحدة وأوروبا والإطاحة بالمعسكر اليسارى من كادر السلطة والنفوذ السياسى، ليس من المستبعد أن يتسع نطاق «فيروس» التشدد ليجتاح أمريكا اللاتينية انطلاقا من أن الفرصة مواتية والأرض ممهدة حاليا أمام الصقور فى ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية تحت مظلة حكم الاشتراكيين.
وشهد عهد الرئيسة البرازيلية السابقة ديلما روسيف حزمة من الانكسارات تمثلت فى الانكماش الاقتصادى وما صاحبه من ارتفاع نسبة البطالة، وثورة وسائل الإعلام على فضائح الفساد التى طالت الرئيسة وبطانتها وكبرى الشركات مما أدى إلى هبوط شعبية روسيف إلى أدنى مستوياتها فى تاريخ حزب العمال. ودفع الوضع الشارع البرازيلى إلى البحث عن بديل آخر يعوض خسائره الفادحة، فراهن على عودة معبود الملايين لولا دا سيلفا رغم وجوده خلف القضبان، إلا أن وضعه القانونى حال دون تجديد الحلم القديم وانتهز الخصوم السياسيون الورقة لإزاحته من طريقهم نحو كرسى الحكم. وتدريجيا توحدت صفوف اليمينيين فى البرلمان البرازيلى، تحت تجمع «طلقات نارية وإنجيل ولحم بقري»، ونجح رموز اليمين فى تقوية شوكتهم وتوسيع تحالفاتهم مع حركة الإنجيليين المتطرفين، التى تنادى بقطع أشجار الغابات فى المناطق الريفية، فضلا عن الاندماج مع جماعات الضغط التى تدعو إلى انتشار الأسلحة لمواجهة ظاهرة تفشى الجريمة فى البلاد، تزامنا مع مقتل أكثر من ٦٠ ألف برازيلى عام ٢٠١٤ فقط، وهو الأمر الذى استغلته الجماعات اليمينية المتطرفة لتتمكن من تقديم نفسها كـ «محامى الدفاع»عن المجتمعات الفقيرة. ويخطط بولسونارو لفتح الاقتصاد البرازيلى المحلى المغلق كى يحصل على التمويل الأجنبى، ويخلق الكثير من الفرص لزيادة الخصخصة فى الدولة، استغلالاً لمصادرها الطبيعية، علاوة على نيته لتخفيض الأجور ورفع مستوى الضمان الاجتماعى للفقراء، كما يحظى الرئيس الجديد بدعم المستثمرين فى بلاده، وبدأ يقطف ثمار المعركة الانتخابية قبل الفوز بارتفاع قيمة العملة والأسهم والسندات بمجرد ظهور استطلاعات الرأى التى رجحت كفته قبيل إعلان النتائج النهائية، ويُعزى ذلك إلى رهان المستثمرين بالدرجة الأولى على ولاية بولسونارو باعتبارها الملاذ الأخير للهروب من مستنقع الركود الاقتصادي، نتيجة سوء الإدارة لحزب العمال، بعد سنوات مريرة وطويلة. ولايكتفى الرئيس البرازيلى بكسب ثقة المواطنين فى الداخل، بل يعمل جاهدا على استقطاب مشاعر وإعجاب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب كـ «مُلهم» لنموذج اليمين فى العالم، ولا يوجد أفضل من نيل الرضا الأمريكى بخدمة الابن المدلل إسرائيل والتضحية السافرة بمصير القضية الفلسطينية وحقوق شعبها المشروعة.
وما أعلنه بولسونارو من نقل السفارة البرازيلية إلى القدس اعترافا بأنها عاصمة لإسرائيل مجرد سطر أول فى فصل «صقور أمريكا اللاتينية» بكل أسراره ومفاجآته.
رابط دائم: