أرانى أرتبط عاطفياً بمجرد أن التقى شابا على خلفية التعارف الذى ربما يذهب إلى حد الارتباط بزواج، وهى سمة أظن أنها تمثل أحد مظاهر الاندفاع بالعاطفة إلى ما قد لا يحقق الغرض المحمود منها.. وتكرس سلباً أحد مظاهر مناخ صار مهيمناً على حياة شريحة كبيرة على مستوى الجنسين ممن هم فى سن الزواج، حيث إن «العنوسة» تضرب المجتمع فى ظل مناخ ساهم فى تفسخ العديد من أوجه العلاقات الاجتماعية، فأنا فتاة تجاوزت الخامسة والثلاثين من عمرى بقليل، وحاصلة على مؤهل عال، وأعمل فى إطاره لدى أحد المكاتب، وإشكاليتى وإن ظلت نسبية، تكمن فى بدانة تعيق ـ إلى حد ما ـ انطلاقة شبابية فى ظاهرها النمطى، محورية فى رمزيتها الموضوعية، ولم أعش فعاليات شبابى، ولا مجالات انطلاقاتى المطلوب استيفاؤها، والتى ربما من وجهة نظرى تقود إلى نتائج محفوفة بالمخاطر، فلقد تصادف لقائى مع رجل متزوج ولديه ثلاثة أبناء، ونال كل منا إعجاب الآخر بشكل أدى إلى ارتباط عاطفى تداخلت بين معالمه أمور، وتشابكت بين أتونه ظواهر، حيث أرانى فى حاجة إلى رجل حتى وإن تفاوتت السن بيننا بما يربو على عشرين عاماً، وهى فترة زمنية تنطوى على تفاوت فى كثير من الأمور التى تنطلق بها إلى آفاق رحبة، وترفرف على محيطها ألوان من العمق الوجدانى الذى غالباً ما تتوق إليه عروس فى ليلة زفافها.
وقد أحاطنى والدى بما تحمله تلك العلاقة من مخاطر أبرزها التفاوت العمرى بيننا؛ فضلاً عن كون هذا الرجل الذى أحببته متزوجا، ولم تزل فى عصمته زوجته، أما أنا فلم أملك إلا قرار زواجى بعقد عرفى شرعت فى إتمام بنوده وأنا الآن فى حكم زوجة هذا الرجل لستة أشهر، إلى أن احطت والدى بهذا الموضوع الذى يمثل بالنسبة له عبئا ثقيلاً لم تعد ظروفه تتحملها، وما بين دواعى عدم قبول والدى بهذا الزواج، وبين إتمامه بالفعل من هذا الرجل، تكمن أسباب الدفع بإشكالية الأسباب التى ربما دفعتنى إلى مثل هذه الخطوة، فهى مظاهر تحيطها أسباب عدم إتاحة فرصة عمل قد تحدد أنماط التعاطى وروح العصر، وظواهر القنوط ودوافعها والتى ربما دفعت بها عوامل نمطية صرنا جزءاً من دلالاتها الظاهرية، وقد ساهمت بدورها فى تعميق الهوة بين مقتضيات ما ألفناه عبر دراما الزمن الجميل من حيث الارتباط الأسرى عميق المغزى، والقائم على التحاور العائلى والتعاطى مع قيم الدين الحنيف، وما إلى ذلك من مظاهر الحب البعيد عن الأنانية، ما أحوجنا إلى رقابة فاعلة يكون عمقها التربوى والسلوكى آخذ فى التبلور باتجاه البناء التربوى السليم؛ بعيداً عن تلك الهجمة الشرسة التى تعرضت لها شريحتنا العمرية بما أطاح بالعديد من شباب الجنسين إلى ما لا تحمد عقباه، وما بين الانخراط فى غيبوبة المخدرات مروراً بتعاطى مظاهر التغييب العقلى التى انطوت عليها مظاهر ثقافة رجال الأعمال ومستثمرى عولمة الشارع، وانتهاءً بما يحقق الانفلات الظاهرى عميق الدلالة، صارت حياتنا تموج بما لا يحقق التوازن المفقود لدى العديد من الأسر التى يسعى أبناؤها للتعايش مع العصر بشكل سطحى دون الدخول إلى عالم تفضى معالمه إلى عمق ثقافى وأدبى.. ما أحوجنا فعلاً إلى أن ندرك مغزاه، فمن أخطر إشكاليات الشباب أنه صار غريباً فى بيته وإطاره الاجتماعى وإحساسه بالعزلة عن مفردات درج عليها آباؤنا، وترتب على ذلك عدم تقديم المشورة للأبناء، فالإشكالية هنا يجب أن تحظى باهتمام خبراء التربية الاجتماعية لاتصالها بشكل ونمط الحياة الأسرية على المستوى المنظور.. أين مناهج الدراسات الإنسانية التى تنطوى على غرس الآداب والسلوكيات التى تسهم فى التعامل الصحيح مع قيم العصر دون الخوض فى مظاهره التى انخرطت فى سلوكيات أدت بنا إلى المنحدر الخطير أو صرنا ـ كما أظن ـ عند مفترق الطرق؟.
لقد رحلت عنى والدتى منذ حوالى أربعة أعوام، ووالدى لم يزل يحيطنى بالعديد من العناية وتقديم المشورة، ولى ثلاث شقيقات تخرجن فى الجامعة، وإن ظلت العلاقة بيننا تتفاوت فى العديد من معطياتها، وتتداخل فى نطاقها دواعى عدم الألفة لتفاوت ثقافى أتيح لكل منهن طبقاً لدرجة وإمكانية كل شقيقة منهن، وقد أردت أن أضع أمامك خواطرى من منظور تجربة خاصة أحاطتها حالة ذهنية لم ترق بالضرورة إلى ما يحقق لها درجات من الوعى المطلوب، والجنوح نحو صحيح الفعل وإعمال العقل، فشريحة شباب اليوم بحاجة إلى مناخ ثقافى غابت عن فعالياته قيم التأصيل والاقتراب الجاد من بواطن الأمور سعياً إلى تحديد أنسب سبل الرقى والانسجام مع الذات، فكيف ترى مشكلتى، وبماذا تنصحنى؟.
< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
استوقفنى الأسلوب الذى كتبت به رسالتك، ومحاولتك تبرير زواجك العرفى من رجل فى مثل سن والدك، متزوج ولديه أولاد، دون أن تشركى أباك فى هذه المسألة الخطيرة، فأين كانت فلسفتك هذه حين استجبت له بدعوى الحب، والخوف من العنوسة، والغريب أن منهجك هذا لم يقتصر على هذه التجربة، بل هو جزء من تركيبتك الشخصية، حيث قلت فى بداية كلامك، أنك ترتبطين بأى شاب يبثك حبه، وهذا بالطبع خطأ فادح لا تدركين أبعاده، برغم أن كلماتك توحى بعكس ذلك!
إن الحب بمعناه الحقيقى يأتى بعد الزواج، وتلعب العشرة الحسنة ورضاء الأهل والألفة والمودة دورا مهما فى إرسائه، أما المشاعر المفتعلة التى يدخل فيها الغش والوهم والتجمل الكاذب بنسب كبيرة، فليست سوى شَرَك خداعى تنصبه الفتاة لنفسها، فيعيق خطواتها الصحيحة، وبالطبع فإن أى فتاة تحتاج إلى والديها، فتستشيرهما فى كل كبيرة وصغيرة، وهو ما غاب عنك، فوصل بك الأمر إلى حد عقد زواج عرفى بعيدا عن أهلك، وهذا مرده انحفاض تقديرك ذاتك، وحاجتك إلى الشعور بقيمتها فى الحياة، ومن ثمّ فإن مناعتها «صفر» أمام أى كلمة إعجاب من الجنس الآخر، ومن السهل جداً أن تتحول مشاعرك إلى عاطفة قوية يصعب أن تسيطرى عليها دون أن تكون تعبيرا عن الواقع والحقيقة، ولذلك يقع على الأسرة دور مهم تجاه الأبناء فى سن المراهقة، حيث تكون استعدادات الفتاة العقلية والنفسية فى حالة تكامل ووعى؛ فإذا استثمرت الأسرة هذه الاستعدادات أمكن بناء المراقبة الذاتية فى شخصيتها مبكراً، ولا شك أن تربية الفتاة على التدين منذ صغرها هو صمام الأمان الذى يغرس فى نفسها الثقة بالنفس، وأنها أهل للمسئولية الأدبية تجاه نفسها ووالديها بحفاظها على سيرتها الحسنة وسمعتها الطيبة، وإنى أحذرك من إتمام هذه الزيجة غير المتكافئة، فعليك فسخ عقدك العرفى على هذا الرجل، والتزام الطريق الصحيح، وأرجو من أبيك ألا يدعك تتصرفين فى أمر الزواج وحدك، فوجوده معك فى كل خطواتك هو الضمان الوحيد لعدم وقوعك فى الخطأ، وأسأل الله لك الهداية وهو على كل شئ قدير.
رابط دائم: