رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى ندوة كتاب «تفكيك العقل الأصولى»..
المصير البشرى يتطلب حوارا بين الدين والعلمانية درءا لخطر التطرف

فرحان صالح

أمام حضور كثيف بمركز الكتاب الدولى جرت مناقشة كتاب «تفكيك العقل الأصولى.. النزعات الجهادية فى الديانات الثلاث الإبراهيمية» لصلاح سالم، الكاتب بالأهرام، بمشاركة د. أحمد زايد عالم الاجتماع المرموق، ود. جمال عبد الجواد المدير الأسبق لمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، والأستاذ نبيل عمر الكاتب الصحفى بالأهرام، الذى أدار الحوار مرحبا فى البداية بالمناقشين وبالمؤلف الذى اعتبره صاحب مشروع فكرى كبير، بذل فيه جهدا فائقا على مدى سنوات عديدة، اعتاد خلالها ألا يكتب مألوف الأفكار ولا يشتغل على مفاهيم غيره بل يؤسس للمفاهيم، ويعيد اكتشاف وتوظيف الأفكار فى سياقات تبدو مدهشة، الأمر الذى يدفعنا ويجب أن يدفع الآخرين للاهتمام بما يكتبه وأن نناقش ما يطرحه من قضايا.

...........................

ثم تحدث صلاح سالم، شاكرا المناقشين والحضور، مؤكدا سمات رئيسية ثلاثا تسم عقل الأصولى المعاصر بالمستقبلية وتنفى عنه صفة الماضوية: أولها كونه عقلا خوارجيا، متمردا على التراث التقليدى الذى يأبى الخروج على الحاكم، فهو يستدعى فكرة الخلافة ويتذكر الصديق والفاروق لا من أجل أن يترحم عليهما، بل لصوغ دولة دينية تتحكم فى الواقع وتصوغ المستقبل. وثانيهما كونه عقلا نفعيا، لا يخاف من الحداثة بل يمتطى جوادها ويستخدم أرقى منتجاتها كالسلاح المتقدم، وشبكة المعلومات الفائقة لأجل القضاء على مبادئها المؤسسة كالعقلانية والفردية والعلمانية والنزعة النسبية والتاريخية..الخ. وثالثا كونه عقلا اختزاليا، يختزل الزمن فى اللحظة المصاحبة لانبثاق العقيدة. ويختزل المكان فى الحيز الذى احتضن العقيدة وتجربة الاجتماع الأولى المترتبة عليها. كما يختزل الحضارة فى الدين، فلا قيمة لاجتهادات الحكماء وتأملات الفلاسفة ونظريات العلماء، حيث الدين أساس كل نهضة، والتخلى عنه سبب كل تخلف.

ثم يتحدث المؤلف عن أساطير ثلاثة تشكل بنية عقل الأصولي: الأولى أن ثمة نمط حكم فردوسى يتسم بالمثالية، كان قائما ويمكن استعادته. والثانى أن ثمة مؤامرة على إيمانه يحيكها أصحاب المعتقدات الأخرى، أو يحيكها العلمانيون المدنسون المارقون من الإيمان باطنا ولو ادعوا غير ذلك ظاهرا. والثالث أن ممارسة العنف بدرجاته المختلفة، تبقى حقا مشروعا له دفاعا عما يتصوره العقيدة الصحيحة، أو تأسيسا لما يعتبره الحكم الصالح.

نص مركب وشبكة معرفية

أما د. أحمد زايد فبدأ حديثه شاكرا الحضور، معربا عن سعادته بوجوده فى مناقشة أحد كتب صلاح سالم، وذلك لدافعين أساسيين: أولهما شخصى يتمثل فى تقديره ومحبته للمؤلف حتى أنه يشعر مع كل كتاب له وكأنه هو من أصدره، كونه يتسم فى سلوكه الشخصى بتواضع الفلاسفة وبساطتهم. وثانيهما فكرى يتعلق بطبيعة المساحة المعرفية الشاسعة التى يتناولها فى أعماله كلها تقريبا، والتى تمتد بين الأديان والفلسفة والسياسة والتاريخ، فتبدو نصوصه أقرب إلى شبكة معرفية منسوجة فى ضفيرة واحدة، وهو أمر يبدو شاقا وعسيرا لولا أنه مفكر صاحب مشروع كبير، يتطور كل يوم بل كل ساعة، على نحو يجعله أحد الأصوات القليلة فى العالم العربى كله، القادرة على الإسهام فى مسيرة نقد الحداثة وما بعدها.

ثم أخذ د. زايد فى استعراض مضمون الكتاب، مثمنا مقدمته التى اعتبرت الأصولية رد فعل عنيف «اختزالى» على اختلال الشرط الإنسانى، حيث يجد البشر أنفسهم أسرى لثقافة استهلاك تسعى إلى تنميطهم واختزال شخصيتهم فى بعدها المادى، صانعة ما يسميه المؤلف بـ (الإقطاع الروحى)، الذى لا يسلب من الإنسان حرية الجسد بل حس المعنى. وكذلك أبواب الكتاب الثلاثة التى تدور حول السلطة والهوية والعنف: «الحكم الفردوسى.. جدل المقدس والمدنس»، و «الهوية الأقنومية.. جدل الأنا والآخر»، و«النزعة الجهادية.. جدل الحداثة والأصولية»، حيث يتوزع كل باب على ثلاثة فصول يخص أولها اليهودية وثانيها المسيحية وثالثها الإسلام، ليس فقط احتراما لتراتب الوحى عبر التاريخ، بل كشفا للطبيعة الجدلية التى اتسم بها وحى كل شريعة فى علاقته بوحى الشريعة السابقة، حتى بدى وكأن الوحى الجديد يرد على تحد واجه الوحى السابق، فمثلا جاءت المسيحية بالغ الروحانية والإنسانية كى ترد على التصلب اليهودى الذى ذهب بالإلوهية إلى منحى عنصرى. كما جاء الإسلام ليرد على ما اعتبره النص القرآنى تشوها للعقيدة التوحيدية أفضى إلى تعدد المطلق، وهكذا. كما ينقسم كل فصل من فصول الأبواب الثلاثة إلى ثلاثة مباحث فى الأغلب، يستقصى أولها لحظة ميلاد التصور الأولى حول نمط الحكم أو شكل الهوية أو حدود العنف. ويستقصى الثانى منها تحولات هذا التصور عبر التاريخ، ووصولا إلى الطبعة الأخيرة التى تصوغ معالمه فى اللحظة الحاضرة، ما يمنح الكتاب قيمة فائقة، ويجعله نموذجا لكيفية إعمال المنهج التاريخى النقدى. وهنا يضرب د. زايد، بتواضع العلماء، مثلا بالمبحث الخاص بتحولات الهوية اليهودية، وكيف أنه تعرف منه للمرة الأولى على حركة التنوير اليهودى (الهسكالا) التى تأثرت بالتنوير الأوروبى فى القرن الثامن عشر، حيث كان رائدها موسى مندلسون تلميذا لكانط، وكادت أن تخرج باليهودية من النزعة العنصرية إلى أفق إنسانى لولا ميلاد الحركة الصهيونية نهاية القرن التاسع عشر، وهكذا.



أربع ملاحظات نقدية

أما د. جمال عبد الجواد فاكتفى بعرض د. زايد المميز لمضمون الكتاب، وقصر جهده على تقديم أربع ملاحظات نقدية لمؤلفه: الأولى أن عنوان الكتاب «تفكيك العقل الأصولى» ينطوى على مفهوم التفكيك، الما بعد حداثى، رغم أن المؤلف لديه موقف سلبى معروف إزاء ما بعد الحداثة، ومن ثم كان الأولى به استخدام مفهوم «نقد» الذى ينتمى إلى عالم الحداثة بدلا من «تفكيك» اللهم إلا إذا كان قد غير موقفه. والثانية تتعلق بمصطلح «الأصولى» فى العنوان نفسه، لأن الأصوليين لا يرون أنفسهم سوى «سلفيين». بل إن محمد عبده نفسه كان يعتبر نفسه سلفيا، فلماذا لم يستخدم الكاتب وصف السلفى ولو أضافه إليه وصف الجهادى بدلا من تعبير الأصولى الذى أسقطه عليهم من جانبه هو. والثالثة تخص الاختيار الاستراتيجى للكاتب، عندما قصر تحليله على الديانات التوحيدية ولم يكترث بالديانات الأخرى خصوصا الأسيوية، التى تضم نصف سكان العالم، حيث تسود الهندوسية والبوذية فى الهند، والتاوية والكونفوشية فى الصين، والشنتوية فى اليابان. فهل لا يعترف بتلك الديانات من الأصل؟ أم يرى أنها لا تنتج عنفا أصوليا؟ خصوصا وأننا نعرف أن الهندوسية بالذات أنتجت عنفا كبيرا ضد المسلمين الهنود، وتورطت فى اغتيالات متكررة، تشبه ما يقوم به الأصوليون المسلمون. أما الرابعة فتتعلق بما ذهب إليه المؤلف من وصف حركة الأفكار الحاكمة للعالم أنه تقدمية: من السحر إلى الدين إلى العلم، ما يشى بأن الدين مجرد محطة تم تجاوزها كليا مثلما ادعت الحداثة المتطرفة فى نهاية القرن التاسع عشر، حتى فوجئنا بعودة الدين نهاية القرن العشرين، خصوصا وأن المؤلف فى كتابه السابق «جدل الدين والحداثة» يرفض مقولة نهاية الدين، فما سر هذا التناقض؟.

تلا حديث د. عبد الجواد فتح الحوار للحاضرين، الذين أكدوا قيمة الكتاب رغم أن أغلبهم لم يقرءوه، سواء لأن بعضهم قرأ أعمالا سابقة لمؤلفه أو لأنهم يتابعون ما يكتبه فى الأهرام. وكان لافتا وجود بعض الأصوات المائزة سواء التى اتهمت الكتاب بالقسوة على الإسلام، خصوصا فى دعوته إلى نسخ فكرة الجهاد بذريعة أنها فقدت دورها فى العالم الحديث، بينما العالم الغربى الحديث يتواطأ مع الإرهاب ويدعمه. أو على العكس أصوات حداثية مجدت الكاتب واعتبرته ليس مجرد مفكر من الطراز العربى، بل فيلسوف يبشر بالعلمانية والتنوير على شاكلة روسو وفولتير كما ذهبت مثقفة سورية، وبين الصوتين كان هناك أصوات عديدة ثمنت المنهج المقارن الذى عولج به.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق