شهدت ندوة «الإسلام والغرب..تنوع وتكامل» التي نظمها الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين بمشاركة 13 رئيسا، ورؤساء وزراء سابقين من قارتي آسيا وأوروبا، إضافة إلي نخبة من القيادات الدينية والفكرية والشخصيات العامة من مختلف دول العالم، إشادة من جميع المشاركين ووسائل الإعلام، وقد أجمع المشاركون علي أن العالم اليوم بات أحوج ما يكون لمثل هذه المبادرات التي ترسخ قيم التعايش المشترك والحوار الفعال والتنوع الديني والتكامل المجتمعي.
وقد نجحت الندوة في فتح باب الحوار مع قادة أوروبا وغيرها، للتوصل إلي أوجه التشابه بين الأوروبيين والمسلمين في الغرب، وتصحيح الصورة النمطية ونظرة الاتهام التي تستخدمها وسائل الإعلام الغربية في محاولات مستمرة لربط التطرف والعنف والإرهاب بالإسلام، لكن الإسلام ليس بغريب علي الغرب؛ لأنه يمثل حاليا الديانة الثانية في أوروبا، ويعتنقه عدد كبير من الأوروبيين، كما ناقشت الندوة بكل وضوح وشفافية العديد من القضايا الدولية المثارة حاليا، وعلي رأسها العلاقة بين الإسلام والغرب وما تشهده من توترات، ومحاولة إيجاد حلول لها، وتطرقت الي قضية القومية والشعبوية، ومكانة الدين، ودعم الاندماج الإيجابي للمسلمين في مجتمعاتهم، كمواطنين فاعلين ومؤثرين، مع الحفاظ علي هويتهم وخصوصيتهم الدينية.
وأكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف خلال كلمته بالندوة، أن انفتاح الأزهر علي كل المؤسسات الدينية الكبري في أوروبا حديثا، والتجاوب الجاد المسئول من قبل المؤسسات الغربية أقوي دليل علي إمكان التقارب بين المجتمعات الإسلامية في الشرق ونظيرتها المسيحية في الغرب، وأن هذا التقارب حدث ومازال يحدث.
وعلي هامش الندوة كان لـ «الأهرام» عدد من الحوارات مع شخصيات سياسية بارزة، للوقوف علي آرائهم في أهداف الندوة، وأيضا مناقشة بعض القضايا الحالية والمثارة دوليا فيما يتعلق بالعلاقة بين الإسلام والغرب.

رجب ميدانى فى أثناء حواره مع مندوبة الأهرام
رجب ميداني .. سياسي وأكاديمي ألباني، تولي رئاسة ألبانيا في الفترة من 1997 حتي 2002، والأمين العام السابق للحزب الاشتراكي الألباني. بدأ مسيرته السياسية في التسعينيات، فتولي رئاسة اللجنة المركزية للانتخابات خلال أول انتخابات تعددية في عام 1991، وعضوية المجلس الرئاسي.وفي أوائل التسعينيات تولي رئاسة المركز الألباني لحقوق الإنسان. وفي عام 1997 تم انتخابه رئيسا عقب فوز التحالف الذي يقوده الحزب الاشتراكي بالانتخابات العامة. حصل دكتور رجب ميداني علي الدكتوراه من جامعة باريس وجامعة تيرانا، حيث قام بالتدريس بكلية العلوم الطبيعية لثلاثين عاما، ويعتبر من أبرز الأكاديميين الألبان. وفي حواره مع الأهرام أجاب عن العديد من الأسئلة عن اوضاع المسلمين في ألبانيا، وكيف تغلبوا علي محاولات زرع وإثارة الخلاف الثقافي والديني، في فترة الحروب، كما تحدث عن خطورة انتشار الشعبوية في الغرب، وتأثيرها علي اندماج الآخر في المجتمع.. وإلي نص الحوار:
في ظل التطور التكنولوجي والمعلوماتي ما مدي حاجة العالم إلي التكامل من وجهة نظركم؟
من المهم إدراك حقيقة أن عالمنا اليوم مختلف عن السابق، فهناك العولمة، والعديد من وسائل الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي؛ لذا فهناك حاجة كبري ملحة ليصبح العالم متكاملًا، فنحتاج الآن إلي تحقيق التكامل بين المجتمعات وبين الأشخاص المختلفين، وينبغي فهم ذلك في أوروبا؛ لأن ذلك في مصلحة كل المجتمعات في الشرق والغرب لتسود ثقافة السلام ونبذ العنف.
من وجهة نظرك كيف يمكن دعم الاندماج الإيجابي للمسلمين في مجتمعاتهم، كمواطنين فاعلين ومؤثرين، مع الحفاظ علي هويتهم الدينية؟
من السهل جدا تحقيق هذا الاندماج لحماية هويتك الدينية مثل الإعلام الرسمي للبلد والتعليم والسوشيال ميديا ومع هذا كله يمكن أن تقابل بعض المشكلات في المجتمعات علي سبيل المثال أريد أن أتخيل لو حصل تضخم للمجتمع المسلم في الأماكن الأوروبية أتوقع ألا تحدث مشكلة في المجتمع المسيحي، بل يجب أن نشعر بالفخر وهذه المشكلة خارج نطاق الأهالي والمستخدمين، والمشكلة في هوية التواصل مع المجتمعات الأخري، وتوجد مبادرات طيبة للمساعدة علي التقارب مثل هذه الندوة.
كيف تغلبتم علي محاولات زرع وإثارة الخلاف الثقافي والديني، في الفترة التي مرت بلادكم بها بحروب كثيرة؟
نبحث عن الموضوعات المشتركة بيننا، ولابد أن يكون للمجتمعات المتشاركة في بعض القيم والصفات نفس المبادئ، وبالتالي كان لزاما عليها أن تتشارك في الأهداف.
عندنا خطآن في مجتمعاتنا وهما: أولا: الخلط بين المجتمع والشعبوية، وبالتالي نحتاج إلي استخدام عنصر مثل التعامل بالواقع لخلق حل لهذه الأخطاء، ولذلك يجب أن نعمل معا بالتوازي، الخطأ الثاني: هو العمل بفردية فيجب أن نعمل كشركة أو بشكل جماعي لتحقيق الأهداف المرجوة، وبالتالي نعطي للناس حقوقها ونعمل علي زيادة الوعي، والحل في هذا هو الشعبوية أي معاملة الناس بالواقع وليس مجرد شعارات رنانة، من أجل حياة أفضل ومن أجل العدل والمساواة وتقارب الشعوب والتقاء الثقافات.
في ندوة «الإسلام والغرب.. تنوع وتكامل»، قلت إنه توجد حقيقتان متعارف عليهما في التعامل مع المهاجرين، هما الاستيعاب والاندماج.. ما الفرق بين الكلمتين؟
توجد حقيقتان متعارف عليهما في التعامل مع المهاجرين، هما الاستيعاب والاندماج، فالاستيعاب يولد نوعًا من العزلة ما يخدم التطرف، بالإضافة إلي انتشار البطالة وصور التمييز، وهو يولد انقسامًا اجتماعيا، والحقيقة الثانية هي الاندماج، وهو طريق مزدوج تتبادل فيه ثقافاتُ الأغلبية والأقلية التأثيرَ دون أن يتخلي كل طرف عن هويته، وهي أفضل حل لخلق نموذج معاصر. وعلينا أن نستبدل فكرة الاندماج بالاستيعاب، من خلال توفير فرص للمهمشين لضمان التلاحم الحقيقي بين الأفراد دون تمييز، كما أن الأبعاد المالية تؤثر علي ثقافة المجتمعات، فالنظام التعليمي الذي يمنح فرصًا اجتماعيةً لكل الأطراف يعزز الاندماج الحقيقي، مشددا علي ضرورة اتخاذ خطوات أكثر لتقليل العداوات بين المجتمعات المختلفة.
من وجهة نظرك كيف يمكن دعم الاندماج الإيجابي للمسلمين في مجتمعاتهم، كمواطنين فاعلين ومؤثرين، مع الحفاظ علي هويتهم الدينية؟
الطريقة الناجحة لاستيعاب المجتمعات المسلمة في دول العالم هي التكامل وقبول كل طرف ثقافة الطرف الآخر؛ للتأقلم فيما بينهم، وقد كان من الشائع أن تسود ثقافة واحدة علي الجميع، إلا أن الهجرة التي حدثت عبر الأزمنة المتعاقبة غيّرت تلك الهيمنة، وأثبتت أن النموذج المتعدّد الثقافات هو القابل والشامل لاحتواء الثقافات المختلفة. كما أن هناك التزامات يجب علينا أن نتبعها، من بينها احترام الأقليات وإيجاد قوانين تحميها بغض النظر عن ديانتهم، وتبنّي رؤية مجتمعية متماسكة ودعم ثقافة الحوار والتواصل. ويجب علي الأقليات أن تتعلم ثقافة الأغلبية حتي تكون هناك حالة اندماج واستيعاب حيث تشكّل عملية الاستيعاب في غرب أوروبا مشكلة، مشددا علي ضرورة التكامل من الجانبين وقبول ثقافة الآخر، ولا بد للدول المصدرة للأقلية أن تتقبل ثقافة الدول التي صدرت إليها، كما يجب أن تتقبل الأقلية ثقافة دول الأغلبية وأن تتقبّل الأغلبية ثقافة الأقلية بتسامح.
من المتسبب في ظهور فكرة الإقصاء والشعبوية؟
مفهوم الإقصاء في العديد من دول الغرب بدأ ينتشر في ظل انتشار المهاجرين، والحقيقة أن البلدان الأوروبية مليئة ومتفجرة بفكرة الشعبوية، بل إن السياسيين يلعبون دومًا علي فكرة الصعاب الاقتصادية، والأمور الأمنية، ويحاولون اقناع قطاعات كبيرة من الشعب بفكرة الشعبوية للقبول بالسلطة المطلقة للفرد أو لمجموعة من الزعماء وكسب تأييد الناس والمجتمعات لما ينفذونه أو يعلنونه من السياسات، وللحفاظ علي نسبة جماهيرية معينة تعطيهم مصداقية وشرعية، فالشعبوية فلسفة سياسية أو نوع من الخطاب السياسي لاثارة عواطف الجماهير وكسب أصواتهم ودعمهم.
وكيف تري الصورة الآن، وفي أي اتجاه تسير؟
النزعة الشعبوية أصبحت علي عكس ما كانت عليه في عشرينيات القرن الماضي، ولابد أن نضع في اعتبارنا الأزمة العالمية المالية، ولكي نصل إلي تحليل إيجابي لابد أن نضع في الاعتبار حركات العولمة والتنوع الثقافي مع التغير السكاني، وبنظرة سريعة سنجد أن هناك العديد من الإشكاليات، وسنجد أن العولمة أصبحت ظاهرة عامة، وفي هذا المجال علينا أن نسأل: ما هي الخطوة التالية.
وكيف تري اندماج العرب والمسلمين في دول الغرب؟
إن الحوار بين الأديان مهم جدا لتعزيز الاندماج، و المهاجرين المسلمين في الغرب نموذج حقيقي للتكامل بين الأديان؛ حيث إن الأقليات المهاجرة مندمجة داخل المجتمعات الغربية، في ظل وجود فرصة للأقليات لإيجاد آليات للاندماج داخل الأغلبية في المجتمعات التي يهاجرون إليها.
ما رأيك في ندوة «الإسلام والغرب ..» وهل حققت أهدافها؟
تأتي ندوة الأزهر في وقت شديد الأهمية، ولها دور كبير في تحقيق التكامل بين المجتمعات المختلفة وتحقيق التكامل بين الشرق والغرب وبين الأشخاص المختلفين، ودعم الاندماج الإيجابي للمسلمين في مجتمعاتهم، كمواطنين فاعلين ومؤثرين، مع الحفاظ علي هويتهم الدينية، وتعزيز السلام العالمي ونبذ العنف والتطرف بكل صوره ومظاهره، وأنا أري أن هذه الندوة نجحت بالفعل في نشر ثقافة الحوار الهادف بين الأديان والجنسيات المختلفة، مما يسهم بشكل كبير في تصحيح صورة الإسلام الخاطئة في الغرب.
وما جهود ألبانيا لاستيعاب الآخر؟
ألبانيا لديها قوانين واضحة تحمي الأقليات وترفض التمييز وتحمي الفقراء، ومن خلال نظام تعليمي يلبي احتياجات الأقليات، ويعرفهم حقوقهم وواجباتهم، وقد عانينا الاضطهاد والمعارك كثيرا لذا نشعر بغيرنا من المسلمين والعرب، وللأقليات حقوقهم الواجبة والمحترمة في بلادنا، وتصل نسبة المسلمين في ألبانيا نحو 70% من سكان ألبانيا، ويمارسون كل مظاهر الحياة الإسلامية.
رابط دائم: